جريدة التحرير
10-12-2011
تعتعة التحرير
نجيب محفوظ : “اللهمَّ اهد قومي فإنهم لا يعلمون”
لو أن نجيب محفوظ كان معنا الآن، وسمع ما قاله هذا الشيخ عن أعماله وإنتاجه وما ينتظرها إذا ولىَ فضيلته أمر هذا البد الطيب، إعلاءً للإسلام، وحفاظا على الأخلاق، إذن لدعا له الله سبحانه وتعالى أن يرحمه، وأن ينير بصيرته ويهديه ويهدينا وإياه إلى الصراط المستقيم.
على من لا يصدق ذلك أن يتذكر كيف دعا شيخى هذا للشاب الذى حاول اغتياله وهو ما زال فى المستشفى فى عز محنته: بالرحمة والهداية، ولو كنت أيامها أترك لتداعياتى العنان مثلما أفعل الآن مع ما تركه لنا بخط يده من تدريبات الكتابة للعودة إلى الإبداع لكتبت أرجح أن شيخى قد اقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم –حدسا أو علما- يوم ” أحـُد” عندما شج في وجهه وقيل له: ألا تدعو عليهم؟ قال: اللهمَّ أهد قومي فإنهم لا يعلمون”.
قبل أن أعرفه بكل هذا القرب فى العشر سنوات الأخيرة قبل رحيله ، كتبت فى الأهرام بتاريخ: 18/10/1994بعنوان : يا شيخنا: أبى الله إلا أن يحفظك، ليشرق نوره علينا من خلالك” ، كتبت ما أقتطف منه ما يؤيد ما رجحته من موقف شيخى مما يقال عنه الآن، قلت وأنا أتقمص الجانى: “…..
مثلى مثل كل المصريين، مثل كل المؤمنين، مثل كل الناس، لم أصدق،….، كيف طاوعه بصره؟ حسه؟ ألم ينظر فى وجهك شيخى وسيدى، …. ألم تشرق عليه طيبتك؟ ألم يغمره إيمانك؟ … ألم تطل عليه من خلال سماحتك ويقظتك شخوص إبداعك……………، كيف أصدق، وكيف تجرَّأ ؟
حاولت- بحكم المهنة- أن أتقمص الجانى أكثر، لم أستطع أصلا، لو أنه كلب مسعور هائم محموم يعوى ويجرى على غير هدى، ثم طالعته بشاشتك لارتدّ على عقبيه دون أن يلمسك. لهذا وغيره فشلت فى تقمص الجانى.
(ثم) … اكتشفت أن موقفك (سيدى وشيخى) كان – فعلا- أكبر من كل هذا، لم تحقد، ولم تغضب، ولم تخـَف، ولم تنكسر، يا خبر!! ربنا يخليك تعلمنا أكثر فأكثر، تصف الانقضاض الأعمى عليك تقول””..شعرت كأن وحشا نشب أظافره فى عنقى”، إلا أنك سرعان ما تصف هذا الشاب المسكين بأنك لمّا تبينتُ بعض ملامحه وهو يجري، أنه كان “…شابا يافعا فى ريعان العمر…كان يمكن أن يكون رياضيا أوعالما أو واعظا”، ثم رحت تدعو له ولأمثاله بالهداية ، “!!!!.
(ثم) … تصورت أننى شاب من هؤلاء المخدوعين أتابع ما جرى لك، وأعايش موقفك، وأفهم أقوالك، فأفاجأ بك تدعو لى أنا القاتل أو المتربص للقتل، تدعو لى بالهداية، هل أستطيع بالله عليك إلا أن أقول آمين، وحين أهتدى بك شيخنا سوف أعرف الله الذى أردت أن تعرفنى به طول عمرك على مسار إبداعك، سوف أكتشف أنك لست نيتشه الذى توقف عند ” لا إله “.. ولم يكمل “..إلا الله” ومع ذلك اعتبره محمد إقبال مؤمنا رغم أنفه، ورحت أنت يا شيخنا تكمل ما توقف عنده نيتشه، رحتَ – فى كل إبداعك- تفتح الآفاق لإيمان أرحب، …
… هل يمكن أن تقول ما قلته لمحمد سلماوى إلا أن تكون من الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه، ألست أنت الذى قلت لسلماوى “…أما إذا كان (ربنا) يريد الأخرى، فنحن أيضا نحب أن نلقاه، ما أحلى “أيضا” هذه، يا شيخنا…
مازال هؤلاء الشباب الذين طعنوك فى حاجة إليك، لن يشفيهم إلا مثل إيمانك، لن يعلمهم إلا درس مثل هذا الدرس: حين أرادوا إطفاء نورك-وهو يعكس نور الله علينا إبداعا وإيمانا- أبى الله إلا أن يحفظك ليتم بك نوره عليهم وعلينا.…..إلخ”
وبعد
انتهى المقتطف من مقال الأهرام الذى نشر منذ ستة عشر عاما وقبل أن أعرفك بكل هذا القرب فى العشر سنين الأخيرة من عمرك، ثم أواصل معرفتك بما أتعلمه مما تركته لنا بخط يدك فى “كراسات تدريبك” للعودة للكتابة بعد الإصابة، وهى الكراسات التى أواصل قراءتها صفحة صفحة، ولم أصل إلا إلى رقم 51 من حوالى ألف صفحة، فأتعلم منها دينى، وإيمانى، ولغتى، وتاريخى، حين أستلهم سطورها وأترك لتداعياتى العنان، فأشعر أنك ما زلت تعلمنى، تعلمنا، بعد رحيلك، ليس فقط من جميل إبداعك، ولكن أيضا من تلقائية تدريباتك، ما ينبغى أن نتعلمه عن ديننا، وعن قرآننا، وعن ربنا، وعن بلدنا، وعن لغتنا، فتطمئننا إلى مآل تجربتنا الصعبة الراهنة.
أنا يا شيخى الجليل أواصل قراءة تلك الذخيرة وسوف أنشر ما تيسر منها قريبا حتى قبل أن أتم قراءتها واستلهامها، فهل تأذن لى أن أقتطف منها بعض ما جاء فيها ربما يصل ما تيسر منها لهذا الشيخ الذى سبّك وشجب أعمالك، وصحبه، فأنا أعلم أنك تحبه وتسامحه، وإلا فلماذا تدعو له بنور البصيرة وكمال الهداية؟ وتسمح لى بأن أدعو أنا له بدورى ألا يكون من الذين إذا قيل لهم اتقوا الله أخذتهم العزة بالإثم”
فيما يلى بعض ما سجل قلم شيخى بخطه شخصيا فى بعض الصفحات التى وددت لو أمكن تصويرها بخط يدك كما أنشرها فى موقعى الخاص تباعا مع تداعياتى واستلهامتى:
صفحة التدريب رقم (8)
نجيب محفوظ
أم كلثوم
فاطمة
الهدى لمن اهتدى
الصدق منج
العمل عبادة
نجيب محفوظ
2-2-1995
صفحة التدريب رقم (9)
نجيب محفوظ
الأنسة فاطمة
الأنسة أم كلثوم
الحلم سيد الاخلاق
الله يهدى من يشاء
ويرزق من يشاء
نجيب محفوظ
3-2-1995
صفحة التدريب (12)
نجيب محفوظ
الله يهدى من يشاء
مصر عليك تحية وسلام
صنت نفسى عما يدنس نفسى
نجيب محفوظ
6/2/1995
والآن: دعونى أنهى هذه الكلمة بما أنهيت به قصيدة رثائه قائلا :
لكنَّ ما قدّمتَ علَّمنا “الطريق” إليه عبر شعابها:
لمّا عرفتَ سبيل دربك نحوه،
كدحاً إليه :
ودخلتَ فى عمق العباد تعيد تشكيل الذى غمرتْه أمواجُ الضلالْ، حتى تشوّه بالعمى والجوع والجشع الجبانْ،
***
شيخى الجليل:
ما دمت أنتَ فَعَلتْهاَ
فانعم بها
واشفعْ لنا
وسَنَحمل العهدَ الذى أوْدَعْتنَاَ
شيخى الجليل:
نمْ مطمئنا،
وارجع إليه مُبْدعاً،
عبر البشر،
وادخل إليها راضيا،
أهلا ً لهاَ.
(ملحوظة: توجد صفحات التدريب من 1 إلى 48 بتداعياتى عليها بموقعى ، بما فى ذلك صورتها بخط يده، وما زالت المحاولة مستمرة كل خميس).