نشرت فى الدستور
26 – 4 – 2006
من الحرم الإبراهيمى
إلى كنيسة الإسكندرية مرورا بالأقصى
أعرف أن التباهى بسبق طرح تفسير للأحداث تثبته الأيام هو سخف لا يطاق، لكن ماذا أفعل والكلمات والأفكار التى حضرتنى تكاد تكون هى هى؟ فى صحيفة الوفد بتاريخ 29 فبراير 1994(!!!) تحت عنوان “مذبحة الحرم الإبراهيمى والنظام العالمى الجديد“، كتبت ما يلى:
.. كل هذه النذالة والناس سجود؟؟!…. هذا الطبيب الإسرائيلى النذل ليس مجنونا، لأن كل من أنشأ هذا البلد المسمى إسرائيل (الرمز المصغر للنظام العالمى الجديد/ القديم ) تصرف نفس التصرف تحت سمع وبصر العالم، أمريكا تصرفت نفس التصرف فى العراق…، وروسيا (وليس فقط الصرب) تصرفت نفس التصرف فى البوسنة، فلو حكمنا على هذا السفاح (جولدشتاين) بالجنون إذن…لكنا نحكم على النظام العالمى الجديد كله بذلك. (ثم أضفت):
”.. بالرغم من أن الجنون حدث فردى إلا أن المجنون إنما يعبر عادة عن وعى جماعى يسود مرحلة بذاتها. … فالمجنون والمجرم لا يتحركان إلا فى مساحة مسموح بها من الوعى الجمعى، صحيح أن المجنون يتخطى المألوف، والمجرم يكسر القانون، ….، لكن ذلك أيضا يتم فى سماح سرى أو علنى من الوعى العام، إذن هذه الجريمة (فى الحرم الإبراهيمى) هى تفعيل acting out لنظام عالمى يسود ويتمادى” (انتهى الكلام القديم)
حين هاتفتنى (الأحد 15 الجارى) مذيعة إذاعة حرة سألتنى عن هذه الذريعة التى تحتج بها الحكومة دائما كلما وقعت مثل هذه الأحداث، امتنعت ابتداء عن الحكم على متهم الإسكندرية، ونبهتها إلى الفرق بينه وبين متهم بنى مزار، الحكم على أيهما بالجنون، لا يتم علميا (طبنفسى شرعى) إلا بعد فحص دقيق تفصيلى، وملاحظة لصيقة طويلة جدا، وحتى إذا ثبت الجنون، فالمسئولية شىء آخر، واللامسؤولية ليست مرادفة للجنون. رحت أدافع عن مرضاى أن يوضعوا هكذا فى هذا الموضع التبريرى باعتبار أن المجنون غير مسؤول عما يفعله على طول الخط، بل وصل الأمر بإهانتهم أن ينشر بكل بجاحة أنه “تم القبض على كذا مجنون فى الشوارع”، وكأننا انتكسنا حتى عاد الجنون رجسا من عمل الشيطان!! أنا أنتمى إلى مدرسة تجعل اختيار الجنون مسؤولية فردية حين يقرر “داخل” المجنون أن يحتج – مهزوما- على ما وصلنا إليه من عمى وتعصب عبر العالم. إن المجنون، مثله مثل المبدع، إنما يعرى ما هو نحن، وينذرنا بما ينتظرنا. الفرق أن المجنون يعملها على حساب عقله، والمبدع يعملها لحسابنا وحساب إبداعه، وعلينا أن نتعلم من الاثنين معا. قلت لها إن النكسة الدينية، التى عمت العالم مؤخرا بدأت بزرع إسرائيل بناء عن سوء تأويل نص مقدس لتبرير عمل إجرامى دنس، ثم أصبح مثل هذا التأويل هو القاعدة حين قسّم دبليو بوش العالم إلى محور للشر وآخر للخير هو رئيسه، وهات يا احتلال، وهات يا قتل، وهات يا ظلم، وهات يا تبرير بالفيتو والضربات الاستباقية …إلخ، إن ما يفعله بوش عبر العالم كل يوم أصبح – ولو لا شعوريا- المثل الأعلى لكل شاب فى العالم لإنهاء خلافاته مع من يختلف معه. قاتلا المصلين فى الحرم الإبراهيمى وكنيسة الإسكندرية، سواء كانا عاقلين أو مجنونين لم يفعلا إلا عشر عشر معشار ما يفعله بوش فى العراق. إن متعصبى خطباء الجمعة ووعاظ الأحد لا يرددون إلا ما يقوله دبليو بوش فى البيت الأبيض (من البديهى أن أتوقع ألا يؤخذ أى من هذا تبريرا لأى من هذه الجرائم القذرة العمياء فى أى مكان حتى لو كان ضحيتها جرح إصبع صبى عابر).
كان تشكيلا غير مألوف قد تنشط فى وعيى فجأة إثر استشهاد وفاء إدريس، حين تجمعت أشلاؤها أمامى فى جمال غير مسبوق (الأهرام 8/4/2002)- ثم عاد نفس التشكيل يجمع أشلاء الشيخ أحمد ياسين وهى تتناثر بناء عن قرار رسمى معلن من حكومة عضو فى الأمم المتحدة دون اتهام الأمم المتحدة بالجنون (الأهرام 5 /4/ 2004) ليرسم جمال صورته الطاهرة صاعدة إلى بارئها بعد صلاة الفجر، ثم إذا بى أفاجأ بنفس التشكيل يعود ليجمع أشلاء المرحوم نصحى جرجس وهى تتهادى إلى الملكوت، وأنا أدعو أدعو الله لى وله أن يتغمدنا برحمته، إنه سبحانه هو الغفور الرحيم، لا وصاية على فضله، ولا شك فى عدله.
هل من معترض على هذه الدعوة؟
أظنها البديل الحقيقى للأحضان والشعارات ومظاهر النفاق التى لا تتوقف،
فلا تتوقف الجرائم.