اليوم السابع
الأثنين 16-12-2013
نقابة الأطباء، وربنا، ومصر، والمستقبل
لم أفرح كثيرا لما حدث فى نقابة (نقابات) الأطباء، ولم أشمت، ورفضت أن أعمم، فالمسألة ليست “أهلى وزمالك”! إنها ربنا ومصر والمستقبل.
أنا طبيب، ولذلك فأنا حين أنقد الطب والأطباء، فإنى أمارس نوعا من النقد الذاتى أولا قبل كل شىء.
الأطباء عموما عبر العالم ينتمون عادة إلى الفريق المحافظ من المجتمع، ويصنفون سياسيا واجتماعيا مع الطبقة البورجوازية المتوسطة والعالية، والأطباء فى مصر لا يختلفون عن ذلك، بل يزيد عليه أنهم كانوا طلبة متفوقين، وتصنيف كليتهم يأتى أول كليات “القمة” وكأهل أية مهنة هم مميزون، وكطبقة: هم أقرب إلى الفوقية بشكل أو بآخر، لذلك لم يكن غريبا أن ينجح وسطهم فى أى انتخابات ما يسمى بالتيار المحافظ، وكان الإخوان المسلمون قبل سنوات ثلاث، يمثلون هذا التيار، برغم موقعهم فى المعارضة، ومحبس قادتهم فى السجون، وحظر جمعيتهم، أقول إنه بالرغم من ذلك فقد كان موقعهم فى عمق وعى عامة الأطباء، فى مقدمة التقليديين وطليعة السلفيين، لذلك لم يكن غريبا علىّ أن أتابع نجاحهم الدورة بعد الدورة فى انتخابات النقابة.
ما الذى يا ترى غيّر هذا التوجه المحافظ مؤخرا فى نقابة عريقة مثل نقابة الأطباء، وهل معنى ذلك أن الأطباء أصبحوا أكثر ثورية أو أن بندول وعيهم العام قد مال إلى ناحية التحرر أكثر من المحافظة قليلا أو كثيرا؟ الأرجح عندى أن تيار الاستقلال المناهض لم يبذل دعاية أكثر من كل انتخابات سابقة، كما أننى لم أقبل كل حجج الإخوان التى تفسر هبوط شعبيتهم إلى هذه الدرجة هكذا، لا كثرة المعتقلين، (فكم طبيبا له حق التصويت منعه عن التصويت وجوده خلف الأسوار؟!) ولا ملاحقة السلطات، فحتى قبل الانتخابات بقليل كانوا قادرين على ملء شارع قصر العينى بلافتات تلعن ما اسموه “الانقلاب”، لدرجة التمادى أحيانا إلى تجريح جيشنا الباسل.
مالذى حدث بالضبط؟
الارجح أن الذى أنجح حملة تيار الاستقلال كان هم الإخوان المسلمون أنفسهم، لا أعنى الأطباء الإخوان وإنما أقصد جماعة الإخوان، وحزبهم، وحكمهم، وخاصة التمادى فى وسائل احتجاجهم بالتخريب والإرهاب حتى القتل هكذا، لقد شحنوا كل من انتخبوا منافسيهم بأدلة كافية تمنع نجاحهم بشكل قاطع، إن ما ألحقه الإخوان بأنفسهم، وسمعتهم وصورتهم، وما زالوا يفعلون، جدير بأن يخسِّرهم أية انتخابات نزيهة يدخلونها، إن من يتجمع ضدهم ليس حزبا بذاته، ولا تجمع أحزاب، ولا تيار استقلال له برنامج منافس، وإنما يتجمع ضدهم كل من ضاق بهم، ورصد سلبياتهم، وشك فى نواياهم، وأحبِط فى آماله فيهم، وحتى زعمهم بأنهم الممثلون الأوْلى بتمثيل الإسلام اهتز مؤخرا بموقف حزب النور، الذى بدا أنه انتبه إلى أن مصلحة وطنه هى من فروض الإسلام ، وان من سعى فى أرض وطنه فسادا هو الأبعد عن الإسلام، فلم يعد عامة البسطاء يثقون فى أن من هو ضد الإخوان هو ضد الإسلام، فما بالك بعامة المتفوقين الأذكياء، ثم إن الأزهر العظيم بدا واضحا فى موقفه ضد الإخوان ، ليس بصفته مؤسسة رسمية، وإنما بصفته راية الإسلام ومرجعه عبر ألف سنة، والصوفيون المسلمون -من أعمقهم إلى أفرحهم – ضد الإخوان، والمنشقون من الإخوان ضد الإخوان، وكل من أضير أكل عيشه، أو توقف عمله بسب مظاهراتهم وتخريبهم وتعطيلهم مصالحه ضد الإخوان، كل هؤلاء لا يمثلون حزبا بذاته، ولا تيارا بذاته، ولكنهم يمثلون شعب مصر البسيط، الطيب، المحروم، الواعى، الصبور، المنتقم، الجبار، ويبدو أن سلبياتهم هذه قد سمّعت أيضا فى الصفوة (الأطباء بعض ذلك) الذين أتيحت لهم فرصة المراجعة فالتراجع
طالب من الله ولا يكثر على الله أن يتعلموا بأمانة مما حدث، وأن يهديهم الله، لعلهم يمثلوا فى مصر المستقرة، معارضة قوية ، لا تدعو إلى تميز الإخوان، وإنما تعمل لصالح الناس كل الناس، بدءا بمصر، امتدادا للناس كل الناس، تقربا لرب الناس ، ملك الناس، إله الناس.
والله يحفظ مصر من كل وسواس خناس، ومن كل خائن دساس، ومن كل دبيب للشرك، ومن قهر الافلاس.