نشرة “الإنسان والتطور”
16-3-2011
السنة الرابعة
العدد: 1293
هذا الوعى الجمعى للشباب خاصة: لم يكن مفاجأة!!!
قصة قديمة أخرى (8)
اقتطاف من اعتذار أمس ومزيد عليه
(إذا كنت قد قرأته أمس، فلا تقرأه اليوم، أو اقرأه..!!)
(ما زلت)… لا أستطيع هذه الأيام أن أبتعد عن ما يجرى فى مصر أساسا، ثم من حولنا أيضا، ما الحكاية؟
أنا فى حال:
لست مطمئنا، ولا أنا خائف، أنا حزينٌ، فرحٌ، متـرقـِّبٌ، مجتهدٌ، متحفزٌ، مشدودٌ، آمـِـلْ!
أرتاح بعض الشىء حين أرجع إلى بعض ما كتبت فى العشر سنين الأخيرة، فيصلنى أننى لم أقصِّر، وإن كنت لا أخدع نفسى فأتصور أننى بمحاولاتى المتواضعة قد ساهمت فى تكوين هذا الوع بشكل أو بآخر.
….. أراهن أن هؤلاء الشباب لم يقرأوا حرفا مما كتبت، ومع ذلك..!!
هل يمكن أن يتكون “الوعى العام” من “الوعى العام” مباشرة، حتى دون أن يتواصل بعضه ببعضه بالرموز والإعلام؟
هل يمكن أن تنمو بيننا، نحن البشر، مثل النمل والنحل والفيلة: ثقافة إيجابية مشتركة تحافظ على نوعنا فى مرحلة ما من الزمن؟
بمراجعاتى لبعض ما سبق أن كتبت ونشرت، أفاجأ بأن ما يجرى حولى الآن يكاد يكون مرصودا حرفيا فى بعض ما خطر لى من سنوات، ولولا فضل الحاسوب هذا ما تذكرته.
قررت أن أتابع نشر بعض ما يتصل بذلك مما سبق نشره، لعله يثبت أن وعيا إيجابيا كان يتكون فينا جميعا بالرغم منا، حتى وصل تراكم إيجابياته إلى ما ظهر نبيلا قادرا هكذا على السطح كما عشناه واعتبرناه مفاجأة قصوى، هذه الأيام.
القصة رقم (8)
……..أمن الدولة!!!(1)
(1)
جلس الرجل مسترخيا أمام التلفزيون وهو يتابعه، لكنه لا يتابعه، سِيّان. كان فى انتظار شقيق زوجته الذى لن يأتى، كان فى انتظارٍ حقيقى مع أنه على يقين أن الزائر ليس عنده وقت، ومع ذلك فهو لا يكف عن الوعد بالزيارة، عقيد فى أمن الدولة!!، من ذا الذى يحفظ أمن الدولة إذا انتبه رجالها لصلة الرحم؟ هو لا يحبه ولايكرهه، هو ينتظره فقط: لا هو يتوقف عن الانتظار، ولا الآخر يأتى.
زوجته – أخت الزائر المنتَظَر- على العكس من ذلك، واثقة دائما أنه سيأتى، وأن هذه المرة هى غير كل مرة، هو شقيقها وهى تعرفه، وهو لم يُخلف وعده أبدا، قال لها الرجل: “أبدا !!!؟؟؟”، قالت دون تردد “أبدا”.
لم يسمعها الرجل وهى تضيف لنفسها: “من أنت حتى تعرف ظروفه؟”.
(2)
جرس الباب يدق، يا خبر!! هذا هو، فعلها أخيرا وأتى، هرولت أخته نحو الباب وهى واثقة، وقد أعدت وجه الشماتة فى زوجها، فسرعان ما ستعود وهى متأبطة ذراع أخيها الحبيب.
ليس هو!!! أخذت الأم تعنف ابنها على التأخير، وأن عليه أن يتذكر أنه فى الابتدائية، وأن هذا العام ليس مثل كل عام، اعتذر الولد بتمتمات غير مفسرة، وانصرفت هى إلى المطبخ، فى حين توجه الولد إلى الردهة حيث يجلس والده مصلوبا أمام التليفزيون، لا هو يعلى صوته أو يخفضه، ولا هو يغير المحطة، قال الولد: “هل أنت تشاهد التليفزيون يا أبى؟، قال الوالد وهو لا ينظر إليه: “كما ترى؟” مضى الولد: “هل عندك مانع أن أغيّر المحطة؟” قال الرجل”لا أعرف”، ثم قام دون توقع وترك الردهة إلى الشرفة دون أن يسأل ابنه عن أية محطة يريدها، فهو يعلم الجواب: إما ماتش كرة، أو أغنية شائطة من أشلاء الأفخاذ والنهود المتطايرة على أنغام حارقة، اكتشف الرجل أنه ليس عنده مانع، ولا بديل، فوجئ أن الولد أطفأ التليفزيون وتبعه إلى الشرفة ليسأله بجدية وعلى غير توقع: “أبى؟ ما هى حكاية الإخوان المسلمين هذه؟” لم ينزعج الوالد – ربما نسى الانزعاج – فأجاب ببرود: “وأنا مالى؟”، قال الولد “مالك كيف؟ أليسوا هم الذين سيحكمون البلد؟” قال الوالد: “من قال لك هذا؟ ثم أردف: “وفيها ماذا!!!؟”، قال الولد: “وماذا سيتغير حين يحكمون البلد؟”، قال الرجل “وأنا إيش عرفنى؟”، قال الولد “إذن من الذى يعرف؟ قال الرجل فورا: “خالك”، قال الولد “وهل خالى يمكن أن يضمن لى أن أدخل الجنة إذا أنا انضممت إليهم؟” قال الرجل لنفسه: “بل سيدخلك هو جهنم دون تردد”، ثم التفت إلى الولد وهو يخشى أن يكون قد سمعه، ويبدو أنه سمعه، لكن الرجل تناسى ذلك قائلا: “إسأله يا أخى، ألله!!!!!” قال الولد: “ولكننى لا أراه أبدا”، قال الرجل: “هو قادم اليوم يا حبيبى”، قال الولد: “صحيح؟؟”،
قال الرجل وهو ينظر إلى المطبخ: “إسأل أمك”.
(3)
ذهب الولد إلى أمه فى المطبخ وسألها: “هل صحيح أن خالى سيحضر اليوم؟ قالت له “مائة فى المائة”، قال: “لماذا؟” قالت: “ليراك أنت وإخوتك، ويرانى”، ثم أردفت: “لماذا تسأل؟ هل اشتقتَ إليه يا حبيبى”؟، قال الولد “أبدا”، ثم أردف بسرعة “طبعا، اشتقتُ جدا”، لماذا تقولون دائما أنه سيحضر، وهو لا يحضر أبدا”، قالت الأم “لأنه مشغول بأمن الدولة”، قال “يعنى ماذا؟” قالت الأم فى انزعاج: “ماذا جرى لك اليوم” يا حبيبى؟ لماذا هذه الأسئلة كلها؟ ” قال: “أبدا ، فقط أردت أن أعرف منه ما لا يعرفه أبى””، قالت الأم وقد اطمأنت: “عندك حق، فخالك يعرف كل شىء”، قال لها: “وهل يعرف من الذى سيدخل الجنة، ومن الذى سيدخل النار؟”، انزعجت المرأة ونهرته: “ما هذا الذى تقول؟ الله سبحانه هو الأعلم، ومع ذلك فخالك يعرف كل شىء”، قال لها:”كل شىء؟ كل شىء؟”، قالت : “كل شىء”.
(4)
ساد صمت طويل نسبيا حتى تركت الأم ما كان بيدها يشغلها بالمطبخ والتفتت إلى الولد فوجدته لم يبرح مكانه وقد امتقع وجهه، تقدمت إليه وسألته: “ماذا بك يا حبيبى؟” لم يرد، فعادت إلى ما كانت فيه.
هو الذى تقدم إليها هذه المرة، وقد ازداد وجهه امتقاعا، قال فجأة:
– “أمى، أنا خائف”.
فزعت المرأة والتفتت إليه ووضعت يدها على جبهته وسألته بانزعاج:
– “ماذا؟ فيه ماذا”؟،
أفاق الولد بسرعة، ولبس وجها وضع عليه ابتسامة هروبية لم تلحظ أمه زيفها، وقال:
– “أبدا …. كنت أمزح”.
[1] – العنوان الأصلى: “أبدا كنت أمزح” ، نشرت بالدستور بتاريخ: 10 – 1 – 2007