نشرت فى جريدة الأخبار
23/2/1992
من مفكرتى الرمضانية بأى حال عدت يا رمضان؟
يأتى رمضان هذا العام ليس ككل الأعوام .. واقلب صفحات ذاكرتى – منل كل سنة فلا تسعفنى .. وأتساءل لماذا يا ترى؟ فأجد مسام الذاكرة قد أغلقتها رياح الحاضر العاصفة بما تحمل من قار مسموم!
نعم فرمضان هذا العام يأتى والإسلام يترنح تحت قصف ابنائه بالإهمال والتشويه والفهم الخطأ.
يأتى والإسلام يتأوه من طعن أعدائه بالإختزال والتخويف والتشنيع وسوء التأويل ..
يأتى والإسلام يخفت ويتوارى بالغباء والكسل
يأتى والإسلام يضيف ويتململ بخنقه فى قميص اكتاف السياسة والوصاية بالتفسير الجامد ..
لكنه – رمضان – يصر أن يأتى كل عام .
وقد تصورت أنه لن يأتى هذا العام، أو قل أملت الا يأتى، أو الأصح اننى خجلت منه أن يأتى ليضبطنا متلبسين بكل ذلك تصورت لو اننى مكانه لاحتججت ولم احضر هذا العام .
أحضر ليصومنى من؟
يصومنى مسلم ترك اخواته المسلمات يغتصبن فى البوسنة .
يصومنى مسلم ترك اخوانه فى فلسطين ولبيان يتجمدون فى العراء؟
يصومنى مسلم اودع امواله عند اعدائه يصنعون بها سلاحا يقتلونه ببعضه والبعض الآخر يشتريه ولا يستعمله؟
يصومنى مسلم ترك ابناؤه الجياع فى الصومال .. اطفالهم يتساقطون كاعجاز نخل خاوية تذروها رياح الصراع على سلطة بلا دولة، ووطن بلا مأوى ؟
لو كنت أنا شخصيا رمضان لما اتيت هذا العام داعيا ربى الا يشوهنى بأن يصومنى من ليس أهلا لهذا الدين المتين .
لكن الله اكبر، وأحسن كل شئ صنعا .
والمسألة ليست امانى مكلوم كاد يقنط من رحمة الله، بل هى ارادة الله وارادة الحياة .
فرمضان هو رمضان حتى ولو لم نكن اهلا لصيامه .
والإسلام هو الإسلام حتى لو ناله من ابنائه (لو من تصور انه كذلك) ومن اعدائه ماناله .
وأقرأ القرآن مع اولادى قبيل المغرب، فلا أجد ما كنت زجده مع ابى واتذكر والآيات تقتحمنى الاية بعد الأخرى : تتعتعنى فاعتذر لها .
تلاحقنى فأعاهدها .
تثقل وعيى فأخجل منها.
تحرك أملى فاستلهمها .
اتذكر ما آلت اليه ايات هذا البحر الملهم: صورة على الحائط للزينة، وأحجبة وتعاويذ ورقي، دون الفعل ولاخلق والمعاملة والإبداع !!
فأزداد استغفارا دون يأس ..
لكن طعم الصيام – هذا العام – مختلف .
طصعم الطعام مختلف .
الا ان طعم القرأن غير مختلف .
فأعاهد الله ان أفى بما وصلنى منه حتى لو لم يبق على عهده سواى .
ألن نأتيه يوم القيامة فردا
فاسمعه وهو يهدئ من روعى وكأنه يصدقنى .
فأواصل الصيام بوعى طفل يرفض كل ما كاد يقنطه من رحمة لا تنفذ .
ولسوف نتقشع الغمة عاجلا بفضله وما نعمل ونبدع .