نشرة “الإنسان والتطور”
15-3-2011
السنة الرابعة
العدد: 1292
هذا الوعى الجمعى للشباب خاصة: لم يكن مفاجأة!!!
قصة قديمة أخرى (7)
اقتطاف من اعتذار أمس ومزيد عليه
(ما زلت)… لا أستطيع هذه الأيام أن أبتعد عن ما يجرى فى مصر أساسا، ثم من حولنا أيضا، ما الحكاية؟
أنا فى حال:
لست مطمئنا، ولا أنا خائف، أنا حزينٌ، فرحٌ، متـرقـِّبٌ، مجتهدٌ، متحفزٌ، مشدودٌ، آمـِـلْ!
أرتاح بعض الشىء حين أرجع إلى بعض ما كتبت فى العشر سنين الأخيرة، مما نشرته فعلا، خاصة عن الشباب وعلى لسانهم، فيصلنى أننى لم أقصِّر، وإن كنت لا أخدع نفسى فأتصور أننى بمحاولاتى المتواضعة قد ساهمت فى تكوين هذا الوع بشكل أو بآخر.
….. أراهن أن 99% من هؤلاء الشباب، بل أكثر، لم يقرأوا حرفا مما كتبت، ومع ذلك..!!
هل يمكن أن يتكون “الوعى العام” من “الوعى العام” مباشرة، حتى دون أن يتواصل بعضه ببعضه بالرموز والتشكيل؟
هل يمكن أن تنمو بيننا، نحن البشر، مثل النمل والنحل والفيلة: ثقافة إيجابية مشتركة تحافظ على نوعنا فى مرحلة ما من الزمن؟
بمراجعاتى السالفة الذكر، أفاجأ بأن ما يجرى حولى الآن يكاد يكون مرصودا حرفيا فى بعض ما خطر لى من سنوات، وكتبته ونشرته، ولولا فضل الحاسوب هذا ما تذكرته.
قررت أن أتابع نشر بعض ما يتصل بذلك مما سبق نشره، لعله يثبت أن وعيا إيجابيا كان يتكون فينا جميعا بالرغم منا، حتى وصل تراكم إيجابياته إلى ما ظهر نبيلا قادرا هكذا على السطح كما عشناه واعتبرناه مفاجأة قصوى، هذه الأيام.
وهذه هى القصة السابعة (بعد تصحيح رقم قصة أمس التى كانت بعنوان “أحلام الشباب” فقد كانت السادسة) أما القصص الأخرى فقد كانت كما يلى : نشرة 1-3-2011 “الحب يخلـّق الوطن..، وبالعكس!!!)، (نشرة 2-3-2011 “أولادنا!! والحزب الوطنى- الإخوانى .. “وبالعكس”)، (نشرة 8-3-2011 “استقالة وزير”)، أعيد نشرها تباعا للشباب أساسا: لعلها تصلهم بقراءتها بعد أن وصلتهم دون ذلك.
لا ..لا …. ما حدث لم يكن مفاجأة، لم يكن جديدا، لم يكن من فراغ.
ملحوظة:
(آسف لسبب آخر، فكل ذلك يتم على حساب مواصلتى كتابى ” الأساس فى الطب النفسى”، فعذرا، علما بأننى لا أشك فى عودتى إليه بعد أن أطمئن أكثر قليلا على وطنى جدا )
إعادة سخيفة فى شكل تساؤل يقول:
“هل يمكن أن تقرأ هذه القصة، على أنها إثبات أن ماحدث فى 25 يناير لم يكن مفاجأة؟؟؟
القصة رقم (7) …..
حتى لو أجهضوها ألف مرّة!!!(1)
(1)
سأل صاحبه: ” هل ثمَّ بديل؟” رد صاحبه باستعباط : “ولماذا البديل؟”، قال الأول: هل يعجبك ما نحن فيه؟ قال الثانى: لقد تعودنا عليه، كما تعودنا ألا يعجبنا، فأعجبنا التعود، وخلاص. قال الأول: هذه خيانة. قال الثانى: خيانة لمن؟ قال الأول: للشعب؟ قال الثانى: مَنْ يا روح امك!!؟ قال الأول: للشعب، قال الثانى: و”كل من له نبى يصلى عليه”، قال الأول: يا لسخفك، إنه ليس من حقك أن تقرفنا بسخطك ليل نهار، وأنت تتفرج ساخرا بثقل دمك هذا والأمور تتدهور علانية بهذه الصورة البشعة المجرمة ؟ قال الثانى : السخط شىء مفيد لهضم الباذنجان المخلل. قال الأول : الله يخيبك.
(2)
ٍقالت له إنى حامل، قال: “وأنا مالى”؟ قالت:” إنك أبوه”، قال:” إيش عرّفـِك؟”، قالت: يا لك من سافل، فمن يمكن أن يكون أباه؟، قال: “أنتِ الأدرى”، قالت: “ماذا تقول يا مجنون، زواجنا شرعى، قانونى، وبعقد رسمى موثق دستوريا، ليس مثل هند وأحمد الفيشاوى، قال: من حقى أن أمتنع عن تحليل الحامض النووى DNA، قالت: “وهل أنت تطول أيها العنين العقيم”؟ ثم أكملت لنفسها :” فما العمل الآن؟”، قال متطفلا :” تجهضين نفسك، وفورا”، قالت: هل تعلم فى أى شهر أنا حامل؟ قال: لا يهمنى، الحمل الزائف ليس له مدة، ولا نهاية، فردت: أنا حامل يا وغد من قبل أن تولد أمك، قال: الحمد لله، ضمنّا أن يولد ميتا.
(3)
ما أن غادر المترو محطة سعد زغلول ودخل النفق حتى امتلأ الجو بغيامة صافية تنبعث منها رائحة عجيبة، جديدة، نفاذة، مدغدِغة، منعشة، ناعمة، حية. انقشع ضباب الرائحة الرقيق فتكشف عن جزيرة صغيرة فى وسط البحيرة يتلألأ حولها الماء بضوء فضى ساحر. من وسط الجزيرة تماما ارتفع بار دائرى جميل وحوله كراسيه المرتفعة خالية ندّاهة، رجل البار يلبس طاقية الإخفاء، فلا يراه إلا من يعرف شفرة المزاج، راح صاحبنا (أحد هؤلاء الذين ورد ذكرهم سالفا) يعب ويعب مما يقدمه رجل البار الخفى، غيّر الصنف وضاعف الجرعات، وهو لا يستشعر أى تغيير، فسأل رجل البار محتجا: “مالحكاية”؟ قال: “حكاية ماذا يا سيدى؟” قال: “هذا الخمر ليس له أى أثر؟”، قال رجل البار فى أدب: أى أثر تعنى يا سيدى؟ أجاب صاحبنا بغضب: ماذا تفعل هنا بالله عليك؟ ألا تعرف الآثار التى أسأل عنها، أليس هذا بارا، وهذه الخمور المعروفة عالميا، مستوردة من فرع وكالات حقوق الإنسان الذى افتتحته الولايات المتحدة الأمريكية فى بغداد بموافقة ملتبسة من الأمم المتحدة؟ أجاب رجل البار بـ”نعم” لكل ذلك، ثم أردف بهدوء: “إن خمرتنا يا سيدى قد خصصت للمطيعين الذين يسمعون الكلام كما ينبغى، لما ينبغى، وهم لا يحتاجون تلك الآثار التى تتحدث عنها، فهم يشربونها نصف نائمين، فإن كانت خمرتنا لا تعجبك يا سيدى فيمكنك أن تبحث عن بار آخر”. تلفت الرجل حوله مغيظا وهو يتمتم: بار آخر؟ أين يا ابن الأبالسة بعد كل الذى كان؟ ثم أردف: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وصل الغش إلى الخمور المستوردة”.
صعد الشيخ درويش عبد ربه من عمق البحيرة إلى سطحها بهدوء نشوان، وراح يسير على سطحها بانسياب غامض وقد تأبط ذراع نجيب محفوظ الذى كان يحمل تحت إبطه روايته “زقاق المدق”، سأل محفوظ الشيخ درويش: أليس لكل شىء نهاية؟ ، قال الشيخ : بلى لكل شىء نهاية، و”نهاية” معناها بالإنجليزية end وتهجيتها… e n d .
توقف المترو بهزة عنيفة، فانتبه الرجل وتلفت حوله وهو لا يعرف إن كان فى محطة السيدة زينب أم عزبة النخل، وهمّ للنزول دون أن يسأل.
(4)
جاءها المخاض هذه المرة عنيفا عنفا لم تشهده فى كل ولاداتها السابقة، مع أنها بكرية، فاضطروا لعملية قيصرية، لكن بعد فوات الأوان، خرج الجنين ميتا كما تمنى أبوه الرسمي، ثم لحقته أمه، وقبل الدفن أثار أهلها احتمال إهمال جسيم أثناء العملية، وطلبوا تشريح الجثة، وإذا بتوأم لم ينتبهوا إليه ما زال فى تمام الصحة والعافية. قاوم الخروج حتى لا يغتاله متربص، ثم قرر أن يخرج حاملا قَدَرَه بشجاعة، فبدا سليما فتيا فى تمام العافية.
لم تصدر من الوليد الجميل صيحات الولادة، راح يبكى بكاء غاضبا مرا صامتا بلا انقطاع، لكنه بدا قادرا على بعثٍ حقيقى من بين عفن الرمم المتناثرة.