نشرت فى جريدة الأخبار
22/5/1980
من مكاسب السلام:
الملف الثانى دروس.. ودروس
كنت قد أنهيت المقال السابق على هذه الصفحة يوم 6 مايو الحالى باعلان أن الملف الأول الخاص باحياء التعصب الدينى – دون الدين أو الإيمان – باعتباره الجريمة الكبرى الناتجه عن انشاء اسرائيل – هو ملف مدين منذر وقلت أنه لاخيار لإسرائيل بعد السلام: فأما القانون العام والعودة الى كل الناس، وأما التميز واحتكار اموال الارض وجنات السماء. وليقل التاريخ كلمنه فتموت اسرائيل (دون الحاجة الى القائها فى البحر) أو.. ينقرض الأنسان.
ورغم محاولج الإسرائيليين – أو بعضهم على الأقل – أن يستوعبوا المتغيرات السريعة اللاهثة التى فرضها عليهم السلام، فأنى أرى شوطهم مازال بعيدا، وفكرهم محدودا، بحيث يمكن القول أن تحديات السلام لم تكن فى حسابهم يوما، لذلك فإن الحديث الواضح – ولو تكرر – هو مفيد لهم ولنا ولكل الناس.
تتميز أو تموت… تكتنز أتجوع:
ذلك أنهم عاشوا أقلية، وكان أولى بهم أن يستمروا فى الاستمتاع بأوهام الأقلية ودوافعها وغرورها الى نهاية العالم، وما كانت اسهاماتهم المميزة فى العلم والفن الانتيجة لهذا الوضع الخاص الذى استمر قروناطويلة، فلما كان حلم اسرائيل ثم زعم اسرائيل ثم اسرائيل الحرب اوكل ذلك مستمد من فكرة الإضطهاد- التميز. انتهت المتابعة فحأة دون توقع الى اسرائيل السلام، هنا تختل حساباتهم لدرجة التهدند فاعادة النظر فى مقومات وجودهم أصلا، اذ لم يعد الوالد أو الزعيم الاسرائيلى – مثلا – يستطيع أن يحافظ على قوة الدفع النابعة من: تميز.. أو تموت، اكتنز.. أو الجوع، وهو يعظ ابنه أو يحمسه فقد فرض السلام عليم دروسا دخلت الى عقولهم دون اختيار، ولكن دروسا أخرى مازالت مستغلقة على أفهامهم بشكل يحتاج الى إعادة تأكسد،، وفرط تثبيت (بل لعلهم لم يفتحوا مغلق صفحاتها بعد، لذا لزم التنويه..
الدروس المقحمة وصدمة السلام:
أما الدروس التى اقحمت عليهم اقحاما فهى واضحة وعديدة ومنها:
(1) ارجاع اسرائيل الى حجمها المحدود لا أكبر ولا أصغر.
(2) التمييز بين ماهو اسرائيلى وماهو يهودى، وأن كان هذا التمييز لم تظهر آثاره بالقدر الكافى بعد، الا أنه يتمادى الخسائر نتيجة للهمودالناشئ من فقد الدافع الى التميز، سوف يدرك النهود قبل غيرهم كم جنت عليهم هذه الغلطة (انشاء اسرائيل)، ولو أفاقتهم تلك الصدمة (فرض السلام) حتى حققت دون خيار لهم ماكانوا يتمنون أن يواصلوا الإدعاء بطلبه والعمل على رفضه. فى أن
(3) اعفاء أكثر دول العالم من الشعور بالذنب الذى اوهموهم به سنين عددا، وكأنى بهذه الدول تقول فى ضجر هاأنتم لكم الوطن، تتحدثون مع جيرانكم، فأريحونا ودعونا كل يبحث عن مائه يسخن (بالبترول فى الأغلب) ولعل فى هذا مايفسر الاجماع الدولى الجديد على رفض اسرائيل.
ولكن يبدو أن الاسرائيليين ينفخون فى هذا الإتجاه ظنا منهم أن فى هذا الإضطهاد الجديد كما يصورونه- أو يتصورونه – مايدفع أحياء الحافز الأساسى لوجودهم، أعنى: الإضطهاد- التميز، ويبدو أنهم قد نسوا أن هناك فرقا بين دولة تستننفر الاضطهاد بالعدوان والعزلة والتخلف، وبين فرد يعانى من الإضطهاد فيبدى الاستكانة ويواصل المثابرة حتى يتفوق ليستمر.
(4) الكشف عن وجه اسرائيل اللاحضارى، حنى أمام الإسرائيلى ذات نفسه، إذ لاحضارة لعدد محدود دون سائر الناس، ولا حضارة لأرض بذاتها دون أرض الله جميعا، وخاصة بعد ثورة التوصيل والمواصلات، ولابد أن الشباب الإسرائيلى (والطفل الاسرائيلى من قبل) لابد أنه سائل نفسه: هل من المعقول أن رب كل هذا العالم قد احتجز لنا (بضعة عشر ملايين على أسخى الفروض- الجنة دون سائر خلقه ؟؟ وهل من المنطق السليم أن امنع الناس أن يدخلوا دينى، ثم القى بهم – قرارا مسبقا الى نار جهنم وبئس المصير ؟؟، وأخيرا كيف استطيع (مازال الاسرائيلى يناجى) أن اراسل معتقدات الاضطهاد والإيهام بالضعف والنبذ وقومى يمارسون الإعتداء القاتل على المسلح والأعزل، والمرأة والطفل على حد سواء؟؟ الى آخر هذه التساؤلات التى فرضها السلام دون استئذان.
ودروس تنتظر المذاكرة والإستيعاب:
على أن ذلك لس نهاية المقرر الجديد، فما زالت هناك فصول بأكملها فى مجلد السلام لم تقلب صفحاتها أصلا، وعليهم -وعلينا – أن نحسن فهمها بما يليق بخطورتها إذ يبدو أن الإمتحان فيها اجبارى بلا خيار، ومن ذلك
أولا: ان فكرة العودة الى الأرض (الأم) هى فكرة ترمز الى العودة الى الرحم (من منظوا تحليلى) وهى الفكرة التى قد تفسد الانتحر بشكل ما، ولعل اسرائيل دون أن تدرى تثبت صدق هذه النظريه على مستوى الدولة، ولعل فى هذا ماينذر الى خطورة استمرلر حماسها لمزيز من تعميق القبر الذى تحفره لنفسها (وهذا الفصل من المجلدمن أخطر الفصول لأنه من أخفاها).
ثانيا: أن حكاية منح الحضارة من فوق هى خدمة هائله فالحضارة ليست قيادة الاقل تميزا نحو مستوى أفضل من التغذية والمسكن، وأن كان المبرر فى نظرهم لمثل هذه الأوهام هو انجازات يهودية فردية لايمكن انكارها تاريخا، فان ذلك قد تم منموقع فردى محفور بإضطهاد حقيقى، وهو يستحيل أن يتم قياسا من موقع وطن مسلح.
ثالثا: ان مبدأ البقاء للأقوى قد أصبح تاريخا سخيفا، واستمرار التمسك به هو مضيعة للوقت أو تعجيل بالإنقراض، فهو ان كان قد نجح فى تطوا الحيوان فى بعض فترات التاريخ فإن ثورات البشرية اللاحقة، وخاصة الثورات الدينية الملهمه التابعة من التناسق والتواصل بين الأكوان فى مستوياتها المخنلفة قد كرمت الإنسان بوعيه، حتى أصبح خليفه لربه فى تعمير أرضه، وبحمله هذه الامانة أصبح هو سيد هذه الأرض: هو انسان مكرم متجه الى رب عادل، رب كل الناس، فإذا صح0 وهو صحيح – ان البعاء قد صار للأنفع دون الأقوى.
وبعـد:
فإذا كانت تلك هى الدروس التى استوعبوها، وهذه هى الدروس التى وقفت كاللقمة فى حلق عقولهم فشلت تفكيرهم، فالاولى بنا أن نكون اشطر منهم، وأن نسارع بفهم التحدى الحقيقى الذى القاه السلام فى وجوهنا، وخاصة ونحن صانعوه اذ هو تحد أعمق من التصور المتعجل المستسهل، اذ يتخطى – دون ان ينسى – مواجهة الجيوش، وتقيم القدس، وتوزيع المياه، والنزاع على الأرض الى ماهو أخطر وأشق، فهو يمتد الى طبيعة ما تمثله اسرائيل من حضارة جاءت تجرب حظها على ارضنا بعد ان فشلت فى موطنها الأصلى، ولن ننتصر بحق أو نستثمر السلام كما ينبغى ما لم نواجهها بحضارة فتية قادرة مختلفة بالضرورة، وهذه هي ”اشرف المعارك واصعبها”.
فهل نحن قادمون عليها؟؟ وهل فرضنا السلام لأننا أهل لها؟؟ حضارة أمام حضارة؟؟ ولكن ما هذه وما تلك!
وهذا هو الملف الثالث.