الوفد: 25/4/2002
“نعم… ولكن”!! وقفة مع حديث الأستاذ
من ليس عنده فكرة قابلة للتنفيذ، الآن، وليس بعد، نشكره ونؤجله ونمضى فيما يمكن فعله واحدا واحدا،
فجماعة جماعة، فأمة مجتمعة تواجه مصيرها وعينها على المشاركة الممكنة مع، ومن. سائر البشر.
بعد أن صرّح السيد دبليو بوش عقب عودة الأخ كولن باول بأن شارون “رجل سلام”، ثم راح يهدد بالفيتو حتى منع مجلس الأمن أن يحقق فيما جرى. غير معقول ولا مقبول أن نواصل أى حديث أو شرح أو تعليق لمجرد ذلك،.
اكتفى العالَم -غير مشكور- بلجنة لتقصى الحقائق !! هل بقيت حقائق تحتاج إلى تقصى؟ ألا يفتح هؤلاء السادة المتحضرون المتمدينون تلفازاتهم (وليس تلفازات العرب) حتى وهى مبرمجة لصالح إخفاء جرائمهم ؟ ألا يفتح أحدهم بريده الإلكترونى ليستقبل فيه ما يدور حول العالم من”حقائق” بالصوت والصورة. هل هناك بعد أن يعترف المجرم علانية المرة تلو المرة مع اقراره بنية العودة مع سبق الإصرار والترصّد مجال للتقصى أو حتى للتحقيق ؟ ألم يصرّ شارون أن المرحلة الأولى انتهت لكن الحملة مستمرة؟
لا أطلب الصمت ولا أوافق عليه،ولكن الكلام غير المقترن بفعل حالا لا لزوم له أصلا. على من يتكلم أو يكتب أن يقول لنا ماذا يمكن أن نعمل حتى لو كان عملا وجدانيا حافزا لا تظهر نتائجه إلا بعد حين. تغذيةُ الكراهية الآن مطلوبة تجاه أمريكا قبل أن تكون تجاه إسرائيل. هى فعل لازم. إن مقالا أو حديثا يغذّى هذه الكراهية بشكل موضوعى، ويشير إلى ما يمكن أن يترتب عليها بشكل عملىّ لهو خير ألف مرّة من مقال أو حديث برّاق يفسّر ولا يقترح، أو يحرّض ولا يحدِّد.
أنا أكره أمريكا (أمريكا: السلطة والسطحية)، حتى كرهت أن أنتمى إلى ما تنتمى إليه، أكرهها حتى أصبحتُ أكره ما تمثله، وما تعِد به ، بل إننى أكاد أكره من لا يكرهها. يشاركنى في ذلك بالضرورة ناس أمريكيون ممن ما زالوا يحتفظون بجنسية النوع البشرى (هوموسابينسHomo sapiens ) مع جنسيتهم الأمريكية.
لو أننى نجحت أن أوصّل هذه الكراهية للناس، وأن أحافظ عليها تحت كل الظروف، حتى تدفعنى وتدفع الناس إلى الاستغناء عن أى مكسب أو رفاهية أو دعة لا تتحق إلا برضا أمريكا، إذن لاستأهل الأمر أن أقول وألح فى القول والكتابة. دعونا نقيس أى كلام يكتب أو يقال بهذا المقياس المحدد. نقيسه بما ترتب عليه من فعل بدأ أو على وشك البداية، وهو يعِدُ أن يستمر.
دعوة للحوار والمشاركة
لم يقبل الأستاذ هيكل الحديث فى قناة دريم 2 (بنص كلامه) إلا بناء على رغبته فى “…… الدخول فى حوار مشترك مع الناس، نرتب فيه ملفاتنا، ونحاول أن نعرف ما هو موجود أمامنا بالضبط، وماذا يمكن أن نفعل”.
هل يصح بعد ذلك أن نتغافل عن هذا النداء مكتفين بكلمات التقريظ التى وصلت إلى حدّ التقديس له ثم لحديثه ؟ أعتقد أنه أول من يمكن اعترض على تمادى المحبين له فى تقديمه فى صورة خوجة ” ..يعلّم القادة والزعماء دروسا فى السياسة” أو: جراحا لا بد أن ” .. تُخضِعُ له الأمة نفسها ليشفيها من جلطة المخ التي أصابتها”. ذلك أن مثل هذا الكلام، لا يسمح بأى مساحة للحوار مع هذا الخُوجَة الجراح لأمة مصابة بجلطة في المخ هى وقادتها ؟ هل يجرؤ أحد ؟!!!
ليس ذنب الأستاذ هيكل أن يقال عنه كل ذلك، أو بعض ذلك، ثم إنى أكاد أجزم أن الذى يسره أكثر هو أن يؤخذ حديثه مأخذ الجِد، من مشاركٍ فى الهم يحاول الإسهام بموضوعية بما تيسّر. الأستاذ هيكل طلب “..حوارا مشتركا مع الناس”، لاحظ كلمات “حوار” و “مشترك” و “الناس”. إذن فهو لا ينتظر حوارا مع مختص أو أكاديمى أو حتى سياسى محترف، وإنما هو يطلب حوارا، ومشتركا، ومع الناس. وبما أننى أحد هؤلاء الناس ، ولا أكتب إلا بهذه الصفة، حتى أننى أبذل جهدا هائلا لأتجنّب ظهور مصطلحات تخصصى الأكاديمى أو المهنى وأنا أساهم فى إبداء الرأى باعتبارى مجرد مواطن مشارك، كان يأمل أن يكون له حق الانتخاب، وحين افتقد جدّية ذلك، اكتفى بأن يعلن موقفه ما أتيحت له الفرصة.
كلام منظّم وغموض ختامى
بصفة عامّة استقبلتُ الحديث برمّته مثلما كنت أستقبل كتاباته “بصراحة” خصوصا قبل 1967 (وليس بعدها)، وكما أستقبل الآن بعض كتاباته (وليس كلها) فى “وجهات نظر”: عقل مصقول، ووثائق جاهزة، وحضور لامع، وموسوعية معلوماتية فائقة، ثم فى النهاية لا أجد ما يشفى غليلى للرد على أسئلة مثل:”إذن ماذا؟ من؟ كيف؟. كنت لا أخرج -عادة- من المقال تلو المقال بشىء محدد (ربما لضعف ذكائى) لكننى لا أستطيع أن أنكر إعجابى بفائق قدراته، وربما بعض حسدى له لوفرة اتصالاته، وعظم موقعه عند زعماء العالم، وأيضا متانة ذاكرته، و ربما يصل الأمر إلى حقدى عليه، لست متأكدا، مع أننى أفخر أحيانا بينى وبين نفسى أن عندنا واحدا مثله، يتكلم لغة أهل الغرب المغرورين، ويحذق مهاراتهم، وأتمنى أنه بذلك يمكن أن يكشف مناوراتهم، ومؤامراتهم.
مواطن مشارك
سوف يقتصر حوارى ومشاركتى على بعض الملف الأول الذى أسماه الأستاذ هيكل ملف الانتفاضة. أفضل أن أسمّى هذا الملف:”حرب التحرير والإرادة” فى مقابل ” قهر الهوان وجرائم الإبادة” (وبإيجاز:الإرادة ضد الإبادة).
قبل ذلك، أريد أن أشير بسرعة إلى الملفين الآخرين.
الملف الثاني الخاص بالسيد دبليو بوش: تناوله هيكل بأقل مما أتصور. فى تصوّرى أن هذا الدبليو هو شخص متوسط الذكاء، يرث أباه فيما لا يورث، نجح بالصدفة، ثم باضت له فى القفص بهذه الأحداث المتلاحقة. هو يمثل الرجل الأمريكى السطحى المغرور التافه المتسرع المترفه الأعمى. هو نموذج مناسب تماما لما تمثله المدنية الأمريكية (لا حضارة المفكرين الأمريكيين الأحرار، الشرفاء الذين هم أقرب إلينا وإلى ما نمثّله من كثير من أهل المؤسسات والسلطات هنا بيننا). لم يصلنى جديد من حديث هيكل فى هذا الملف، وكنت أتصور أنه يمكن أن يتناول انبهار هذا الدبليو باستطلاعات الرأى العام التى وضعته فى مكان لم يحلم به، ولا يستأهله ومن ثَمَّ تيقّن أن التمادى فى هذا القتل الغبى المغرور سوف يمنحه فترة رئاسة أخرى، فراح يلهث وراءها، ولو كان ثمنها عشرين مليون طفل وامرأة ورجل. إن المسألة الآن ليست فى اللوبى اليهودى، وإنما فى تفاهة الناخب الأمريكى وغروره وافتقاده إلى المشاعر الإنسانية والعدل.
أما بالنسبة للملف الثالث فقد تعجّبتُ من تأكيد الأستاذ هيكل أن أغلبنا اعترف بمسئوليتنا عن حادث 11 سبتمبر. هنا أود أن أنبّه أن أحدا -حتى الآن- لم يعترف على شىء. حتى شريط قناة الجزيرة الأخير هو عبث تقنىّ يعرفه أهل الصنعة. ثم إنه حتى لو كان تسجيلا صحيحا، فتوقيت تسجيله، وطريقة تسجيله، لا تجعل أى قاض يعرف مسئوليته ، ويمارس مهمته بأمانة القضاة أن يأخذه كدليل دامغ. حتى بن لادن لم يدّع أن له شرف اقتراف هذا الحادث. كل ما حدث أنه شكر لمرتكبيه ودعا لهم بالرحمة.
أنتقل الآن إلى الملف الأول “الإرادة ضد الإبادة”.
لعبة : “نعم…..ولكن”
اخترت أسلوبا للمناقشة أرجوا أن يكون مناسبا لما انتظرَهُ صاحب الحديث الذى يعرف تماما الفرق بين الحوار، والجدال، والمناقشة، والملاحاة، والمنْظَرَة، واستعراض المعلوماتية، واستظهارالموسوعية، الفرق بين كل ذلك وبين الجدل الحيوى. هو أسلوب يسمح بالحركة والمرونة ويَسـمَّى أحيانا “لعبة” ، ليس بمعنى العبث، ولكن بمعنى قواعد مباراةٍ ما Game. هى لعبة تسمّى “نعم…ولكن”، وهى مستوردة ، وقد أضفتُ إليها حاشية فى شكل لعبة تكميلية (أنظر بعد)
{ما بعد *”نعم” هو كلام الأستاذ، وما بعد ** “لكن” هو التحفظ والاستدراك والاقتراح والرأى لكاتب هذه السطور}
* أولا: ” نعم”: ينبغى أن يكون هناك جدول أعمال تفصيلى لأى مؤتمر، فما بالك بمؤتمر على هذا المستوى بهذا الحجم فى هذا الوقت (مؤتمر قمّة بيروت فى عز الحرب والقتل والنزيف!!).
** و”لكن” هل لو وجد جدول أعمال من ألف صفحة كان الأمر سيختلف ما دام الحال هو الحال، والبنية الأساسية هى هى؟ إن فكرة أن يحل “شغل الورق Paper work محل “فعل اللازم” Have things done ! هى مزلق خطير لا أظن أنه غاب عن هيكل العارف بهذه الإزاحات المغترِبَة.
إنى أتصور أن جدول الأعمال فى ظروف مأزقنا الخطير هذا كان يمكن أن يتكوّن من طلب الإجابة عن أربع أسئلة تطرح بعد عرض جملة تقول “الحرب دائرة”، ثم يطلب الإجابة عما يلى: (1) نحن مع من؟ (2) ماذا نملك؟ (3) ماذا نستطيع أن نفعل فعلا ؟ (4) متى يبدأ ذلك؟
* ثانيا:”نعم” كان من الأفضل تحديد الجديد تفصيلا فى المبادرة السعودية. وأن تدرس كاملة قبل الاجتماع.
** “لكن” هل فيها أى جديد غير أنها مقدّمة من السعودية، وأن أمريكا رحّبت بها من باب المناورة الخائبة ؟
* ثالثا: ” نعم” : ما يحدث الآن ليس مجرد رد فعل لعملية استشهادية فى ناتانيا، إنما هو مخطط معلن مسبقا باسم “سيناريو إعادة الاحتلال”، وهو منشور فى الجيروساليم بوست يوم 14 يناير، و رؤساؤنا، وأجهزتهم، لا يقرأون …إلخ.
** و”لكن” ماذا تفيدالمعلومات مهما اتضحت أو سبقت أو أعلنت، إن لم نكن نمتلك القدرة على التغيّر والتغيير فور وصولها إلى وعينا للقيام بمسئوليتنا بناء عليها؟
لتوضيح هذا الأمر دعونا نتصوّر ما يلى: تنشر الجيروساليم بوست يوم 12مايو سنة 2002(مثلا) “تفاصيل سيناريو “استعمال القنبلة الذرية ضد المؤسسات الحيوية فى العالم العربى”، وأن ذلك سيبدأ بمشيئة الشيطان (أىِّ شيطان منتخب ديمقراطيا آنذاك) اعتبارا من 15 نوفمبر سنة 2008 ( لاحظ رحابة المدى الزمنى)، نفترض – بناء عن توصية هيكل والمخلصين أمثاله- أن كل القادة العرب، بل والناس العرب أيضا قد قرأوا الخبر بكل عناية يوم صدوره يوم 12 مايو2002. فماذا يمكن أن يغيّر ذلك مما قد نفعله ابتداء من هذه اللحظة، هل سيتوقف أطفالنا فى الصعيد عن الغش الجماعى؟ هل سنعدّل الدستور ونحدد عدد مدد الرئاسة؟ هل سنبدأ فى دراسة فتطبيق نجاح الصين اقتصاديا؟ أم أننا سنظل نخطب ونجتمع،ونجتمع لنخطب، حتى يحل يوم 16 نوبمبر سنة 2008، فنعقد مؤتمرا للقمة يـُقـْسِمُ فيه المجتمعون أنه كان عندهم خبر بكل ذلك، لكن لم يكن عندهم ما يفعلونه إزاء ذلك . يا عزيزى هيكل، نحن لا تنقصنا المعلومات “البديهية”، وإنما ينقصنا الحساب الدقيق، والفعل المثابر من خلال المسئولية المؤلمة الناتجة عن قراءة مثل هذه المعلومات “البديهية”.
* رابعا: “نعم” للتنبيه على ثانوية مسألة حضور عرفات أو اعتقاله أو السماح وعدم السماح بكذا وكيت.
** و”لكن” كان الجميع ينتظر أن يسمع من هيكل ما هو أكثر تحديدا من أن “الناس” هم الأصل، وأن الموضوع أهم من الشخص. إن مصيبة المصائب التى نبّه إليها الأستاذ هيكل سواء بالنسبة لانتهاء العمر الافتراضى للرؤساء والقادة والزعماء، أم لضروة تجديد حياتنا بإتاحة الفرصة لشبابنا، تحتاج إلى التقدم باقتراح مباشر لتغيير ما أمكن من دساتير عربيه، بما يسمح لنا أن نرى بيننا عددا من الرؤساء السابقين يسيرون فى الشوارع ،ويتسوقون، ويزرعون الفول السودانى، وهم بعد أحياء. أطال الله عمرهم رؤساء ومواطنين مع الشكر.
* خامسا “نعم” سوف تستمر السيطرة الأمريكية 20 -30 سنة على الأقل. هذا تنبيه مفيد.
** “ولكن” عندى اعتراض حول تسمية هذه السيطرة بـ “إمبراطورية العصر”، وليس “إمبراطورية الشر”. صحيح أن الأستاذ هيكل كان أكثر أدبا من السيد دبليو بوش، وصحيح أن استعمال الألفاظ الأخلاقية والدينية فى السياسة والحرب هو أمر محفوف بالمخاطر. لكن الكيل زاد وفاض. أنا لا أعرف شرا أفظع مما يفعله بوش وشارون. وليكن ما يكون. إن لم يكن هذا هو الشر نفسه، إن لم يكن هؤلاء أقسى وأقبح من إبليس ومساعديه، فمن يكونان؟ إن تسميتها بإمبراطورية الشر يلزم بكراهيتها ورفض الاستسلام لها، أو الانبهار بها، ولا يلزم بالضرورة بإبادتها كما يفعلون.
* سادسا: “نعم” العقل البشرى ليس مجرد كمبيرتر، والتسليم للواقع الساكن، بمعنى النظر تحت الأقدام فحسب، مرفوض.
**” لكن” الأستاذ هيكل نفسه حين يتكلم عن سلاح البترول يغفل هذه الإضافة الإبداعية الممكنة. وأيضا حين يتكلم عن الأرصدة العربية بنفس التحفظ. ليس عندى اعتراض على ضرورة الحسابات الدقيقة خصوصا إذا تعلّق الأمر بالاقتصاد والمتطلبات الضرورية لاستمرار الحياة، لكننا لا بد تَعلَّمنا مما أضافته الحجارة، والأجساد البشرية المستشهِدة من إبداع لم نكن نتصوّره. إن ذلك يفتح لنا باب الأمل نبدع شيئا ما، بشكل ما، فى موضوع البترول. ليس معنى أنهم المشغِّلون، والناقلون، والمستهلِكون لهذا الذهب الأسود فى جوف أرضنا أن نظل بقية الدهر نشغل وظيفة “أمناء مخازن”، مع أننا أصحاب الِملك. (البترولْ بترولْ أبونا، والغْربَ يطردونا؟ هل تذكر الحدوتة؟!!). ثمَّ حل مبدع موجود بعد الأفق دعونا نسعى إليه مستلهمين حجارة الانتفاضة. وأنوار لهيب الأجساد المشتعلة وداعا. [إقرأ مثلا أهرام 23/4 د. جمال زهران] بشأن الأرصدة الأهلية (مادامت حكوماتنا يا حبّة عينى مدينة للرُّكَبْ !!) فإن تأثير واحد مثل الأستاذ هيكل على حركة أرصدة الناس (دون الحكومات) مطلوب . واحتمال استتثمار هذه الأرصدة فى بلدنا لدرجة الاستكفاء الذاتى وارد. إن هذا وذاك يحتاجان إلى تحريك، وربما تحريم إذا لزم الأمر. ماذا لو فهَّمَ فقهاؤنا أثرياءنا الأجلاء أن هذه الأرصدة تنقلب رصاصا يقتل أبناءنا، وبناء عليه أصدروا فتوى تقول إن إيداعها في الخارج حرام قطعا.
إذا لم تطهِّر دماءُ أبنائنا أموالَـنا، فلا لوم إلا علينا.!!
لعبة “لا”(أو “لم”) ….”إنما”
هذه لعبة فرعية ابتدعتُها على منوال اللعبة الأصلية ، ومن خلالها أردت أن أبيّن عينات من الاختلاف مع محاولة الاعتذار عنه، أو تفسيره ، أو تأكيده، ولن أتمادى فى هذه اللعبة الجديدة ، مع أن ما اقتطفته لنفسى من حديث هيكل كان يمكن أن يشغل مقالا بأكمله بهذه اللعبة.
فيما يلى بعض الأمثلة:
* (1) “لم” أفهم ما معنى، أو ما فائدة، ذكر أن الأخ القذافى أرسل طائرة خاصة للأستاذ هيكل، لينقله …إلخ . لقد خشيت على الشباب أن يسىئ فهم المغزى لتصرفات رمز قدوة مهم مثل الأستاذ هيكل.
** “إنما” : لعل الأستاذ أراد إثبات اعتزاز الأخ العقيد بشخصه، وبالتالى أراد أن نفخر به كمواطن مصرى لا يشغل منصبا رسميا، ومع ذلك يُـكرَم ويرفّه هكذا. وهذا ما يشرف المصريين طبعا بغض النظر عن حكاية دافعى الضرائب (فى ليبيا، إن كان هناك ضرائب)، وأيضا دون خشية مقارنة بمنحة الحكومة المصرية للسيد بلير لقضاء إجازته على نفقتها.وما ثار حولها . . إلخ
* (2) “لم ” أفهم بأى صفة جاء الدكتور زكى يمانى وزير البترول السعودى إلى مكتب الأستاذ هيكل – دون سائر المسئولين الرسميين- ليبحث إمكانية تنفيذ احتمال استعمال سلاح البترول ، وكيف تم “على الفور اكتشاف أن الخطة غير قابلة للتنفيذ”….
** “إنما”. قد يكون الأستاذ هيكل كان فى موقع تنفيذى أيامها، وقد يكون اللقاء هو خاتمة دراسات كانت مع الاثنين. كنت أتصوّر أن توضيح ذلك للشباب خاصّة، قد يكون أكثر اتساقا مع ما يدعو إليه الأستاذ هيكل من ضرورة الإعداد، وعدم خلط الأوراق، ثم جدول الأعمال. ووضوح الرؤية. إن الشباب خاصّة هم في أشد الحاجة أن يعرفوا “من ” الذى “يفعل “ماذا” بأى صفة ، وكيف.
* (3) “لم” أفهم ماذا يعنى الأستاذ هيكل أن الأخ العقيد القذافى أكثر الزعماء شبابا رغم بقائه على نفس الكرسى 33 سنة . هل كان يقصد بالشباب شطح ما يشبه الإبداع، أم سرعة التنقل بين الاقتراحات وتغيير الأسماء، أم مفاجآت كتابه الأخضر أم إبداعاته القصصية، أم دعوته إلى اقتحام المستحيل حتى لو لم يكن هو الذى يدفع الثمن، أم غموض ورحابة ومرونة ما لا نعرفه عن اللجان الشعبية؟
** “إنما” لعل العلاقة بين الأستاذ هيكل وبين الأخ العقيد تسمح له يوما أن يقول لنا ما يمكن أن نقتبسه أو نستلهمه من النظام الليبى (وكأننا ناقصون).
* (4) “لا أوافق أن يكون كل ما نملكه الآن إزاء إسرائيل هو إجراءات رمزىة مثل أن نوقف الثمان آلاف تأشيرة سياحية يوميا (لا أظن أن هذا هو الرقم الحالى) أو الـ 250 متدرب فى نظم الزراعة.
**”إنما” لعلّه أدرى بالرقم، وبجدوى هذه الحركة الرمزية. لكنى شخصيا أتصور أننا تخطّينا مسألة التلويح بالخصام ، والتصرف تصرفات رمزية، والإشارة إلى ما يضر بمسيرة المفاوضات، وما يعكّر الصفو.!!!! كل ذلك أصبح تافها وسطحيا ولا يقدّم أو يؤخر.
إننا نملك الكثير، أكثر من هذا بكثير.
هذا الكثير يبدأ الآن ويستمر أبد الدهر،
إذا كنا أعقل من أن نحارب الآن، وأشجع من أن نلغى الحرب إطلاقا، فنحن أقدر أن نقتحم كسلنا، وتخلفنا، وكلامنا الكثير، واعتماديتنا الساكنة.
إننا نقرأ كل يوم أفكارا مصرية عملية قابلة للتطبيق الفورى. نابعة من الغضب والألم والإصرار. خذ مثلا سلسلة مقالات الدكتور أحمد كمال أبو المجد فى الأهرام “من الشعور بالعجز إلى الهجوم المضاد”.
إننا جميعا (كل الناس، بدءا بما هو “نحن”) فى مأزق حياة أو موت. علينا أن نبدأ فورا برفض التبعية مهما كانت إغراءات الرفاهية. علينا أن نبدأ بحساب الدقائق (لا الساعات المهدرة) علينا أن نبدأ بتغيير نمط حياتنا العملية اليومية. علينا أن نواصل الغضب، دون التحطيم ، حتى يتم التغيير لصالح رؤسائنا وقادتنا قبلنا.
إن هذا، وغيره ممكن ومطلوب، ليس فقط من أجل تحرير أرضنا، ولكن من أجل تحرير أرواحنا، والحفاظ على كرامة كل البشر. إن إهانة كرامة إنسان واحد هى إهانة لكل البشر بحسابنا نحن لا بحساب بوش أو شارون .