أخبار الأدب
نشرت بتاريخ: 6 يناير -2013
نبض الناس
نبض الناس
لا دائم إلا الحركة. هي الألم والسرور. عندما تخضر من جديد الورقة، عندما تنبت الزهرة، عندما تنضج الثمرة، تمحي من الذاكرة سفعة البرد وجلجلة الشتاء « هذا ما قاله نجيب محفوظ وهو يكشف لنا عن دورات الإيقاع الحيوي لنبض الحياة في ملحمة الحرافيش.
لكن ليس في كل حركة نبض حي، فَثَمة حركة في المحل، وحركة للوراء. الحركة الحياة هي نبض الناس الأكثر وعدا، وتطورا، وإبداعا: هي حركة نابضة تشكل إيقاع الحياة المتطور. إن دوام الحركة لا يعني استمرارها بقدر ما يشير إلي حتمية دورانها التي تشمل طورا من الكمون يبدو وكأنه السكون، لكنه في الحقيقة يتبادل مع طور الحركة في جدل يتمادي نحو التكامل المفتوح النهاية، لا الحركة مطلوبة لذاتها، ولا السكون دائم الارتباط بالهمود والجمود والموات، نبض الناس يضطرد بإيقاع لولبي جدلي متصاعد دون وعي حاد: بل إن فرط الوعي به قد يعوقه: «تشوف رشاقة خطوتك تعبدك، بس انت لو بصيت لرجليك، تقع. (صلاح جاهين).
ابدأ بافتراض أن السكون الكامل هو استحالة بيولوجية، بمعني أنه زعم عقلاني لا يتفق مع استمرار الخلايا الحية التي لا بقاء لها إلا بالحركة في تناسق الهارموني المتصاعد مفتوح النهاية. إذا كان الأمر كذلك، فعلينا أن نبحث بحدْس أكثر يقظة فيما يملأ الصمت، وينبض في عباءة السكوت. يعلمنا صلاح عبد الصبور كيف أنه «فليتكلم عني صمتي المُفعَمْ» (ليلي والمجنون) ، كما يعلمنا نجيب سرور كيف يكون السكوت مشروع كلام (- «الكلام ممنوع يا ست»، (= ….) – والسكات ممنوع يا ست (=السكات ممنوع كمان؟!) -السكات مشروع كلام. (آه يا ليل يا قمر).
ثم إن للسكون والتجمّد دورا دفاعيا هاما حين يكونا للحفاظ علي الحياة.، هكذا تُعلمنا الحرباء حين تسكن بجوار صخرة ثابتة وتتلون بنفس ألوانها حتي يحسبها المهاجِم صخرة أخري، وهو ما يفسر التصلب (الكاتاتوني) الذي قد يلجأ إليه المريض الفصامي كنوع من الدفاع ضد التفسخ والتناثر أو العدم.
بلغ من تقمصي صديقي الكاتاتوني هذا أن حضرني الشعر علي لسانه وهو يفسر ويدافع عن حقه في هذا الجمود التخشبي في مواجهة الخوف من الانسحاق في مدارٍ رسمه الغير بكل غباء التدهور لضياع الكل، وكذلك ضد وهم الحركة ونحن ثابتون في النقطة غير الحصينة، أو ونحن ننسحب إلي الخلف ذاهلين، قلت متقمصا خوفه مبررا دفاعأخاف همسَ الطير،
أخاف من تموّج الأحشاء،من نثرة الأجنهْ، من دورة الدماء، ومن حفيف ثوبيَ الخشِنْ .
أخاف من نسائم الصباحْْ، من خيط فجرٍ كاذبٍ، أو صادقِِِ
من زحف ليلٍٍ صامتٍ، أو صاخبِ
أخافُ، من تناثرالذرات في مدارها، أخاف من سكونها
أخاف لا حراكْ.
موتٌ تمطّي في تجلط الدماءْ، في مأتم الإباءْ
الخوف أن أموتَ إن حييتْ. الخوف أن أعيشَ لا أموتْ
يا وحدتي الشقية، يا وحدتي الأبيَّة،
صفقتِ بابهم خوفا من المودة اللعوبْ، من كذبةٍ طليَّهْ، من مِلحة ذكيه،
من كل شيءٍ همَّ أن يكون، من كل شيء لم يكن،
من كل شيءٍ كان ما انقضَي، من كل شيء
تفجر السكون في قوالب الجليد، ولم تدوِّ الفرقعة.
تحركتْ أشلائيَ المجمَّدهْ، تفتَّتَ الجبلْ، فطارت العرائس.
تكسَّرتْ حواجز الأصواتْ، تخلقت براعم الذواتْ، …تطاولتْ، فأُجهِضتْ،
وضجَّت السكينة.
ومادت الرواسي،
في عمق هُوَّةِ الهلعْ .