نشرة “الإنسان والتطور”
الأثنين: 3-8-2020
السنة الثالثة عشر
العدد: 4720
من ديوان: “سر اللعبة” (1)
الفصل الثالث
الطفل العملاق الطيب
-1-
نحتوا فى الصخر الهيكلْ:
فى داخله سـِـرُّ أكبر،
صنمّ عبدوهُ وما عرفوه،
قربان المعبد طفل،
يرنو من بعد،
لا يجرؤُ أَن يطلبَ، أو يتملْمَلْ،
أقعى فى رعبٍ فى جـَـوْفِ كهوف الصـَّـمـْـتْ،
خلف عباءةِ كهلٍ قادرْ.
-2-
……وكلامٌ غَثّ:
ما أحكمَه … مَا أنبلَه
ما أعلَمه … ما أولاه بالحب
- الحبّ!! ؟ ؟ من لى بالحبّ؟؟
إذ كيف يحب الجوهرَ من لا يعرف إلا السطحَ اللامعْ؟
-3-
لم يعرفْ أىٌّ منهم أن صلابتهُ هى من إفراز الضعف،
وحصاد الخوف
لم يسمع أحدهمو نبضَ أنينهْ،
والطفل الخائف يقهره البرد الهجر،
نظر الطفلُ إلى كبد الحق
وتمنى الموت.
-4-
لكن النورَ يداعب بَصَرَهْ،
وحفيف الدفء يدغدغُ جلدَهْ،
فيكاد يصيح النجدهُ،
يتحرق أن يُظهر ضعفه
لكن الرعبَ الهائلُ يكتمُ أنفاسهْ،
ويعوقُ خطاه،
الضعفُ هلاكْ، والناس وحوشْ
-5-
فلتتجمد أعماقى، ولتنمُ القشرة،
ولينْخَدعوا،
وليكن المقعد أعلى
ثمّ الأعلى فالأعلى،
حتى لو كان بلا قاع،
ولأجمعْ حولى فى إصرارٍ ما يدْعَمُ ذاتى فى أعينهم،
ولأصنع حولى سوراً من ألفاظٍ فخمةْ،
دِرْعا يحمينى منهمْ،
بل من نفسى،
لم يَدَعُوا لى أنْ أختارْ
-6-
لكنْ ويحى..!
من فرط القوة، وقع المحظور،
أو كاد
أسمع خلف الصخر حفيفا لا يسمعه غيرى
يحسبه الناس حديث القوة والجبروت
…………….
لكن الشق امتد
من داخُل داخلنا الأجوف
لا لم يظهر بعد،
لكن لابد وأن يظهر
وكما كان الصخر قويـًّـا صـَـلـْـدا
وكما كان الصنم مُهَاباً فخما
سوف يكون الصدع خطيراً فاحذرْ،
وليحذر ذلك أيضا كل الناس
-7-
لن ينجوَ أحدُ من هول الزلزال
إلا من أطلق للطفل سراحه
كى يضعـُـفَ … أو يخطـِئَ … أو يفعلها
لن ينجوَ أحدٌ من طوفان الحرمانْ،
إلا من حلّ المسألةَ الصعبةْ:
أن نعطىَ للطفل الحكمةَ والنضجْ،
دون مساسٍ بطهارته، ببراءته، بحلاوة صدقه،
أن نصبح ناسا بـُـسـَطاءْ، فى قوة،
أن نشرب من لبن الطيبة سر القُدْره،
كى نُهلك – حبا- غول الشر المتحفز
بالإنسان الطيب
هل يمكن؟؟
هل يمكن أن نجعل من ذاك الحيوان الباسم:
إنسانا يعرف كيف يدافع عن نفسهْ..
ببراءة طفلْ،
وشجاعة إنسانٍ لا يتردَّدْ: فى قول الحق،
بل فى فرضِهْ؟
تلك هى المسألة الصعبة.
هل يمكن؟؟
هل يمكن أن نضعُفَ دون مساسٍ بكرامتنا؟
أن نضعُفَ كيما نقوى؟
أن يصرخ كلَّ جنين فينا حتى يُسمعْ
أن نطلقَ قيدَ الطفل بلا خوفٍ وبلا مطمعْ
أن يعرف أنا لا نرجو منه شيئا..
إلا أن يصبح أسعدَ مـِـنـَّـا
ألا يُخدعْ
فلكم قاسينا من فرط الحرمان.. وفرط القوة،
ولكم طحنتنا الأيام،
والأعمى منا يحسب أنا نطويها طيّا،
لكن كيف؟
-8-
سأقول لكم “كيف” :
كيف “يكون” الإنسان الحر،
يترعرع فى أمن الخير
ينمو فى رحم الحب
حب الكل بلا قيد أو شرط
حب لا يسألُ كم… أو كيف…
أو حتى منْ؟
حبّ يقبل خطئِى قبل نجاحى
حب يقظٌ يمنعنى أن أتمادى
يسمحُ لى أن أتراجعْ
حب الأصْل،
لا حب المظهر والمكسب وبريقُ الصنعهْ،
حبٌّ يبنى شيئاً آخرّ غير هياكل بشريةْ،
تمشى فى غير هدى،
تلبس أقنعة المالِ، أو نيشان السلطة.
سأقول لكم كيف:
“بالألم الفعل،
والناس الحب
ينمو الإنسان:
طفلا عملاقا أكمل،
يسعى نحو الحق القادر
……
مثل الأول …. مثل الآخر
والقمة تمتد إلى ما بعد الرؤية”
[1] – يحيى الرخاوى ديوان “سر اللعبة” (الطبعة الأولى 1977، والطبعة الثانية 1978 والطبعة الثالثة 2017) والديوان متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net وهذا هو الرابط.