الخميس: 24-11-2016
السنة العاشرة
العدد: 3373
منتدى النقد:
فى رحاب نجيب محفوظ
ضيف اليوم: حسنى حسن
رواية: “اسم آخر للظل”(1) (1)
مقدمة:
وعدت فى الأسبوع الماضى أن أنشر الملاحظات الإضافية التى سجلتها لندوة جمعيتنا(2) 1997 عن “السراب”، وحين هممت أن أفعل، وجدتها ملاحظات متناثرة متباعدة وخشيت أن تشوّه النص كما قد يتشتت منى النقد، ونقد النقد، ثم إنى وجدت أننى قدمت إشارات أثناء الندوة لمقارنة السراب مع رواية كانت قد صدرت حديثا (قبل الندوة بعام واحد 1996) وهى “اسم آخر للظل” للكاتب حسنى حسن.
فضلت أن أقرأ على شيخى نقدى لهذه الرواية الأخيرة التى لا أعرف إن كان قد قرأها أم لا، وإن كنت أعرف أنه من أعظم المتابعين لأغلب ما كان يصدر خاصة من إبداعات الجيل الأصغر، قررت أن أنشر النقد الذى قدمته عن رواية حسنى حسن فى الندوة المذكورة بعد أن نقحته كتابة، وأن أتجنب النقد المقارن الآن وهو بعض ما أشرت إليه فى الندوة، ربما نظرا لبُعد الزمن بين العملين (خمسون عاما 1948 “السراب” – 1996 “اسم آخر للظل”) حيث وجدتنى قد كتبت ملاحظات أزعجتنى الآن على لغة رواية السراب، مثلا: أنها فى كثير من أجزائها لغة منفلوطية الإيقاع مثل: “يا أبتاه” & “احقا هذا يا عماه”، أو “رباه لقد سئمت …الخ” مع أننى رصدت فيها أيضا مقاطع رائعة من لغة شعرية مثل: “وما البيت ببناء وعمارة وهندسة، ولكنه برج ثابت فى الزمان يأوى إليه حمام الذكريات” أو “….. كأنما لأخيف الذكريات التى تنهال علىّ”&… وأكدت على روعة تجسد الذكريات بالحمام الذى يأوى إلى برج الوعى ….الخ.
كما وجدت أننى التقطت الفكرة المحورية فى الروايتين وهى ظاهرة “الشيزيدية” Schizoid phenomenon وهى ظاهرة يستحسن تعريبها لأن ترجمتها إلى “شبه الفصامية” خطأ محض، كما أنها لا ترادف بالضرورة الشخصية الانطوائية (خاصة كما وصفها يونج) وبرغم حذرى وتحذيرى مما يسمى التفسير النفسى للأدب فقد اكتشفت فى نقدى لهما جرعة ليست قليلة مما يمكن أن يندرج تحت “التفسير النفسى للأدب”!! من منطلق آخر.
ثم إنى الآن رحت أقرأ ما سجلتهُ مطولا عند تقديمى لندوة لاحقة ناقشت فيها رواية “اسم آخر للظل” ووجدت أن من الأفضل أن أقرأ هذا الجهد كله مستقلا –قبل المقارنة- على شيخى الآن حتى أعرف رأيه ابتداءً، فهو لم يرحل عنى كما تعلمون.
وهأنذا أبدأ اليوم بالحلقة الأولى
تمهيد
رجاءان: أرجو لمن يتابعنا ومن يهمه الأمر- إن وجد-:
أولاً: أن يتفضل بقراءة الرواية أولا وهى 161 صفحة من الحجم الصغير
ثانياً: أن يقرأ كل أسبوع ما سبق نشره لعله يواكبنا
هذا علما بأنى سأعمل ألا أضيف أية إضافة على نص النقد الأصلى ما أمكن ذلك إلأ فى هوامش منفصلة.
”إسم آخر للظل” حسنى حسن (دار شرقيات 1996)
أولا: مقدمة ”الخلفية والتهيؤ”
فى شهر واحد (أو أقل) كنت أقرأ فى وقت واحد كلا من (1) المـبتسرون (أروى صالح) (2) السراب (نجيب محفوظ) (3) طقوس الإشارات والتحولات (سعد الله ونوس- بعد حضور المسرحية) ثم (4) إسم آخر للظل، و يقين الكتابة لـ “حسنى حسن”، ووجدت خطأ مهما يربط بين هذه الأعمال بشكل ما، لكننى اكتفيت بأن أبدأ برواية حسنى حسن الآن.
……..
ابتداءً وجدت نفسى محاطا بعدة أسئلة واَكبَتْ قراءتى لهذا العمل المتميز (إسم آخر)، أحسب أنها جديرة أن تشغلنا جميعا هذه الأيام بوجه خاص، وهاكم تلك التساؤلات المبدئية:
السؤال الأول: أين يقع إبداع الجيل الذى يمثله كاتب هذه الرواية (دون تقسيم إلى فرق وميليشات الستينيات والسبعينيات والتسعينيات إلخ).
السؤال الثانى: ماذا يميز هذا الجيل الذى يمثله كل من كاتب هذه الرواية والراوى، مقارنة بجيل “كامل رؤبة لاظ” وكاتب (السراب) علما أن كاتبا الروايتين كان فى نفس السن وقت كتابتهما
السؤال الثالث: أين يقع هذا العمل ومثله – الآن – مما يتسارع من إنجازات ومضاعفات فى عالمنا المتداخل بسرعة فائقة بكل تركيباته، وشـواشـه، وتواصله، وأوهامه؟
بديهى أنه لا توجد أى إجابة حاسمة عن كل هذه الأسئلة، أو على الأقل لا توجد إجابة واحدة من خلال هذا العمل أو غيره.
لذلك سوف يقتصر اجتهادى، وأنا أقرأ هذا العمل بحروف مكتوبة (وهو نوع النقد الذى أمارسه) على محاولة وضع فروض خطرت لى أطرحها على الوجه التالى:
الفرض الأول: إن مثل هذا الإبداع يقول إن شبابنا يتكلم لغة لائقة (مناسبة) للغة العصر (1996) من حيث إستيعاب كلٍّ من:
(1) تعدد المسارات والمستويات.
(2) حركية الزمن والعلاقات.
(3) رفض الإستقطاب.
(4) عمق الرؤية وتكثيف (تركيب) الحضور.
(مقارنة مثلا برواية السراب أحادية الصوت تتابعية المسار)
الفرض الثانى: إن ما يمثله راوى (وشخوص) هذه الرواية “اسم آخر للظل” هو عمق آخر من الحضور البشرى، يحاول أن ينبهنا إلى أنه قد آن الأوان لتجاوز النظرة إلى الإنسان من منظور خطي، سببى، حكائي، أحادى البعد، محدود الجغرافيا، وأنه لا مكان الآن لضياع الوقت فى قضايا استقطاب الخير والشر، أو قضايا اليمين واليسار، أو حتى قضايا الحرب المحدودة وأوهام السلام، فالمسألة أكبر وأعمق من كل هذا، والمواجهة شاملة
الفرض الثالث: إن هذه المحاولات التى تشير إلى ضرورة الامتداد والتعمق لم تنجح بعد بالقدر المتميز أو المطئن، وإن كان هذا العمل يقول إنها تبدو واعدة بنجاح ما، رغم كل شيء.
الفرض الرابع: إن ما يسمى الحداثة، وما بعد الحداثة (مما لا أعرف تفصيلا) وما يوازيهما ينبغى أن يرتبط بالثقافات التى ينبع منها إن كان له أن يفرز رؤية وإبداعا وحركية تفتح آفاق التفاؤل المؤلم والتكامل العالمى بعيدا عن النظام العولمى الجديد!! والقديم!!!.
……………….
……………….
وهذا ما سوف نواصل مناقشة مسلسلة كل خميس
[1] – حسنى حسن “اسم آخر للظل” دار شرقيات 1996.
[2] – جمعية الطب النفسى التطورى والعمل الجماعى سنة 1971.