اليوم السابع
15-5-2014
من هو الشعب؟ وماذا “يريد”؟
من حق السيد المشير السيسى، والأستاذ صباحى احتراما لمبدأ المعاملة بالمثل أن يقر كل منهما، على حِدِهَ، أنه يقبل أن ما سرى على سلفه يسرى عليه، هذه شهادة مقبولة وشريفة من حيث المبدأ. لكن حتى لو تشابهت الألفاظ، فالأمر يحتاج وقفة ويقظة، واحتراما لاختلاف التوقيت، واختلاف السياق، وتطور الوعى، وضرورة تطوير طرق الجهاد والخطاب، حتى لا يستغل الكارهون الحاقدون فى الداخل والخارج هذه التصريحات لخدمة ألعابهم ومؤامراتهم.
قال المشير السيسى فى لقائه برؤساء التحرير: “لو الشعب قاللى أرحل سأنفذ فوراً، فأنا مستدعى من المصريين” ثم أضاف: والوظن الآن فى خطر ويحتاج من جميع المصريين أن يتحملوا المسئولية معنا، المهمة كبيرة جدا وتحتاجنا جميعا”.
كما قال الأستاذ حمدين صباحى فى برنامج “مصر تنتخب الرئيس”: “إنه سيرحل إذا خرج ضده المتظاهرون وطالبوه بالرحيل” وتحفّظ بوضع شرط وهو: “إذا كان عددهم مثل 25 يناير و 30 يوينو”.
بالنسبة لما قاله المشير السيسى من أن الوطن فى خطر ويحتاج من جميع المصريين أن يتحملوا المسئولية معنا، فقد وصلنى أنه يؤكد ثقته فى جميع المصريين وأنهم لن يقولوا له “إرحل” إلا إذا قصَّر أو خانَ أو ظلم أو أهان، ومع ثقتى فى يقينه ببعده عن كل ذلك إلا أننى خشيت من تصور قوى الشر أنها قادرة على تمثيل “الشعب” الذى لم يَعْنِه سيادة المشير، أقول بصفتى مواطنا يحاول أن يتعلم من الخبرة السابقة أننا أصبحنا فى مرحلة أخرى لا تحتمل تكرار النص، ولا التثبيت على آلية انتهى عمرها الافتراضى المحدود، هذه المرحلة الجديدة تحتاج إلى مناهج جديدة، وآليات جديدة، وإبداعات جديدة، وكل هذا يتطلب أبجدية جديدة تعيد تعريف الكلمات التى نكررها مثل “الشعب” و”المتظاهرون” وأيضا “يريد”. لم يعد كافيا أن يجتمع مئات الألوف أو أكثر لنطمئن أنهم يمثلون من هوا “الشعب” كما لم يعد مقبولا أن نعد المتظاهرين بصور الكاميرات حتى لو التقطتها طائرات الهليوكوبتر، حتى الصناديق لا تمثل إلا ما فى الصناديق، فما بداخلها ليست مسلمة مقدسة إذْ علينا أن نضع فى الاعتبار اعداد من ذهبوا إليها أصلا قبل أن نقدس ما تحتويه وكأنها تحتوى “الشعب” نفسه داخلها. فى الأبحاث العلمية لا يمكن أن نعمم النتائج بحجم العينة فقط، وإنما بمدى تمثيلها لمن سنعمم عليهم نتائج البحث.
لابد من إعداد مقاييس متعددة ومتكاملة تدلنا على تصنيف من يندرج تحت كلمة “الشعب” فى أوقات مختلفة بتصنيفات مختلفة، لقد امتهنت كلمة الشعب واستولى عليها أعداء الشعب وراحوا يستعملونها بما يهينها ما بين الاستسهال والفكاهة، بل أن قنوات خصصت برامج ثابتة باسم “الشعب يريد” مثل: قناة التحرير، وقناة القاهرة والناس.
ليس هذا فحسب، بل خد عندك ما وصل إليه امتهان تعبير “الشعب يريد” ليستعمل فى عكس ما يريده الناس، وما عليك إلا أن تستشير العم جوجل وتكتب “الشعب يريد” ليأتيك سيل مضروب من ادعاءات ما يريده الشعب، بلا توكيل لكل هؤلاء اللصوص الأدعياء.
نقرأ معا بعض ما سرَّبَهُ إلىَّ “العم جوجل”، وقد سمحت لنفسى بإضافة ما بين قوسين بعد ما جاء فيه حتى أوجز رأيى:
الشعب يريد تطهير الإعلام (نصف نصف)
الشعب يريد إسقاط النظام (أى نظام؟)
الشعب يريد الحرية (أية حرية؟)
الشعب يريد عيشة حلوة (يا حبذا لو مُسْتَورَدَة)
الشعب يريد إسقاط المشير (ورّونا شطارتكم!)
هل رأيت إلى أى مدى وصل امتهان كلمة “الشعب يريد” وسوء استعمالها
مطلوب الاتفاق على ترجمة كلمة الشعب إلى حجم وضبط وربط يتجاوز الصناديق ولا يهملها، ويتجاوز الميادين ولا يحتمى ضدها بما يشل حركتها.
لابد أن نتفق على الجمع بين مختلف المستويات وأن يكون المقياس هو استمرار وجود الدولة واحترام الوقت اللازم للتغيير، والتعمير، والانتاج والاستقلال على كل مستوياته.