نشرة “الإنسان والتطور”
الأثنين: 10-2- 2014
السنة السابعة
العدد: 2355
الأساس فى الطب النفسى
الافتراضات الأساسية
الفصل الثالث: ملف التفكير (4)
الاضطراب الجوهرى لعملية التفكير وعلاقته بعملية الإبداع (1)
Formal Thought Disorder & Relation to Creative Process (1)
اعتذار وتصحيح
انتبهت وأنا أقرأ نشرة أمس إلى عدم دقة ترجمتى للنص الإنجليزى فى أغنية الأطفال حيث كان الأصل يقول:
Work when you work
Play when you play
فترجمتها إلى:
إعمل وقت العمل
والْعب وقت اللعب
وصححتها الآن هكذا:
إعمل وأنت تعمل،
والعب وأنت تلعب
هل لاحظت الفرق؟؟
أنا أعتبر أن الفرق مهم جدا فى توضيح كيف تُــظهر الترجمة التصحيحية، أن كلا من العمل واللعب، يمثل “الفكرة المحورية” بالنسبة للفعل الجارى، فالمسألة ليست أن تملأ وقت اللعب باللعب، ولكن أن تملأ اللعب باللعب، وأن تملأ العمل بالعمل، هذا الفرق جوهرى بالنسبة لتوضيح استعمال كلمة “فكرة” وكيف تكون مركزية حين تكون ضامة لما هِىَ إليه!.
مقدمة:
إذا كان التفكير يحدث أغلبه لا شعوريا كما ذكرنا، أى أن أنواع الأفكار بالصورة التى افترضناها وعرضناها تتآلف وتختلف وتتعارض وتتشكل بعيدا عن دائرة الوعى الظاهر، فإن معرفتنا بطبيعة عملية تشكيله سوف تظل فى قدر كبير منها تعتمد على قراءة ناتجها غالبا فى ضوء الاستنتاجات والفروض المناسبة لقراءة خطوات هذا الناتج ما أمكن ذلك.
بعض الحقائق والمشاهدات والفروض التى تضطرنا إلى هذا الموقف (بعضها معاد للأهمية):
1) التفكير ليس فقط حل المشاكل.
2) لا توجد طريقة واحدة لحل المشاكل (انظر مثلا الهامش “خارج الصندوق”) (1)
3) التفكير الذى نعرفه يبدو نشاطا للمخ الحديث أساسا، لكن هذا لا ينبغى أن يلغى دور الأمخاخ الأقدم فى التفكير.
4) التفكير الذى نعرفه يبدو نشاطاً للنصف الطاغى للمخ الحديث.
5) توجد مستويات متعددة لأنواع مختلفة من التفكير تجرى فى نفس الوقت.
6) المخ البشرى – خاصة من منظور العلم المعرفى العصبى الحديث – به من البرامج ما يؤكد أنه يعيد بناء نفسه باستمرار، سواء بالنسبة لتشكيلات التفكير الجارية أم بالنسبة لنبضات النمو الدائمة أو لتصحيح الانحرافات وإزالة الإعاقات المحتملة، وكل ذلك متضمـَّن فى أنواع ومستويات من التفكير بمعنى إعادة التشكيل.
7) دراسة اضطرابات التفكير، فى صورة الأعراض المرضية مرتبطة بأمرين:
الأول: كشف وتفسير وافتراض طبيعة التفكير السليم،
والثانى: محاولة استنتاج طبيعة الخلل أو العجز أو الإعاقة التى حلت على هذه العملية من واقع
(أ) ناتج التفكير (محتوى الفكير)
(ب) فاعليته (توظيفه)
(جـ) علاقته بالوظائف الأخرى.
8) يتطلب ذلك دراسة ما يمكن من أنواع التفكير المحتملة سواء بالنسبة لأنواع العقول (الأمخاخ) أو أنواع البرامج لنشاط كل منطقة (مُخـِّية محتملة).
9) لابد من ربط موضوع التفكير بثلاث مجالات (نشاطات/وظائف) موازية ما أمكن ذلك وأعنى:
(أ) عملية اعتمال معالجة المعلومات. Information Processing
(ب) “الإدراك” باتساع أبعاده.
(جـ) الوجدان بقدراته الدوافعية والتشكيلية الخاصة .
وبعد:
تنبيه منهجى:
حتى لا يتشتت منى الموضوع مثلما حدث فى ملف الإدراك سوف أتبع منهجا مختلفا بشكل ما، إذ سوف أضع الفروض البدئية بشكل عام وموجز، يليها الاضطراب المعنى بالدراسة (الأعراض) ثم أربطها بالفرض الأساسى ما أمكن ذلك.
العَرَض:
الاضطراب الجوهرى للتفكير Formal Thought Disorder:
سوف أعتبر هذا الاضطراب هو المدخل الأوْلى بالبدء، مع أنه الاضطراب الأخطر الذى يقع فى نهاية فشل التفكير تماما فى تحقيق وظيفته، وهى تشكيل وجذب سائر الأفكار لتحقيق التناسق والتكامل حول فكرة محورية أساسية هادفة، تسمح بالتكافل ثم بالتبادل مع غيرها من أفكار كانت متنحية أو كامنة، تظهر وتجمع بدورها لتضم وتنسق بحسب تغير الهدف فالسياق… وهكذا.
إن هذا النوع من الاضطراب يعتبر أخطر ما يمكن أن يصيب عملية التفكير، وربما لذلك يطلق عليه اسم الاضطراب الجوهرى، وفى نفس الوقت فإن بدايته تشبه كثيرا بداية مرحلة التفكير الإبداعى حيث يبدأ الاثنان بالتفكيك، لكنهما يختلفان اختلاف الضد فى الناتج، ففى حين يتمادى التفكيك فى حالة الاضطراب الجوهرى أكثر فأكثر حتى يصل إلى درجة التفسخ والتناثر، فإن التفكير الإبداعى ينتهز فرصة هذا التفكيك لإعادة تشكيل وحداته فى كلٍّ ضام جديد، يتجاوز التفكيك المبدئى، وفى نفس الوقت لا يرجع إلى ما كان عليه الحال قبل التفكك.
ومن حيث المبدأ، ومن منطلق فروضى عن الأحلام ومجاراة للإنجازات الأحدث فى العلم المعرفى العصبى فإنه يمكن النظر إلى ما يجرى تلقائيا فى نشاط الحلم الدورى المنتظم على أنه: عملية موازية لذلك لا نعرف عنها إلا ناتجها من حيث إعادة تنظيم المخ لنفسه من خلال هذا “الإيقاع التفكيكى التشكيلى الدورى الإيقاعى” الذى لا يُرصد منه إلا حركية إيقاع النوم النقيضى Sleep Paradoxical الذى يظهر فى رسام المخ الكهربائى “رمك” EEG فى صورة نوم حركة العين السريعة.REM، وبديهى أن دراسة طبيعة وتفاصيل ما يحدث “داخل النوم” أثناء طور حركة العين السريعة مستحيلة، لكن ناتج النوم الناجح وخاصة من خلال تجارب الحرمان من النوم، والحرمان من النشاط الحلمى تؤكد أنها نفس خطوات العملية الإبداعية من حيث التفكيك الذى يسبق إعادة التشكيل، والذى يسمى تحديدا بالإنجليزية re-patterning وترجمتها الحرفية هى: “إعادة تنميط“، وقد وجدتها ثقيلة على سمعى ففضلت مؤقتا أن أتكلم عن إعادة التشكيل.
هنا ينبغى أن أشير إلى أطروحتين باكرتين متصلتين ببعضهما البعض:
الأولى عن: “الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع“ وفيها تناولت علاقة الحلم بالجنون (الفصام بالذات) بالإبداع.
والثانية هى: “جدلية الجنون والإبداع” وفيها ركزت على وجه الشبه بينهما خاصة فى بداية العمليتين، ثم تناولت أيضا مراحل التباعد بينهما حتى المآل العكسى تماما.
وبعد
قد اضطر إلى الرجوع إلى الأطروحتين السابقتين عن “الحلم والإبداع والإيقاع الحيوى”، وعن “الجنون والإبداع”، لكننى أخشى من التكرار فيحدث ما حدث بالنسبة لملف الإدراك، فاسمحوا لى أن أؤجل القرار حتى الأسبوع القادم ، مكتفيا بهذا الشكل للنظر والتأمل.
1- عثرت على تعريف لهذا النوع من التفكير المسمى “خارج الصندوق”، والذى يعنى “التفكير بغير المألوف”، وقررت أن اجعله هامشا طريفا أخفف به جرعة التنظير فى المتن، وأنفـّس به عن غيظى من الأمريكان، واحترامى لموقف “بوتن” مؤخرا
فكّر خارج الصندوق … ! (عن جوجل، عن ويكيبيديا أنها قالت:)
واجه رواد الفضاء الأمريكيون صعوبة في الكتابة نظرا ً لانعدام الجاذبية وعدم نزول الحبر إلى رأس القلم ! للتغلب على هذه المشكلة أنفقت وكالة الفضاء الأمريكية ملايين الدولارات على بحوث استغرقت عدة سنوات لتتمكن في النهاية من إنتاج قلم يكتب في الفضاء وتحت الماء وعلى أرق الأسطح وأصلبها وفي أي اتجاه .
بالمقابل تمكن روادالفضاء الروس من التغلب على نفس المشكلة بحل بسيط ………
……………..
وهو : باستخدام قلم رصاص ! .