نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 24-7-2013
السنة السادسة
العدد: 2154
نبض الناس
الله والثقافة والسياسة والتطور
الإسلام الذى غمر وعيى لا يمكن أن يقتصر على كونه معتقدا فكريا أساسا أو تماما، ولا هو نشاط اجتماعى عاطفى بعض الوقت (أيام الجمع والأعياد وسهرات رمضان)، ولا هو علاقة سرية خاصة بينى وبين ربى، ولا هو إضافة أخلاقية مناسبة لتحسين المعاملات، ولا هو تسكين وتأجيل، ولا هو ترغيب وترهيب، ولا هو “سبوبة” انتخابية دورية، وإنما هو أساسا (1) موقف حياتى تكاملى (2) وطريق معرفة (3) ووعى كيانى بالذات والوجود. (4) وامتداد إبداعى إلى المطلق نحو وجه الله.
يتم ذلك من خلال ممارسة شهادة “لا إله إلا الله” وهو الموقف الذى يرتقى بالإنسان إلى حرية التوحيد، فلا يعبد سواه مالا أو جاها أو ولدا أو سلطة، رئيسا كان أو حرفوشا.
الذى يجرى حاليا فى العالم، وفى العالم العربى خاصة يحتاج وقفة أعمق من تحليلات صراعات السياسة، وأكثر مسؤولية من أوهام التغير الثورى السريع، (السابق التجهيز أو الديلفرى: توصيل الثورات للأوطان) لقد اختزل الإخوان –أو أغلبهم– الإسلام إلى “الإخوان” كما اختزل قبلهم الأعراب الإيمان إلى الإسلام، أما السَّكْلَرِيُّون، (العلمانيون) فقد أزاحو المسألة كلها بعيداً عن بؤرة الوعى العام، والفعل العام، والقدر العام.
الدين هو أهم مقومات ثقافة أمة ما، هذه حقيقة قديمة جديدة أثبتها ت.س.إليوت بشكل رائع فى كتابه “ملاحظات نحو تعريف الثقافة”. حين اختزل الإخوان “الإسلام” إلى “الإخوان”، واختزل أهل السنة وكذلك الشيعة والفرق الأخرى: الإسلام كلٌّ إلى ملته….الخ، تراجعت ثقافة الإسلام إلى خلفية وعى المسلمين العام حتى تخثر الوعى الإسلامى الجمْعى إلى ما لم يعد يصلح معه لتكوين ثقافة إسلامية حقيقية ولا حتى ثقافة مضروبة “تقليد” “كنظام” الغرب، تحمل لافتة إسلامية، فأصبح جاهزا للانقضاض عليه من أية ثقافة أخرى تستعمله أدواتٍ لها، بكل امتهان واستغلال.
الجارى حاليا أكبر بكثير مما يسمى ثورات الربيع العربى بتداعياتها كلها، الحادث هو أن هناك ثقافات جديدة تغزو العالم كله وهى ليست إلا أديان زائفة مصنوعة، الفرق بينها وبين الأديان الأصيلة والأصلية أنها تتمركز منذ البداية حول مصالح جوقة من أنبياء البنوك المحدثين والكهنة الماليين الذين تحوصلوا حول مصالحهم على حساب سائر البشر، فى حين أن كل الأديان الصحيحة عبر التاريخ، كانت تهدف – فى البداية على الأقل – إلى تطوير وتحضير كل البشر دون استثناء، المنتمين إليها وغير المنتمين، مع أن أغلبها انتهى إلى التحوصل حول فريقه ونفْىِ الآخرين.
الدين الأشمل والأخبث حاليا يسمى “العوْلمة”، وله أنبياء وحواريون ومقدسات وترانيم. والدين الأشهر والألمع يسمى “الديمقراطية” وهو يستعمل أوراق وأبواق الإعلام و”مواثيق” الحقوق وقرارات المؤسسات العالمية. لتليين مساراته إلى الأسواق الحرة جدا!!، أما الدين الأكثر غورا وأخطر أثرا فهو دين “المالية التكاثرتية الاستعمارية” على حساب كل القيم وكل المستضعفين، ثم كل الناس.
انطلاقا من هذه الرؤية يمكن النظر إلى الصراع الدائر أنه يجرى بين تحالف هذه الأديان الثلاثة الجديدة وبين الأديان الحقيقية الأصيلة التى تتمحور حول رفض الشرك، وخاصة ما زال منها يحاول أن يحافظ على وظيفته فى إبداع الحياة، وتعمير الأرض، وتطور الإنسان، إنطلاقا من الاقتصاد المستقل إلى نوعية حياة مختلفة!
باعتبار أن الثقافة هى جُمّاع الوعى العام، فإن التنبيه على هذه الاحتمالات أو الفروض فى مجلة ثقافية يبدو ضروريا من حيث أن الكشف عن العمق الثقافى لما يجرى هو مهمة التفكير النقدى والإبداعى، بل والإيمانى، الأديان الحديثة المصنوعة لا يرعبها إلا أن يتحد المستضعفون فى العالم ضد الشرك والتكاثر والتمييز الطبقى والعرقى والجغرافى.