الاهرام : 24 / 6 / 1985
من مفكرة د. يوسف ادريس
تعليق سريع
هذا هو الرد الذى تفضل الاستاذ الكبير خالد محمد خالد بارساله كجواب على التساولات التى اثرت طرحها عليه هو بالذات، ليس لانه من بنى تميم كما تفضل وقال، ولا خوفا من هذيل، اى هذيل، فوالله الذى نفسى بيده انا لا اخاف فى الحق لومة لائم، وكل كلمة اكتبها، اكتبها استشهادا وليس ابدا بديلا عن استشهاد فرسالة الكاتب ليس ان يكتب وانما ان (يصدق) فيما يكتب حتى لو كلفه صدقه مع نفسه حياته ذاتها فماذا تكون قيمة حياته اذا عاشها او كتبها كذبا على نفسه وعلى الناس
القضية اوفيتها حقا فى ردك عليها وهذه الطريقة فى (الحكم الاسلامى) هى الطريقة الجديرة حقا باسلام له اربعة عشر قرنا يعلم الناس علم التفكير وقيمة العقل والأخذ بأسباب التحضر ولو كان الحكم الاسلامى سيطبق بالطريقة التى اوجزتها لكان شيئا اعظم بكثير من كل المذاهب الدنيوية المعاصرة، لكان الجنة على الارض لكان (اليوتوبيا) أو المدينة الفاضلة التى يحلم بها البشر منذ افلاطون الى الان ولكن ابدا لن يطبق كما ذكرت تطبيقا يراد به رقينا خلقيا وايمانيا وعلميا وفكريا وفنيا، واقتصاديا، ان السائد الان والذى ذكرت انه اصبح مطلبا (شعبيا) هو تطبيق لاسلام الميكروفونات ايها الصديق العزيز اسلام الارهاب الفكرى واتهام أى ممن يجرؤ على معارضته بالكفر والالحاد نوع غريب لم نعرفه عن الاسلام ابدا فهو لايدعو المتقد الى حكمة ولا الى موعظة حسنة وانما لايدعو إلى إطلاق الرصاص على الارنقضاض على الامة بقوة السلاح والفتك بالمواطنين الآمنين والعساكر الغلابة وعلى هذا البحر من الدم يصعد (الدعاة) ليتسلموا زمام حكم يذبح اول ما يذبح المسلمين انفسهم بدعوى تقصيرهم فى عباداتهم او ايمانهم او شق عصا الطاعة على يد هذا الراعى الداعى او ذاك الاسلامى او ان حكمها هو فعلا حكم اسلامى وكانت النتيجة ان زادت النار اشتعالا، اذ كانا كانما يطفيان النار بمزيد من البنزين (لاخماد) الدعوة فلا يفعل كل هذا الا أن يزيدها اشتعالا.
انى قادم من الاسكندرية حيث ذهبت فى اجازة ليومين لم انم فى الليلتين لحظة لان الميكروفونات الزاعقة من العشاء الى الصباح خمسة ميكروفونات فى بقعة لاتتجاوز مساحتها قرية، تزعق فى وقت واحد وتتداخل اصواتها وتتنافر وتؤدى وتؤذى الارق والمريض ومن هو فى حاجة الى النور ليبدا عملا فى الغد ينفع به المسلمين فى اى مصدر اسلامى ذكرت حكاية ازعاج الكادحين العاملين طول الليل بالميكروفونات تلك؟
لا يا سيدى نحن فى حاجة الى حوار مع هذا التيار الذى لا أشك لحظة واحدة فى سلامة مقصد قواعده الشبابية الغضة ولا فى ايمان بعض قياداته بأن هذا هو الحل كل الحل لمشاكل مصر والمسلمين .. ولكنى اعود بك مرة اخرى الى الحاضر لترى كيف يذبح المسلمون المسلمين وكل منهم لايحمل المصحف الشريف على سيفه فقط ولكن باسم الاسلام يطعن قلب زميله المسلم ايمانا منه بانه هو الذى على حق وان الاخر كافر ومارق نفس الشئ يحدث هنا كل ما فى الأمر انه لا يزال فى مستوى الاتهامات ولكن الطعن بالسيف قادم، الست ترى معى الفارق الهائل بين ما كان حادثا فى الستينات وبيننا الان حين كنا عربا ومسلمين فى صف والاستعمار هو العدة فى الجانب الاخر وحين ادرك الاستعمار اننا بهذا سنصير قوة عظمى قام بدهائه الشديد بتحويل المواجهة الاسلام ضد الاستعمار الى الاسلام ضد الاسلام والعرب ضد العرب فكسب معركته دون اراقة قطرة دم انما هى البحور من دماء المسلمين بايدى المسلمين وباسم الاسلام هى التى ايقت ..
ملحوظة اخيرة اضيفها تقول: لابد ان يعرض نظام الحكم الاسلامى فى اتسفتاء عام ليصير وثيقة ترفض المروق منها والخروج عليها فى يوم من الايام ..
ثم تضيف: ولن نحتاج ياصديقى إلى حكومة دينية تحكمنا بالشريعة بل سنظل دائما فى ظل نظام ‘حكم قومي’ خالص ومتكامل.
كيف يتاتى هذا يا استاذنا الكبير وماذا نفعل بملايين اخواننا الاقباط المصريين اذا هم اصروا هم الاخرون على تطبيق الشريعة المسيحية هل نقسم مصر حينذاك ام نتحول الى لبنان اخري؟
يا ايها الرجل الملهم المسلم : ان الحفرة التى يحفرونها لمصر واضحة لكل ذى عينين واسرائيل لن تأمن على بقائها وبجوارها شعب مصرى وصل الى الخمسين مليون مصري، متحد، متكاتف ولا سبيل الى (فك) مصر وايقاع الفتنة باهلها الا بأن تزار وتجار هذه النعرة التى تستنكرها وتريد خوفا من غلوها وتزودها ان تسلم لها مفتاح الفتنة.
الا ترى معى ايها الصديق الاستاذ ان المسألة ابعد بكثير من مجرد تطبيق الشريعة او عدم تطبيقها ان هذه رلا الخطوة الأولى فى المؤامرة الكبرى على مصر ام العرب وموحدتهم وحامية حمى الاسلام وقبلته الفكرية حتى قبل ان تخترع الميكروفونات.
اين عقلك وحكمتك وكتابك وعلماؤك ومفكروك يا مصر اين انتم يا ملايين المتعلمين والمتنورين وهذى بلادكم تعد لها جهنم حقيقية اما اعينكم وانتم تنظرون فى (توله) وكان الأمر لايعنيكم وكان جهنم تعد لقوم اخرين؟
د. يوسف ادريس