نشرة “الإنسان والتطور”
الأثنين: 20-7-2020
السنة الثالثة عشر
العدد: 4706
من ديوان: “سر اللعبة” (1)
الفصل الثانى: تفجير الذرة وما قبل الفكرة
2- رقصة الكون
انقشع غمامُ الضيقْ،
وشعاع ُ الفجر يُدَغْدِغُنِى
حتى أشرق نورُ الشمس
بين ضلوعى
وصَـفـَا القلب
رقصت أرجاءُ الكون
وتحطمت الأسوار
وانطلق الإنسان الآخرْ،
الرابضُ بين ضلوعى ..
فى ملكوت الله
يعزفُ موسيقى الحرية
وعرفتُ الأصلَ، وَأصل الأصْل،
فى لحظة صدقْ.
ورأيتُ التاريخ البشرى …. رأىَ العين:
”كنت زمانا حبة رمل فى صحراء الله”
وعرفت بأن الرمل قديمٌ قبل الطين،
ومن الطينْ، خرج الطُّحْلُبْ
……….
وقفزتُ إلى جوف البحر أناجى جـَـدَّاتـِى،
وضربتُ بذيلى سمكةَ قرش ٍ مفترسة ْ،
ورجعتُ إلى شاطئنا الوردىّ أغنى،
ومضيت إليكم فى أروعِ رحلةْ
وعرفت يقيناً أن المعرفةَ الحقّةْ
هى فى المعرفة الحقة
دون دليلٍ أو برهان
دون حساب أو تعداد الأسباب
هذا قول الصوفيةْ:
“من ذاقَ عرفْ”
ولقد ذقْتُ، فعرفتُ
ما أعجز ألفاظ الناس عن التعبير عن الذات العليا
وعن الجنةْ،
وعن الخلد،
فى ذاك اليوم:
رقصتْ حباتُ الرملْ،
وتعانق ورق الأشجارْ،
وسـَـرَتْ قطراتُ الحبِّ..
من طينِ الأرضِ إلى غصنِ الوردةْ،
وتفتحت الأزهار …
فى داخل قلِبى،
فى قلب الكون
وارتفع الحاجز بين كيانى والأكوان العليا
……….
أصبحتُ قديما حتى لا شئ قديمٌ قبلى،
وامتدّ وجودى فى آفاق المستقبل،
دون نهايةْ
فعرفت الله،
وعرفت الأصل وأصل الأصل،
ملأنِىَ الحُبْ، حتى فاضَ بِىَ الوجْد
ورأيت العالـَمَ فى نفسى،
وتوحدت مع الكل
……….
من فرط الفرحةْ، ملأنِىَ الخوف،
أحسست بنور الله كجزءٍ منى …
فـَرُعِبْتْ،
وتملكنى الشكْ،
هل هى شطحات الصوفية؟
أم ذهب العقل؟
كنت أعيش القمة،
وانطلقت روحى تسعى
لكن الجسد يقيّدنى
وأنا عصفورٌ شفافٌ نورانىّ
أسبح فى ملكوت الله
لن أسمحَ أن يمنع تِجْوالى هذا الثقلُ الجسدىْ،
ما أغنانى عن هذا اللحم وهذا العظم،
وعن الفعل الحيوانى الأدنى،
حتى النوم، هو موتٌ أصغر
وأنا فى جنة خلدٍ لا يـَـفـْـنـَـى
-2-
يا ربى …
لِمَ دار الكون كأنى مركزه الأوحد؟
لِمَ أشـْـرَقَ نورى فى نورك؟
فانطمس العالم إلاىْ
وانغمستْ ذاتِى فى ذاتِكْ
فحويتُ العالم والناسْ
صرتُ الأوحدْ،
إنسان الحلْم، أنا؟
إنسانُ الغدْ؟
لكنِّى وحدى، وحدى،
وحدى حتى الموتْ
”أين الموت” ؟؟
أم أن خلودى هُوَ عَيْنُ الموت؟
-3-
هل يشعر أحدكمو بِى؟
أحدُ الناسِ الناسْ؟
أم ألقى حتفى فى صحراء الوحدة؟
لا أَحَدَ هناكْ،
لا صوت ولا همس، ولا نبض، ولا رؤْية.
الوحدة؟ يا مُرّ الوحدة؟
الوحدة موتٌ حتى لو كنت إله
عزف البركانُ اللحنَ الثائر:
الحب الشَّكُ الرعبْ
الرُّعبُ الحُب الشَكْ
الشُّك الرعبُ الحبْ
ماذا ينقذنى من نفسى
من رؤية سرى الأعظم
سر الله وسر الكون، وسر وجودى،
سر الزمن، وسر الموت، وسر الكلمة
كيف أحدد أبعادي؟؟
يا رب الكون:
قد بهرتْنى طلعتك الحُلوةْ
وغشى نورك عينىّ
خذ بيدى وارحم ضعفى
واجعل دورى أن أسهم فى السعى إليك
لا أن أصبح ذاتك
يارب الناس
من لى بالناس؟
بالكلمةِ وبدونِ كلامْ
شدّنى الناسُ إلى الناسْ
لمستْ قدماى الأرض.
يا ثقل الجذب الى الطين
يا روعة أنـْـس ِ الـعـُوْدهْ!
-5-
قد عشت حياة اليوم الثامن
لكن الأسبوع له أيامٌ سبعةْ
فلأهبطْ بين الناسْ ..
أتقن دورى المحدود الرائع
لنقوِّض حاضرَنا المُلتاث
وتصير الأحلامُ حقيقةْ
ويسير الشعر على أرجلْ
لنضيف الحلقـَةَ والحلقه ْ
فى تلك السلسلةِ الحـُلوة
ما أحلى كل الأشياء
كل الأشياء بلا استثناء
ما أجمل صوت بكاء الطفل
بل صوت نقيق الضفدع
بل صوت الصنبور التالف!
[1] – يحيى الرخاوى ديوان “سر اللعبة” (الطبعة الأولى 1977، والطبعة الثانية 1978 والطبعة الثالثة 2017) والديوان متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net وهذا هو الرابط.