الدستور
15-9-2010
تعتعة الدستور
هل أستطيع – برغم قلمى– أن أفرح بالعيد!
القصيدة التى كتبتها فى أحد الأعياد منذ عشرين عاما كانت مليئة بالأشواك والآلام والأحزان، لكننى عدت أخفف من حدتها فى الأهرام بتاريخ 17 يناير 2004، بعنوان “سوف يعود العيد جميلا حين نعود”، بمقال حاولت فيه أن أعارض هذه النعابة التى نستقبل بها الأعياد (عيد بأية حال عدت ياعيد- المتنبى) ..إلخ، من بدايات القصيدة القديمة هذا النحيب:
“…ما حاكت لى أمى جلبابا ذا صوتٍ هامسْْ، لم يمسسه الماء الهاتك للأعراضْ، لم يتهدلْ خيطــــهْْْ، لم تتكسر أنفاســهْ. مارتبت المهدََ الغائبة الثكـلى، ما مرّت كفٌَ حانية -غافلـة- فوق الخصله، ما أعطتنى اللعبـه، فحملت الآلةََ، حدباء بغير علامهْ”.
ثم …أنهيتها هكذا:
“ينزف وعيى وسط الآلام المتناثرة هباءا، أتشتت مني، فأحاولْْ. أفشل قسرا، أتمزق. تتفرق أبعاضى كلٌّ فى جانبْ، أعجز أن أجمع نفسى من بين شظايا المرآة المسحورة”
حين هممت اليوم أن أكتب عن العيد، كنت مصرا أن أعود لأثبت لنفسى، ولنا، أننا نستطيع أن نفرح برغم كل شىء، بل إن من حقنا أن نفرح، بل إن من واجبنا أن نفرح، بل إننى ضبطت نفسى وقد تعلمت أن أقيس أدائى وصدق من أمامى فى عمله أو فى التزامه بقدرته على أن يفرح، تعلمت من مرضاى كيف أفرق بين الفرحة المسئولة وبين الضحكة الغبية، أو البسمة البلهاء، أو الحضن الأجوف، تصورت أن هذه السنوات قد أقنعتنى أننا “عدنا” بشرا نحمل مسئوليتنا، فمن حقنا أن نفرح، ولو فى العيد.
حين أمسكت بالقلم اليوم لأثبت ذلك، وجدته ثقيلا يقاوم بعناد حتى استطاع أن يسحبنى إلى الاتجاه المضاد وهو يستلهم الظلم والظلام الجديدن، كان يقلب صحف اليوم وهو يتملى فى الصور على صفحاتها الأولى، راح يكتب من جديد:
أرجوحة هذا الزمن الأنذل دبـابة،
وعرائسه قنابل موقوته،
والبهجة ماتت فى معزى مجلس أمنٍ يتحكم فيهِ شيطانٌ لزجٌ أملسْ،
والطائرة بلا طيار تقصف مهد الطفل النائم
والمعنى فى بطن القاتل
“إستبق” الأحداث بقتلك هذا الشاب الحالم بالحرية،
لا ترحمْ،
إرهابّى آثم!!
(ليس سوى مشروع شهيد يتحفز أن يعبد ربه
وهو يزيح الظلم بعيدا عن أرضه”)
توقفتُ وكدت أقصف قلمى الذى لا ينقصف، فجاءنى من خلفى صوت أهازيج المفاوضات المباشرة من واشنطن تردد تلبية أحدث:
لبيكَ البيت الأبيض والأقدر لبيكْ
لبيك لا شريك لك لبيكْ
إن الحلَّ،
والعقدتَا،
والمسألتا،
كلها بين يديكْ
لبيك لا راد لقرارك لبيكْ
ولا رجعة عن خطة طريقك، لبيك
ومحكات الصدق هى: حبر الأوراقِ،
وغياب الوعى،
وحقوق البشر المشبوهةِ
ورصيد البنكْ،
لا شريك لك
ما هذا!!؟ إلى أين يذهب بى هذا القلم الغبى، وهو يصر أن يقلبها غما أعمق وأمرّ حتى فى العيد، عدت أنظر فى الصور المنشورة للسادة المجتمعين فى واشنطون، فوجدت ابتساماتهم تملأ وجوههم بغير فرحة، ولكن بيقين بأن الأمور تسير كما تسير!!!!، وأنها سوف تنتهى إلى ما تنتهى إليه!!!، وأن المسألة كلها هى مد تعهد وقف التوسع فى المستوطنات بعد أسابيع، والأهم هو ما يجرى تحت المائدة للاتفاق على توزيع الغنائم على الدول المشاركة فى رسم خريطة “الأكذبْ يكسبْ”،
ويعود القلم يخرج لى سنه ويواصل:
“والقمر المصنوع يلوّح بسراب فضىًّ يحسبه الظمآن مياها،
والمنبع حجرٌ قاسِ، شيطانٌ أسمر أملس”
فأنهره وأعترف له أننى تنازلت عن حقى فى الفرحة بعد أن فقس اللعبة، وأننى حزين حتى النخاع، فيعود يعايرنى، يكتب:
“الحزن النعـَاب مذلهْ،
والألم بلا فعل يُجهض نبضَ الثورة،”
أستأذنه ولو ليوم واحد ليكون العيد عيدا، فيخرج لى صور أطفال قتلوا فى مهودهم، وعذارى انتهكت براءتهن، والدماء تحيط بالمفارش، وتسيل على طرف الأسرة، ويمضى يكتب:
فليتعرّفْ أىٌّ منكم من فيهم طفلهْ،
ومن هى بنت الجيران
…..
أخطف منه الورق، وأكتب أنا متحديا:
فلنتعانق خارج مسجد أبراج الحادى عشر الخالد من سبتمبر
ولترتفع المئذنة الأخرى:
ونواصل،
فتطل الفرحة:
حين يصير الأعدل أقدر:
-إن كانت فى الأيام بقية-
سوف يعود العيد جميلا…، حين نعود.
الحقّ تبارك وتعالى وعــد الناس بألا يبقى،…. إلا ما ينفع.
إن هم دفعوا الثمن الأوجب
ليكونوا بشرا: خِلقته الأجملْ