نشرت فى الدستور
6-6-2007
هذا الكسل العقلى، وما حدث للمصريين !!
-1-
قالت البنت لأخيها: أريد أن أستقيل، قال أخوها: وهل أنت تعملين حتى تستقيلى؟ تستقيلين من ماذا؟ قالت: من هذه التعتعات التى حشرَنَا فيها كاتبها دون استئذاننا، قال: صحيح أنه لم يستأذن أيّا منا، لكن المسألة أصبحت قديمة، وما دمنا قد رضينا أن نظهر هكذا طول هذه المدة، فهى موافقة ضمنية على الاستمرار حتى لو لم يتم اتفاق مُسبق، قالت: طول المدة لا يمنع من الاستقالة، أو دعنى أتقدم لتسوية معاشى، معاش مبكر مثل الذين يتخلصون منهم وهم يتخلصون من القطاع العام؟ قال أخوها: وأنا؟ تتركينى لمن؟ قالت: للبنت الصغيرة، وللأب والأم، وللكاتب الذى اخترعك، وللقراء، قال: القراء؟ وهل يعرفنا القراء؟ ثم إن الأولى بالاستقالة أو المعاش هم الآباء والأمهات فى هذه التعتعات، ألم تلاحظى أن الكاتب لا يترك فرصة للسخرية منهم إلا فعلها لحسابنا، قالت: المصيبة الأكبر أننى اكتشفت أن القراء يستقبلون أية شابة أو فتاة أو حتى طفلة تلعب بعروستها على أنها “أنا”، وأى شاب على أنه “أنت”، يحسبون أننا أسرة واحدة، أكمل أخوها: مع أن الكاتب صنـّف شخوصه من أول كفر الزيات حتى نادى المعادى، ومن الأب الذى يعمل رقيقا فى الخليج إلى الملياردير الذى يجلس فى شرفة قصره فى مارينا، قالت: أليس هذا مبرر كاف لطلبى الاستقالة أو المعاش المبكر؟ لقد سئمت من كل هذا الكسل العقلى الذى يتلقانا به الناس، هم يكسلون أن يميزوا بيننا، بل هم يكسلون أن يفكروا أصلا فيما نقوله أو نعيشه، قال الشاب: اليس هذا خطأ الكاتب؟ قالت: هل كنت تريده أن يظل يكتب مثل الآخرين، او مثلما كان يكتب: يتناول قضية ما، ويقول رأيه، وهو يلعن الحكومة، فيصفق الناس، ويلعنونها معه، أو يلعنونه أنه خفف الجرعة ولم يسب ويسخط أكثر؟ قال: إنه يستعملنا ليسرب أفكاره فتأتى فينا دونه، قالت: المصيبة أنه يسرب الفكرة وعكسها، فيحتار القارئ أكثر، ثم إنه استدرجنا هكذا دون أن يعرف القراء بنا وبأقراننا، لماذا لم يعطنا أسماء محددة، ليميز الناس بين فايزة ومريم والطفلة نهى، أو بين رياض ووائل ومحمود، أو بين خالتى فتحية وأم خليل، أو بين أبو عوف وأبو محروس؟ قال: أظن أنه كان يأمل أن يُعمل الناس فكرهم بطريقة أخرى؟ قالت: وكيف يُعمل الناس فكرهم وقد اعتادوا على كل هذا الكسل العقلى حسب مناهج التعليم، وتعليمات الحكومة، وبرنامج الحزب الوطنى، وتعديلات الدستور؟ قال: أعتقد أن الكاتب لم يقصد بدعوتنا إلا أن يحرك ذلك الكسل العقلى؟ قالت: هو حر، ولكننى شخصيا قد فاض بى وسوف أستقيل، قال: وأنا؟ تتركينى لمن؟ قالت: أنت أيضا حر.
-2-
قال الشاب لأخته: لقد اكتشفتُ سببا للاستمرار، لعله يقنعك، قالت: أسمعه من أجل خاطرك، ستوْحشنى. قال: لعل الكاتب يريد أن ينقل الناس من قضية “ماذا حدث للمصريين؟ ماذا حدث للمصريين” التى يفتى فيها كل من هب ودب، إلى قضية ماذا يمكن أن يحدث لهم “لنا”، “بنا”، قالت: بمن؟ قال: بنا، أنا وأنت وكل البنات والشبان، بل وبأهلنا إذا افاقوا لما “يحدث”، وتوقفوا عن تكرار موال “ماذا حدث” ، “ماذا حدث للمصريين! ، قالت : إسمع، يبدو أن الكاتب قد فشل فى تحقيق ما أراد، حتى النقاد لم يعتنوا بما يقول منذ شهور، قال: ربما ما يقوله لا يلفت نظرهم، أم تريدين أن تتهميهم أيضا بالكسل العقلى؟ قالت: أنا لا أتهم أحدا، لعلهم ينتظرون حتى يتبين لهم أى نوع من الكتابة هذه: مقال؟ أم قصة؟ أم نكتة؟ قال: وماذا يفيد التصنيف؟ المهم التحريك، أليست “تعتعة” تعنى التحريك؟ قالت: لا أحد يتحرك، كل ما يطلبه القارئ هو أن تعيد عليه أسطوانات السخط، أو الصياح، قال: أو السب، أو التذاكى، قالت: تذاكى يعنى ماذا؟ قال: يعنى ادعاء الذكاء، خاصة حين ينبرى أحدهم للكتابة يحكى عما حدث له شخصيا باعتباره ما حدث لكل المصريين من رشيد إلى أبو سمبل، ومن رفح إلى السلوم، عبر ردح من الزمن. هذا الكسل العقلى فى إصدار الأحكام ليس أقل رخاوة من الكسل العقلى فى التلقى، قالت: صحيح، بعد التباكى والتصنيف والوقوف على الأطلال يخرج أغلبهم بسيل من الفتاوى، والتصنيف، والأحكام، والنصائح، ثم يروح يلعن الشباب: لغتهم، وأغانيهم، ورقصهم، وتدينهم، دون محاولة الاستماع أو الترجمة أو التساؤل عن: كيف هذا؟ أو لماذا؟ وإلى أين؟، قالت البنت: وتريدنى أن أستمر!!؟!!
قال: لو سمحتِ، من أجل خاطرى. تتركيننى لمن؟
قالت: من أجل خاطرك؟ أم رأفة بالكاتب وخيبته؟