نشرت فى الدستور
21-3-2007
… ممنوع من السفر !!!
(1)
حين قال الشاب لأبيه: أريد أهاجر يا أبى، لم يقل له أبوه ما خطر بباله أنْ: “خذنى” معك”، لكنه قال: إفعل ما بدالك. قال الشاب: صحيح؟ قال الرجل: صحيح إن استطعت، قال الشاب: والحكومة؟ هل توافق الحكومة؟ قال الرجل: الحكومة مالها؟ ثم إن الحكومة تريد أن تتخلص منا، الكبير قبل الصغير. لقد أنجبناكم رغما عنها، وها أنت تحاول أن تصحح أخطاءنا فى حقها، بل وفى حقكم. قال الشاب: لم أكن أتوقع ردودك هذه يا أبى، كأنك تريد أن تتخلص منى. صمت أبوه ولم يقل ما دار بخلده، بأنه يتمنى أن يتخلص من نفسه أولا. أكمل الشاب: وأمى؟ قال الرجل: هى عندك: إسألها.
(2)
قالت الأم لزوجها: هل صحيح أنك وافقت الولد على السفر؟ قال الرجل: وهل أملك حق الموافقة أوالرفض، هو مسئول. قالت: مسئول ماذا وزفت ماذا وهو وحيدنا، أنسيتَ أننا انتظرنا عشر سنوات حتى أنجبناه؟ قال: دعيه يرحل إلى بلاد الله لخلق الله، قالت: وهل هذه البلاد التى سيسافر إليها هى بلاد الله؟ قال: فبلاد من إذن إذا لم تكن بلاد الله؟ قالت: ونحن؟ ألسنا خلق الله؟ قال: طبعا خلقه، لكن يبدو أننا خلق لسنا كالخلق، قالت: ماذا تقول؟ قال: أقول دعى الخلق للخالق، قالت: وإبنى؟ أدعه للكلاب تنهشه بموافقتك، قال: قلت لك إننى لا أملك حق الرفض.
(3)
قال الرجل للأم: “تقولين رأيتِ مَنْ فى المطبخ !!!!؟ قالت: رأيت هذا الذى اسمه بوش ابن ام بوش، وهممت أن أقتله بسكين البصل التى كانت فى يدى، وأقتل معه بنت الجارية التى تصاحبه، قال: ما هذا!؟ أتحلمين وأنت تخرطين البصل؟ !! ثم ما ذنبها أنها سوداء؟ قالت: هى جارية ليس لأنه سوداء، لكن لأنها تعبد المال وتقتل من أجله إبنى فى العراق. قال: لكن إبننا فى إيطاليا؟ قالت: إيش عرفك؟ هو لم يرسل أية خطابات منذ رحل. قال الرجل: ثم ماذا؟ أكملى الحلم ربنا يكملك بعقلك. قالت: بل هو علم، وكان معهما صدام حسين وممدوح حمزة وفتحى سرور، قال: يا نهارك أسود هل جننت أم تمزحين؟ ثم إن اسمه ممدوح إسماعيل لا ممدوح حمزة، وما دخل فتحى سرور؟ قالت: إيش عرفنى، أليس هو الذى كان سيقتله ممدوح هذا، قال: ممدوح هذا أخذ براءة، إن ممدوح الثانى هو الذى قتل المئات فى العبارة، قالت: يا ليت إبنى كان معهم، فزع الرجل صائحا: “ماذا تقولين”؟ قالت: إبنى، ضناى، كانت زمانها ناره بردت، أما هكذا أربع سنوات لا أعرف عنه شيئأ، أنت السبب، أنت الذى وافقت، الله يجازيك. تساءل: يجازينى أكثر من هذا؟
(4)
لم يكد آخر المعزين ينصرف من السرادق حتى دخل الشاب على أمه وقد شحب وجهه، ، قال لها وهو يعلم أنه لا يليق: كنت أريد أن أراه قبل أن يرحل، بدا لى دائما كأنه يعتذر لأنه أنجبنى فى هذا البلد، فى هذا الوقت، هو لم يقف فى طريقى أبدا، رفعت الأم رأسها وقد تنمر وجهها وهى تصيح: أنا التى سوف أقف فى طريقك هذه المرة، لن تتركنى ثانية كما تركنى، أنا أعرف كيف أمنعك، وبالسكين، قال الولد: سكين؟!!! سكين ماذا يا أمى؟ قالت: سكين البصل، قال: أنا آسف، غلبنى الحزن فقلت ما قلت، أنا خائف عليك يا أمى، أنا مضطر للسفر فعلا. قالت:أنت لا تعرف أمك، أنا أعرف كيف أحتفظ بك رغما عنك، هل سمعت؟ رغما عنك. قالت هذا، وشهقت، ثم سكتت، ثم سكنت.
ذهب الشاب إلى رجال السرادق وكانوا قد جمعوا نصف الكراسى والأرائك، قال لهم: “لا داعى، لجمع الباقى، أعيدوا كل شىء إلى مكانه. نحن نحتاجها لليلةٍ أخرى”
(5)
لم يكن أحد فى وداعه بالمطار، اشار له المختص أن ينتظر على جانب، ثم بعد استدعائه إلى مكتب، وأسئلة، واستفسارات، علم أنه مشتبه فى اسمه لأنه مثل اسمين آخرين: واحد ممنوع من السفر لاتهامه بتهريب الفياجرا، والآخر لأنه مطلوب للمساءلة فيما كتبه فى كتابه الأخير: أن من حقه أن يفهم القرآن الكريم بما يضىء قلبه مباشرة، مع أنه لم يثبت حرفا فى تفسير آية بذاتها. قال الشاب للضابط: “ثلاثة باسم واحد”؟؟!! قال الضابط بإشفاق مهذب “الذى حصل”، قال الشاب: والصورة ؟ والسن؟ والبصمات؟ قال الرجل: هذا ما نبحث عنه.
قال الشاب: فلماذا لم تمنعونى قبل أن يذهبا هكذا الواحد تلو الآخر؟
سأله الضابط: ماذا تقول؟
قال الشاب: لا شىء.