نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 17-2-2019
السنة الثانية عشرة
العدد: 4187
من حالات الإشراف على العلاج النفسى
مقدمة:
للتذكرة: اليوم ننشر هذه الحالة من المقتطفات الإكلينيكية والعملية من الإشراف المنتظم، وهى الحالة (88) من هذه السلسلة عن الإشراف سعيا إلى استكمال مائة حالة بنهاية الكتاب الخامس (81 – 100)، ونأمل بذلك أن نكمل ما ينقص هذه الحالات من تعقيبات الأصدقاء القراء حتى تسهم فى مزيد من التوضيح والإفادة ورسم بعض معالم ما نمارسه ونتدرب عليه حتى نواصل من واقع ثقافتنا الخاصة.
الحالة: (88)
تصديق المريض، وحفز الإبداع، وتأجيل الحـُـكـْـم
أ.أيمن : هى بنت عندها 29 سنة خريجة إدارة أعمال من معهد عال على طريق المريوطية، الأب توفى سنة 2012 وكان منفصل عن الأم منذ سنة 2003 مطلقين يعنى، الأم إتجوزت راجل تانى تقريبا فى 2004، كان زميلها فى الشغل، المريضة لها أخت أكبر وأخ أصغر من الأم ، هىَّ مابتشتغلشى
د.يحيى : أخت أكبر؟ شقيقة؟
أ.أيمن : آه شقيقة وأخ من الأم أصغر
د.يحيى : عمره؟
أ.أيمن : حوالى 12
د.يحيى : عايش مع مين؟
أ.أيمن : عاش مع الجدة سنة كدة وبعد كدة عاش مع الأم ، الأم قوية مسيطرة
د.يحيى : الأم بتشتغل ؟
أ.أيمن : أيوه، بتشتغل سكرتيرة فى مدرسة
د.يحيى : وجوزها؟
أ.أيمن : معاها فى نفس الشغل فى نفس المدرسة
د.يحيى : كان متجوز قبل كده؟
أ.أيمن : كان متجوز قبل كدة وماخلفش من الأولانية، وخلـّـف من الست دية الأخ الصغير، العيانه بتاعتى دى جت بتشتكى شكوى كانت غريبة شوية عليا، شويتين بصراحة!
د.يحيى : هى جت لك منين ؟
أ.أيمن : حضرتك كنت محولى إبن أختها من سنين، والولد بقى كويس فهى جاية مع أختها
د.يحيى : يعنى شهرتك طبقت الآفاق، أهو كده: نجحت فتوافدت عليك جموع المرضى!! (ضحك)
أ.أيمن : بس هو الأساس حضرتك يعنى أنا إنتمائى لحضرتك أولا
د. يحيى: يا راجل صلى على النبى وما تحرمش نفسك من نتايجك
أ. أيمن: الحمد لله
د. يحيى: وبعدين؟
أ.أيمن: أنا شوفتها ثلاث مرات، الشكوى بتاعتها كانت غريبة شوية: هى جت، وعادةً الواحد بييجى يتكلم بيقول أنا باتحسد، يعنى الناس بتحسدنى على كذا وكذا، لأه هى جاية بتشتكى بتقول إنى “أنا باحسد الناس” أنا استغربت على الشكوى ديه، هو أنا أول مرة أشوف حالة بتتكلم معايا بالشكل ده، يعنى هى بتشتكى إن الأهل بيخمّسوا (1)فى وشها، وبيقولوا “ماشاء الله” طول الوقت، وهى بتتكلم فى الحتة دية مع الأم والأخت والقرايب، وبتدافع بس مصدقاهم برضه، وبقى معروف عنها فى العيلة إنها بتحسد، سألتها: طيب الفكرة ديه جات إزاى قالت لى: هيا جاتلى وأنا فى الكلية، بنت قالت لى إنتى عينك وحشة، وبعدين الفكرة فضلت جواها وركزت إنها عينها وحشة، فبتحاول إنها ماتبِّصش على الحاجات، وبتحاول تقرا قرآن، وتقول ماشاء الله فى كل حاجه بتعملها، بتقول ماشاء الله طبعا عشان هيا بقى عندها عقدة الحسد دى، إنها بتحسد فابتدت ماتخرجشى، بقى فيه عصبية زيادة جدا، بتكسر موبايلات، وترزع وتخبط فى البيت طول الوقت، البنت مش مبسوطة طول الوقت خالص، حزينة طول الوقت، مخنوقة، أنا شوفتها ثلاث مرات، تالت مرّة وهى جالسة الممرض جاب لى كوباية شاى، أول ما اتحطت: إنكسرت على المكتب، إنكسرت لوحدها.
د.يحيى : إنكسرت إزاى؟
أ.أيمن : فرقعت
د.يحيى : لوحدها؟
أ.أيمن : لوحدها آه وهو بيحطها فرقعت فى إيده
د.يحيى : عندى فى العيادة؟
أ.أيمن : آه
د.يحيى : أنا ماسمعتش أى صوت يعنى!! (ضحك)
أ.أيمن : كان يوم الأحد اللى فات كان حضرتك مش موجود
د.يحيى : آه
أ.أيمن : فهى قالت لى إن الكباية فرقعت أول ما هى بصـَّـت عليها، شوفت: أنا مش قولت لك وأنت مش مصدقنى، وفضلت تعيط وأنا قعدت أطمـّـنها، بس أنا مش فاهم يعنى طبعا الموضوع، الحكاية مختلطة عندى شوية بالدين، شوية بالثقافة الشعبية، وأنا ماكنش عندى قابلية إنى أصدق حكاية الحسد دى منها خالص
د.يحيى : السؤال إيه بقى؟
أ.أيمن : بصراحة مش عارف أتعامل مع الظاهرة دى إزاى
د.يحيى : أنت الأول صدقتها ولاَّ لأه، هل إنت قابل من أًصله إن فيه حاجة اسمها حسد؟
أ.أيمن : مش قوى
د.يحيى : حتى بعد اللى حصل قدامك عينى عينك كده
أ.أيمن : ما أنا لحد يوم الأحد شايف إنها عندها وسواس، وهى بتعمل تربيطات غلط وحاجات كده، لما حصل ده قدامى، وقعدت تتكلم بالشكل ده: أنا فعلا ماباقتش عارف أقول حاجة، ماباقتش قادر أقول ولو لنفسى إن دى صدفة عارضه؟ وقفت كده وإتبرجلت، فلاقيت نفسى مش عارف أفسر إيه اللى بيحصل بالظبط، يعنى هل هو حقيقى ولاّ مش حقيقى؟ يعنى أنا طول الوقت مقتنع إن الحسد ده إستعداد عند اللى بيشتكى منه يعنى طول الوقت يعنى أنا عندى إستعداد لفهم نفسية اللى بيتحسد مش اللى بيحسد، يعنى مستهدف من الغير عشان عنده نعمة أو ميزة، إنما احتمال إنى أنا اللى باحسد غصبن عنى دى صعبة علىّ شويتين
د.يحيى : ده فى إستقبالك المنطقى يعنى
أ.أيمن : آه
د.يحيى : طب واللى حصل قدام عنيك؟ إيه رأيك فى الظاهرة دى؟
أ.أيمن : ما هو انا ماقدرتش أنكرها، انا ماعرفش غير إن الحسد هو تمنى زوال النعمة
د.يحيى : ده حاجة منطقية شائعة، يمكن صح، لكن فيه تفسيرات أخرى خطرت لى مؤخراً من خلال تبنى مفهوم انطلاق طاقة حيوية نشاز عن الهارمونية العامة للتناسق الحيوى للفرد، وده يمشى وينفع فى تفسير ظواهر أخرى، يعنى غير الحسد، الحسد ده إضرار أو إفساد تناغم نتيجة تدخل طاقة فيزيقية حيوية شريرة فى نفس التناغم منفصلة عنه ودى ظاهرة، لها حضور تاريخى وأسطورى وفى الواقع الحالى، وبصراحة يبدو إن لها أصل علمى برضه إذا وسـَّـعنا مفهوم العلم إلى ما هو برّه المعمل.
أ.أيمن : ما هى قالت ليا أنا مابتمناش لحد حاجة وحشة، وانا صدقتها، لكن لاقيت نفسى مش عارف ألم الدنيا، فرحت حاطط الحسد بين قوسين
د.يحيى : إنت ماسمعتش القصة الغريبة اللى باحكيها كل ماجت مناسبة عن الحسد واللى حصل معايا فى العيادة، وبصراحة أنا باكررها بغلاسة وانا خجلان، وأظن كتبتها فى بعض كتاباتى المنشورة بدون تعليق كافٍ ولا حماس، المهم كتر خيرك على عرض الموضوع ده بالأمانة دى، الموضوع ده شديد الأهمية من الناحية العلمية، يعنى العلمية بتاعتى مش بتاعة شركات الدواء، أنا بكتب اليومين ورقة علمية حاقولها فى مؤتمر عن مستقبل الطب النفسى عموما، وهو مؤتمر له عناوين غريبة مافهمتهاش (2)، بصراحة: وأنا شايف إن الطب النفسى دلوقتى مالم يضع مثل هذه التجارب والخبرات البسيطة خالص فى الإعتبار، أظن حايستمر ماشى فى سكة اختزالية شبه علمية متمادية فى اغتراب خطر على أفق الطب وعلى المهنة، لأنها تتبع اتجاهات أغلب الظن حاتختزل الوجود الإنسانى لما تثبته فى المعامل وبس، ودى فكرة الطب النفسى النفسى الترجمى Translational psychiatry ” من المعمل إلى السرير”، وأنا ناقشت هذا الاتجاه فى مؤتمر فى الاسكندرية، وكتبت عنه هنا فى نشرة الإنسان والتطور (3).
بصراحة أنا شايف جوهر الطب النفسى أقرب إلى الطبيعة الطليقة، قبل وبعد المعامل، وأساسياته مبنية على أصل فى الوجود، يعنى هو جوهره بيلامس المنطقة بتاعة إحياء نشاط واستيعاب تاريخ الأمخاخ الأقدم كلها فى ظروف غريبة غير مألوفة من بينها بعض أزمات المرض النفسى، فمعلشى استحملنى يا إبنى، هى مقدمة دمها ثقيل وواخدة حجم أكبر من تفسير العرض الفلانى أو الشكوى الفلانية، أنا اللى خلانى أنتمى للفكرة دى أكثر وأكثر هو العلاج الجمعى، والأفكار اللى وصلتنى من الممارسة أنا بامارسه لمدة قربت على نصف قرن، وهى الممارسة دى التى وضحت لى جوانب مهمة سمحت لى بوضع فروض عاملة عن “الوعى المشارك” و”الوعى الممتد”، فرجعت للتاريخ بما فى ذلك الحواديت البدائية اللى سمعتها وأنا طفل، لحد فكرة العين الشريرة بكل آثارها ومنها الحسد، الفكرة دى بقت عندى قريبة من حقيقة ماثلة يصعب نفيها لمجرد افتقارها لتفسير جاهز، بصراحة أنا ماكنتش فاهمها كفاية الأول، وإنما فيه نصوص ما أقدرش أفوتها مثلا: “وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ” دى لازم دى نعمل حسابها بالراحة، مش دينيا لأ، احتراما، واللى ماعندهوش رغبة فى استعمال اللغة الدينية يترجمها لعلوم “ما بعد علم النفس” Parapsychology زى ما هو عاوز، بس ما ينكرش اللى بيشوفه بنفسه لمجرد إنه ورد فى آيات قرآنية، خوفا من تداخل خاطىء، ثم عندك ما هو أصرح من كده، خد عندك “وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ”: مرة أخرى أنا مش من اللى بيفسروا العلم بالقرآن الكريم، لكن دى معارف ومشاهدات موازية، وأظن فيه ما يقابلها فى معظم الأديان السماوية والغير سماوية، طيب بالله عليك نشطب على كل ده إزاى؟! وليه؟! اشطب على أى توجه مهزوز أنا ماعنديش أى مانع إذا كان ده مفيد؟ ولكن معنى كده هانشطب على حاجات كتير فى ثقافتنا بنشوفها عينى عينك، مثلا عندنا فى الفلاحين – وأنا منهم- واخدين الحكايات دى جد: تلاقيهم بيقولوا “فلانة الفلانية” دى عينها وحشة، ويقوموا يغطوا الحاجة اللى خايفيين عليها لما تزورهم لحسن تبوظ أو تتدلق، نرجع نربط ده كله بالمرض النفسى، ولو بالتقريب.
مش احنا بنقول إن المرض النفسى عبارة عن طاقة منطلقة عشوائية ملخبطة ينتج عنها نشاز لحن الصحة المتناسق، تعريف المرض – لغةً عموما – هو “فساد الطبيعة بعد صفائها”، يعنى الطبيعة ربنا خلقها صافية ومتناغمة، تيجى لما تفسد يظهر المرض بصفة عامة، فما بالك بالمرض النفسى، أنا مافهمتش ازاى المرض يبقى فساد الطبيعة بعد صفائها إلا من الطب النفسى، هو بالذات فعلا فساد الطبيعة بعد صفائها، يعنى الصحة مزيكا متناغمة، يعنى هارمونى ميه ميه، تقوم تيجى طاقة مختلفة تعمل نغمة نشاز تخش تبوظ الهارمونى ده، فيه فى الأساطير اللى أنا باحترمها زى التاريخ وأكثر من علم اسمه علم التاريخ، فيه كلام مهم يؤكد الحاجت دى، ولازم الناس تحترم تاريخها من كل المصادر، أنا ماعرفش الناس بتعامل الأساطير دلووقتى إزاى؟ أنا فاكر حكاية فى التراث العربى إن كان فيه واحدة معروفة أنها بتحسد، فواحد راح أجّرها، عشان تحسد شخص عدوّ له، وخدها ووقف فى الطريق اللى عادة بيمشى فيه مستنييين ظهوره، وهوّا جاى من بعيد، فهو أول ما ظهر من بعيد قوى قام الراجل اللى مأجر الست الحسادة دى قال لها أهوه، أهوه جىْ، فهى قالت له أنا مش شايفه حاجة، إستنى شوية، فاستنوا لحد ما شافته، فراحت حسداه بما قسِم، وبعدين اتدورت على اللى أجرّها وقالت له، يااه انت كنت شايف لحد هناك إزاى؟!! دا كان بعيد قوى، راح الراجل عِمِى أو جرى له حاجة فى عينيه والسلام، نرجع للحالة بتاعتك بقى واعتبر دى أسطورة زى ما انت عايز، وبلاش أحكيلك حواديت سمعتها من الشغالات فى طفولتى، لكن فيه حكاية واقعية، جرت فى عيادتى وسبق أن أشرت إليها كثير، وهى حكاية طالب جامعى فى كلية الزراعة كان شاب، ولد طيب، وشاطر، وفى سنة ثالثة على ما أذكر، ومجتهد ولا عنده أعراض نفسية شديدة، ولا أى حاجة من الحاجات المعتادة بتاعتنا دى، جالى بيشتكى نفس الشكوى زى اللى انت حكيتها النهاردة: قال لى “أنا باحسد، وبقيت خايف من نفسى، أعمل إيه؟”، فقلت له: “يمكن متهيألك والكلام اللى خطر فى بالك ده يمكن إنت حساس شوية، وبتخاف على الناس، ويمكن إنت واخد بالك من نفسك زيادة عن اللازم”، قالى: “يا دكتور أنا تتبعت الحكاية ولا قيت إنى احسن إنى أتجنب اللى أنا باحبهم لحسن أحسدهم، لأن الحكاية دى بتطلع غصب عنى وما باشوفش إلا أثرها بعدما يشتكوا منها ومنى، فأنا طلبت منه إنه يحكى حادثة معينة، قالى: يا دكتور أنا رحت إمبارح أصلى المغرب فى الجامع علشان أستغفر من شرّى ده اللى بيأذى الناس من غير ما أقصد، فلقيت الإمام بيصلى بينا، فأنا حتى وانا فى وسط الصلاة قرّيت على الأمام “قلت فى نفسى: “ياااه الراجل ده بيصلى كل وقت بوقته، وفى الجامع، وبيقبض ماهية كمان قصاد كده غير ثواب الصلاة”، وبعدين انتبهت لنفسى وقلت يا خبر، يا خبر!! واستغفرت وأنا فى الصلاة واستمريت بعد الصلاة أستغفر وانا خجلان من نفسى بعد ماروّحت بيتنا، قعدت كده تقريبا لحد قرب آذان العشاء، فقلت أروح أصلى العشاء بخشوع ومن غير سرحان يمكن ربنا يغفر لى، فرحت، وأنا باستغفر، مالاقيتش الإمام سألت عنه قالوا لى بإنه وهو مروّح بعد صلاة المغرب إتكعبل رجله اتكسرت” بذمتك يا إبنى أصدق الطالب ده ولا ماصدقهوش، قام راح ناطط عندى فرض من فروض التطور اللى شغلانى، وقلت لنفسى: يا واد ما يمكن الطاقة الشريرة اللى استقلت دى انطلقت من المخ القديم وعملت النشاز ده، ورحت مديله دوا محترم (نيوروليبتك) من اللى بيهمد المخ القديم ده بالذات، بصيت لقيته جئ فى الاستشارة شديد السعادة والإنبهار، إيه يا ابنى اللى جرى؟ قاللى “أنا بطلت أحسد نهائى”، بصراحة أنا استغربت وفرحت وصدقت إن الكيماء اشتغلت على المخ القديم الناشز بالذات لدرجة أنها همدته فعلا، صحيح هى حادثة واحدة، لكن لا يمكن أكدّب نفسى أو أكدب العيان، لمجرد إنى مش لاقى تفسير، شوف يا إبنى الحالة دى، واللى قريـّب منها خلونى افترض إن العين الشريرة فعلا هى نتيجة إطلاق طاقة غير متسقة مع الهارمونى فى البنى آدم أو فى الطبيعة لأى سبب من الأسباب النشاز اللى بتعمل المرض عموما، وإنت أول ما قدمت الحالة دى النهاردة لقيتها قريبة قوى من حالة طالب الزراعة ده.
أنا ما اعرفش الأطباء النفسيين بينكروا اللى بيشوفوه رأى العين إزاى، هذه الحقائق الماثلة بالملاحظة بيزيحوها ليه بدل ما يفكروا فى اللى جارى ويصدقوا عيانينهم
أ.أيمن : بينكروها ؟
د.يحيى : أيوه بينكروها أو بيفسروها تفسير بتاع “متهيأله” و”الإيحاء” و”كلام من ده”، ليه ماينفعش إن كل واحد يحاول إنه يصبر شوية و يصدق، يمكن هذه الفكرة البسيطة تفتح له أبواب لفهم أعمق لتركيبات المخ المتداخلة، وأنا اللى باكتبه اليومين دول هو فى اتجاه الهارمونى بين مستويات الوعى، والجدل المحتمل والتناوب بالدور فى قيادة الأوركسترا المخية لكل الأمخاخ المشاركة، مع النبض الحيوى، الواد ده بتاع الزراعة شفته كام مرة بعد كده، لا انتكس ولا حاجة واستمر على الأدوية مدة بسيطة، والحمد لله .
أنا مش عايزك تقتنع بالتفسير ده، لكن على الأقل يصل لك مدى أهمية احترام اللى بتشوفه بهذا الوضوح، وتاخد بالك من احترام دور الأدوية وإزاى بتشغل على المخ النشاز انتقائيا، وإنها ممكن تكون مفيدة أكثر وأدق مما نتصور، وتتعلم برضه حاجة إسمها “تأجيل الحكم” احنا بطلنا نمارس حكاية، تأجيل الحكم دى مش عارف ليه، تأجيل الحكم يعنى مفروض يكون جزء لا يتجزأ من الممارسة الطب النفسية بالذات والعلاج النفسى خاصة، يعنى كل ما تجيلك شوية معلومات مش ضرورى تلاقى لها حكم جاهز، وتفسير يختزلها وخلاص، يا أخى ما تحطها بين قوسين وتركنها وتأجل الحكم عليها وتسيب مسافة سماح بينك وبين الحكم الجاهز يمكن المعلومات الجديدة تحرك فيك شغف بمعرفة جديدة يعنى مش ضرورى نفسرها أو نبررها بالجاهز من اللى احنا عارفينه، على فكرة أنا احترامى لتعدد مستويات الوعى، وتناغمها معاً وامتداد هارمونية عزفها إلى المطلق خلانى أحط فرض برضه يفسر إزاى لما نستعين بإدماج الوعى الناشز مع وعى أكبر فأكبر حتى الوعى المطلق يبقى زى ما نكون بنكتـّر عدد العازفين عشان النشاز يضيع وسط زيادة المتناغمين فى اللحن الأصلى، وده خلانى أفهم الآية الكريمة “وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ”، وأن اللجوء إلى التناغم اللانهائى لابد أن يبطل النشاز بتصغيره النسبى، معلش يا إبنى، ماتدقش لحسن يفتكروا إننا بافسر القرآن بالعلم أو بالعكس.
على فكرة أنا لى تاريخ شخصى فى الحياة العادية بالنسبة لمسألة الحسد دى، وأنا طفل أنا فاكر إنى شوفت أمى وهى منزعجة من زيارة عماتى التلاتة وبالذات من واحدة منهم، كانت أمى خلفت أربع أولاد ذكور، ورا بعض وكنت أنا رابعهم، بالصدفة، عماتى كل واحدة كانت بتخلف بنت كل ما أمى تخلف ولد، صحيح بالصدفة، لكن أهو دا اللى حصل، كانت عمتى اللى بيقولوا عنيها أقوى فى الشر لما تزورنا أمى كانت تفرقنا عن بعضنا وقتها عشان ماتشوفناش احنا الأربعة بتلعب مع بعض يبقى يوم مش فايت، يا نتخانق بعد ما تمشى، يا واحد فينا يتعور، وكلام من ده .
قبول كلام المريض حتى لو ماعنديش له تفسير مهم جدا، اللى جارى واحنا مستعجلين إن كل كلمتين نحطهم جنب بعض ونسميهم يا باسم عرض يا باسم مرض، ده يختزل العلم ويقزمه، ودا يمكن يخفى الحقائق الماثلة، لما تقعد مع أى حالة وانت متفتح ومستقبل وكل اللى يوصلك تربطه بفايدة المريض وبعملية العلاج النفسى، تلاقى هذا السماح وهذه المسام بتهوّى على خبرتك، وتصحح مشاعرك تقوم تسهم فى الحركة، بس خلى بالك لو الشكوى جاية من حدّ غير العيان نفسه لازم تبقى حذر فى قبولها، وبأحب أفكرك أن العين الشريرة أو الطاقة الشريرة دى لا هيا بتطلع من الحاسد إراديا، ولا هى طاقة بالمعنى اللى احنا نعرف بيه كلمة طاقة، لكن كمان هى جاهزة عند كل الناس، بس مش نشاز إلا إذا اتفصلت وانقضـّـت، ما هى هى خلقة ربنا برضه، ما هو ربنا خلقنا كده “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا” واحنا وشطارتنا نأخذ الشر مع الخير، وهات يا جدل وهات يا تشكيل وخد عندك النمو ينطلق، والنبض والحركة والتشكيل يستمروا، وده اللى احنا بنقول فيه ليل مع نهار.
واحنا فى “الجروب” مرات بنطلع الطاقة دى فى المينى دراما من كل أفراد المجموعة بما فى ذلك المعالجين، وتبقى مفيدة إن احنا نتعرف على طبيعتنا من غير تزويق ولا اختزال، ونتحمل مسئوليتها.
ياللا حد يحب يجرب يلعب دلوقتى ونشوف كده إزاى حايمثل جانب من الطاقة دى: ناخد الحقد مثلا، أهو ابن عم الحسد، ياللا با يا أبو حميد طيب ياللا يا رباب ، ياللا يا رضوى
د.رضوى: هو أنا عايزة أحقد على حضرتك
د.يحيى : ما تحقدى هو فيه حد جاهز يتحقد عليه أكتر منى دلوقتى، يالاّ اتوكلى واحقدى
د.رضوى: أبدأ بإيه
د.يحيى : يا خبر إسود واحدة واحدة علىّ اعملى معروف
د.رضوى: أنا لو حاحقد مثلا؟
د.يحيى : لأة احنا فى المينى دراما، بنلعب ونمثل باختصار جدا، بنقول جملة من تلات أربعة كلمات، ونكمل اللى ييجى على بالنا مثلا: يا خرابى يا د. يحيى… وتكملى…
د.رضوى: ياخرابى يا دكتور يحيى دا أنا لو عندى 5 % من إستمراريتك فى الشغل كنت مش عارفة أعمل إيه
د.يحيى : يا شيخة كمـّـلى كملـّـى: وانتى بتمثلى مثلا: يااااه إية ده كل اللى بتحوّط عليه طول النهار والليل ده، ومش عاوز “تبطل”، تقوليها وعنيكى بتطق شرار وجواكى نار قايدة باينة على وشك
……
د.يحيى : كفاية كده عشان نشوف عيان المرور.
[1] – يخمـّـسوا: يرفعون يدهم مفرودة الأصابع الخمس أمام وجهها اتقاء للحسد.
[2] – مؤتمر الجمعية المصرية للطب النفسى “الطب النفسى من الفارماكولجية الجينية إلى الوصلات المخية” (10 – 12) أبريل 2019
[3] – مؤتمر قسم الطب النفسى بعنوان: “الطب النفسى الترجمى “Translational Psychiatry – أكتوبر 2014 – كلية طب الإسكندرية.
نشرة الإنسان والتطور، 31-1-2016 www.rakahwy.net