نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 27-4-2014
السنة السابعة
العدد: 2431
الأساس فى الطب النفسى
الافتراضات الأساسية
الفصل الثالث: ملف التفكير (25)
اضطرابات التفكير
المسار والمصير لأزمة “الفصل <=> الوصل”
(الشعور بالذنب)
مقدمة وعدت الأسبوع الماضى أن أتكلم عن المسار والمصير لهذا الشعور الأساسى الذى صاحب اكتساب الإنسان مسئولية الوعى، والوعى بالوعى، وقد حاولت خلال الأسبوع أن أجد مصطلحا آخر يصف هذا الشعور بالانفصال عن الأصل الكل، قبل ظهور ما يسمى الشعور بالذنب، فخطر لى أن أسميها “أزمة الفصل <=> الوصل” باعتبار أن الولادة البشرية (الوعى بالوعى) المرتبطة بالحرية والمسئولية تبدأ من هذه الأزمة الوجودية الأساسية، هذه الأزمة قد تكون موازية لأزمة الولادة الأولى (الخلق)، ثم تتكرر فى الولادة الجسدية الفردية والخروج من الرحم، ثم لا تتوقف بعد ذلك ابدا مع إيقاع النبض الحيوى المستمر.
وقد فضلت –حاليا- أن أتجاوز عن تجليات هذه الأزمة وعلاقتها بالبعد الأخلاقى (المتداخل جدا مع البعد الدينى المؤسسى، وليس مع البعد الإيمانى)، وكذلك عن البعد التاريخى، المرتبط أيضا بالبعد السياسى، وآليات التسخير والتأثيم والتمييز العنصرى.
سوف أكتفى اليوم بعرض إضارة للنشرات القادمة، ثم أبدأ المسار والمصير فى كل من الحالة العادية أو “حالة السواء”، ثم غدا أو بعد ذلك : “حالة المرض” ثم “حالة الإبداع”
تأكيد:
هذا التعديل فى اسم المصطلح ليس ثانويا، لأن الشعور بالذنب هو عملية فكرية شعورية صريحة، “أنا مذنب، أنا مخطئ، أنا ذنوبى لا تغتفر..إلخ، ولا يظهر هذا الشعور بشكل مباشر على سطح الوعى الظاهر فى كل الأحوال، بل إن كثيرا من تجلياته تظهر فى تفعيله، أو إزاحته، أو تحويره، أو غير ذلك، مما حاولنا تمثيله فى الشكل الحالى، بعد إجراء بعض التعديلات على ما نشر من قبل كما ذكرت حالا.
يصبح بعد ذلك الحديث عن المسار والمصير هو حديث يبدأ من الإدراك العميق لإشكالة “الانفصال” عن الوعى الكلى، ومن ثمَّ إلحاح الحنين إلى العودة، ورفض ذلك خوفا من العودة بلا رجعة، الأمر الذى يحتويه وينظمه تنشيط “برنامج الدخول والخروج” in-and-out program المرتبط تلقائيا بالإيقاع الحيوى، وجدل النمو.
وسوف أكتفى اليوم بنشر محاولاتى فى بعض تشكيلات متتابعة عن المسار فى حالة العادية أو السواء.
المسار فى حالة العادية (السواء +)
أولا: مسار التقبل والمبالغة (الدينى المؤسسى) (الحالة فى العادية/السواء)
وموجز لسان حال صاحب هذا الموقف يقول:
مادمت مذنبا، فليكن، ولأستغفر، بلا إبداع، ولا حرية، ورغم أنى لم أختر الوعى، فأنا أتحمل الخطيئة الأولى،
ثم أتحمل خطيئة الاستمرار فيها (الحياة، فإذا احتجت فطرتى علىّ فإنى أتحمل نتيجة ذنب لم أقترفه (الذنب الوجودى)
ثم إنى سأرد بأنى إنما أتحمل معصيتى للأوامر اللاحقة، لأنى لم أستطع – بقدر كاف – كبت الجنس والعدوان،
فذنبى الجديد هو ذنب أخلاقى، وهو الأهم، وليس أمامى إلا الاعتمادية الشيديدة (الاعتمادية الرضيعية – الرحِمية -)
لعلنى أعود إلى الرحم الأرحب (الجنة).
لكن ثمة تنوعات أخرى مبالغ فيها لكنها عادية لم تصل إلى حد المرض
ومن ذلك الشخصية الوسواسية (وليس اضطراب الوسواس القهرى)، والإثراء للإثراء، والسلطة للسيطرة، والقهر،
والتفرد بالرأى ، وكل ذلك بمثابة تعويض لإخفاء أصل هذا الشعور المرتبط بمغامرة الفصل (الوعى بالوعى،
والحرية، وحمل الأمانة) ،لكن تظل كل هذه المظاهر فى محيط السواء بشكل أو بآخر.
ثانيا: مسار الإنكار والمحو (الإلحادى الذاتوى)
وموجز لسان حال صاحب هذا الموقف يقول: (ما زلنا فى العادية الإنكارية)
ولا ذنب ولا يحزنون، فأنا حر حتى النخاع، لم أقترف شيئا، ولم يستأذننى أحد فى قدومى، فلا استغفار للجانى الأصلى، إن وجد أصلا،
ليس هناك سوى “أنا”، حتى داخلى هو أنا واحد أحد، فلا وصاية على حتى من مجهول فى الداخل، وكل ما يسمى ذنبا (تجاوزا)
هو ما يعاقب عليه القانون الخارجى الذى على أن أتحايل عليه طول الوقت حتى أغيره ليصبح كل الناس أحرارا أعنى لأصبح “أنا” حراً،
والباقون كذلك (!!) إن أمكن، المهم أنى لست مذنبا أصلا، وأنا حر جداً (جداً).
ليكن، لكنه ليس ذنبى فقط، كما أنى لست مسئولا وحدى عن كل ما جرى، ثم إن ثمة مسائل ومشاكل أقرب إلى مسئوليتى وأولى بتقويتى حتى لمواجهة احتمال أن أصلح ما أفسده قدرى وتورطى (بشراً)، فعلىّ بالجمع المستمر، والالتزام المكرر، وأساليب القوة من كل مصدر ونوع، من أول القرش حتى السلطة بأنواعها، حتى مصادر الشهوة أو محتويات فكر الآخرين (ولا مانع أن أعيد تنظيم هوامشها وأسميه إبداعا) فإذا حققت ذلك فقد أنسى حكاية الذنب هذه، بل إنى نسيتها ما دام أحدهم لم يضبطنى متلبسا.
ثالثا: المسار الإيمانى الإبداعى:
(كل من انفصل عن أصله يطلب أيام وصله)
وموجز لسان حال صاحب هذا الموقف يقول:
نعم، لقد اخترت أن أكون بشرا، حرا، وهذا أكبر من قدرتى، ولم أكن أعرف ذلك تماما (جهولا) فظلمت نفسى (ظلوما)، لكنها البداية، ولا سبيل إلى التراجع، فما زلت أكرر اختيارى كل لحظة، ما دمت مستمرا حيا، لكن ليس معنى ذلك أن أستسلم لشعور بذنب لا وجود له، فما سموه ذنبا هو جزء من شرف إنسانيتى، هو ثمن وعلامة وجودى، وليس أمامى إلا أن أدفع المقابل بتقبل تاريخى (تعددى) مع الاستمرار مجتمعا إلى مزيد من الرؤية / المسئولية، ومزيد من القدرة (الإبداع) فلا يعود الذنب ذنبا لأنى فى طريقى أبدا إلى تجاوز أسبابه، ذلك أن الذنب الحقيقى (الوجودى) هو فى استمرار انفصال الجزء عن الكل بحيث يظل يدور فى مدار مستقل نافر، على حسابى، بعيدا عن أصلى ، بما يهدد بسقوطى كنيزك محترق، ولكى أمنع ذلك سوف أرفض التجمد، وأوصل الحركة، فالجدل، فالنمو ولن أخدع بالتكرار، ولن أحافظ على المسافات، ولن ألغى مالا أرى (الغيب)، فطالما أنا أختار، أنا أبدع، أنا أجادل تاريخى ساعيا – كدحا – إلى تناغمى فلا ذنب لى إلا: التوقف عن السعى، أو الانغلاق على نفسى، أو الانخداع فى التكرار والوسائل، أو الخضوع لإيهامكم لى باقتراف ذنب (أخلاقى) تحت أى زعم أو إغراء.
*****
وغدًا نعرض المسار والمصير فى حالة المرض (وربما الإبداع).