نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 5-8-2015
السنة الثامنة
العدد: 2896
من رفاهية اليأس إلى فريضة ملء الوقت (1)
فى هذا الباب (أخبار الناس) نكشف القناع عن الوجه الآخر للشخصيات التى اعتدنا رؤيتها فى ثوب واحد .. نتعرف على الأفكار والهوايات وتفاصيل الحياة الطبيعية التى تختفى خلف أقنعة المنصب .. أو خلف الظروف التى تفرضها طبيعة العمل .
………..
………..
………………………؟
نشأتُ مثلى مثل أى فرد من أسرة متوسطة، وتربيتى هى محصلة جهد ووعى مدرس عربى مؤمن.. وأم رائعة الأمومة لا تفك الخط.
كنت رابع طفل ذكر فى أسرة متوسطة..وبعدى شقيقتان.. وقد كان لى ثلاث عمات فى سن أمى تقريبا كن ينجبن بناتا فى الوقت الذى بكّرت أمى بإنجابنا نحن الأربعة.. وفى الأسر المتوسطة.. خاصة فى الريف..يعتبر هذا مجالا للحسد، لهذا أخفت أمى أننى طفل ذكر لبضع سنوات، وأسمتنى سوزان، حتى صحح هذا الوضع زوج عمتي.. وأفهمنى الحقيقة ربما فى سن الرابعة.. وبناء عليه أخذت المقص.. وتخلصت من شعرى.. ومن فستانى بنفسى.. ولا أزعم أن ذلك ترك أثرا باقيا فى نفسى..على قدر علمى.
…………………….. ؟
أستيقظ عادة قبل أو قبيل الفجر، وبعد الصلاة بالمنزل، أبدأ عملى الخاص فورا بمكتبى فى موقع العمل: كتابة وقراءة، (كان قبل سنوات، قراءة وكتابة)، إذ بعد أن بلغت هذه السن الآن – تجاوزت الثمانين بعامين- شعرت أنه من الأمانة أن أسجل خبرتى، خاصة ما أعتبره جديدا عما هو معروف عن النفس البشرية فى الصحة والمرض، وهذا لا يبعدنى عن المرضى إذْ أعتقد أن ما أقوم به ويصلنى لأبلغه: هو بفضل المرضى طول الوقت، وبالتالى فهو ليس بعيدا عنهم، فهم أساتذتى فيما يخصهم، وما لايخصهم .
…………………….. ؟
لا أعرف تعريفا محددا للصداقة..فكل من أعرف هم أصدقائى دون إذن منهم .. سواء كانوا قريبين منى أو بعيدين..ومن البديهى أن يتغير الأصدقاء عبر أكثر من ثمانين عاما..وكنت دائما أحتاج لصديق أكبر منى بمثابة أب قادر جميل..برغم أن أبى رحمه الله لم يرحل إلا وأنا فى الرابعة والثلاثين من عمري..لكننى أؤمن بالمثل القائل “إللى ما لوش كبير يشترى له كبير” وقد كان المرحوم المحقق الرائع محمود محمد شاكر هو كبيرى عبر سنوات طويلة من عمرى من أيام الثانوى فى مصر الجديدة حتى بعد تخرجي، ثم كان أستاذى المرحوم أ.د.عبد العزيز عسكر، ثم حكيم “صنايعى” هو “عم على السباك” ثم ختمت اعتمادى وتعلمى بفضل الله فيما يمكن أن اسميه صداقة نجيب محفوظ الأبوية الذى أمضيت معه آخر عشر سنوات من عمره وأهم عشر سنوات فى عمري،
ثم إن كل تلاميذى ومرضاى هم أصدقائى رضوا ام لم يرضوا.
…………………….. ؟
لا أعتبر علاقتى بالأدب وبالذات بالنقد الأدبى هواية، فهى تمثل محورا أساسيا فى وجودي، حتى أننى اكتشفت مؤخرا أننى أقوم بعلاج مرضاى بمثل ما أقوم به فى نقد النص الأدبى ، فأسلوبى فى العلاج هو “نقد النص البشري”..بمعنى إعادة تشكيل المريض (وشخصي) بما يؤدى بنا إلى مستوى أفضل وأبدع تناسقا مع المحيطين ومع الكون إلى وجه الله.
…………………….. ؟
أتعامل مع المشكلات الصعبة بالمواجهة والمسئولية، فأنا لا أؤجل مواجهة المشكلات لأى سبب (ما أمكن ذلك)، وكلما زادت المشكلة صعوبة وجدت ربى عونا قريبا وقادرا مهما بلغت الصعوبة.. والعلاج الذى أمارسه اسمه علاج “المواجهة- المواكبة- المسئولية“، بمعنى أننى والمريض نواجه الأمر الواقع.. ونركز فى “هنا والآن” بديلا عن الاستغراق فى حكى تفاصيل الماضى والأسباب والعقد وما إلى ذلك.. وهنا تحل ضرورة الإجابة عن أسئلة التحدي.. والتى تقول “إذن ماذا؟” ولا نهتم كثيرا بسؤال : لماذا؟، اللهم إلا إذا كان السبب قائما يمكن إزالته الآن.
…………………….. ؟
الحمد لله أننى نادرا ما أندم على ما فاتني.. ليس فقط لأن فضل الله على أكثر مما أتوقع، ولكن لأن الندم يتعلق بالماضي.. وأنا أمارس – كما ذكرت – العلاج الجمعى الذى من أساسياته التركيز فى “هنا- والآن”، و“إذن ماذا؟”
…………………….. ؟
اكثر شئ أخشاه هو العجزعن الفعل والعطاء.. وأن أضطر إلى معاملة لئيم يضيع منه حياء عيني.. وأكثر شيء يصيبنى بالإحباط هو الفشل فى توصيل ما وصلنى من معرفة وخبرات إلى أصحابه، أى العجز عن نشر خبرتى التى أعتبرها أمانة فى عنقى لا بد أن تصل إلى اصحابها بأى صورة من الصورة، وأنا لى “موقع خاص بي” لا يزوره إلا عدد قليل جدا، وأنا أكتب فيه نشرة يومية باسم “الإنسان والتطور” منذ سنوات لم أنقطع يوما “امتدادا لمجلة كنت أصدرها بنفس الاسم منذ سنة 1980 لما يقرب من عشرين سنة”.
…………………….. ؟
أنا مصاب بمحنة التفاؤل المزمن لأننى أعتبر اليأس والتشاؤم رفاهية الكسول لا أسمح لنفسى بالتمتع بها.. والتفاؤل عندى يحمل مسئولية الإسهام فى العمل على تحقيق ما أتفاءل به، وليس مجرد انتظار المستقبل الجاهز الأفضل.. لي.. أو لمن حولي.. أو لبلدى عامة.. أو للإنسان عموما.
…………………….. ؟
أبنائى للأسف.. يعملون جميعا فيما يتعلق بالنفس البشرية.. وأحسب أن ذلك له إيجابياته كما أن له سلبياته.. فربما وصلهم عمق وشرف مهنتي.. وربما استسهلوا الطريق.. ولا شك أن بعضهم يلومنى أننى كنت سببا مباشرا أو غيرمباشر لهذا الاختيار الصعب.
…………………….. ؟
علاقتى بأحفادى من ناحيتى هى علاقة حميمة جدا.. وأنا أصادقهم.. وأصر أن ينادونى بـ “جدِّي” وليس “جدّو”..لكننى أشعر أحيانا فى علاقتى بهم ببعض الأنانية.. وميل إلى الملكية خاصة بعد أن رحل أغلبهم لمواصلة الدراسة فى كندا بعد انهيار نظام التعليم فى مصر، وقد افتقدتهم منذ سافروا برغم أنفى فأنا أشتاق إليهم.. وأنتظر عودتهم فى الإجازات بشكل عنيف ولحوح ، ومن هنا اكتشف أنانيتى وميلى إلى امتلاكهم باستمرار (ربما).
…………………….. ؟
نجاح أوفشل اى علاقة زوجية يتوقف على الاحترام المتبادل والعدل الحقيقى بمعنى معاملة المثل..وأيضا يتوقف على الصدق والتحمل.
اما النجاح بصفة عامة فهو أن تعتبر كل نتيجة هى خير، فإن كانت غير ذلك فهى طريق إلى خير لاحق.. أما الصفات التى تؤدى إلى الفشل، فهى الاعتمادية والتأجيل والكسل.
…………………….. ؟
أمارس رياضة المشى يوميا..والعوم كلما سنحت الفرصة..ومارست رياضة الاسكواش لبضع سنوات..حتى استهلكت مفاصل ركبتى فتوقفت أما علاقتى بالغناء والمسلسلات والأفلام.. فقد أصبحت ضعيفة جدا..لضيق الوقت..وربما لفساد السوق..لست متأكدا.. ولعل آخر مسلسل تابعته كان “بابا عبده”و”أحلام الفتى الطائر”!!
…………………….. ؟
الحلم الذى يشغلنى الآن أن أنشر خبرتى بكل الوسائل “الإلكترونية والورقية والعملية” لمن يهمه الامر.
وأهم درس ونصيحة لأىٍّ من تلاميذى وأبنائى هو أن يملأ الوقت بما هو أحق بالوقت، وأن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله سبحانه يراه، وأن يكون على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.
[1] – نشر الحديث فى جريدة الاخبار صفحة اخبار الناس بتاريخ 3-8-2015بعنوان: “د. يحيى الرخاوى: أمى أسمتنى “سوزان” حتى سن الرابعة .. خوفا من الحسد!”.
واعتقد أن هذا العنوان برغم ما يحمل من صدق – ورد فى الحديث – ليس هو الأهم، ولكن “هكذا الصحافة”.
العنوان الذى أختاره له هو العنوان الحالى.
هذا علما بأن المقال قد نشر بعد حذف الأسئلة قصدا بعلم التحرير، وأنا أوافق على ذلك.