نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 16-3-2014
السنة السابعة
العدد: 2389
الأساس فى الطب النفسى
الافتراضات الأساسية
الفصل الثالث: ملف التفكير (13)
عينة من إبداع شخصى “له علاقة”
ما دمنا قد غامرنا فى البدء بأخطر أنواع اضطراب التفكير، وهو الاضطراب الجوهرى، وعلاقته بالإبداع‘ فقد غامرت بالنظر فى ديوانى “سر اللعبة” واقتطفت منه فقرة محددة كعينة: كيف أخرجتنى الصورة الشعرية من مأزق الوحدة والتفكك، كما تصورت – كما قلت فى البريد أول أمس- كم هو ثقيل علىّ أن أعدد الأعراض، وكيف حلها الإبداع.
كنت أنوى أن أعرض بإيجاز شديد ما تصورته فى المراحل التى أخرجتْ هذه الصورة الشعرية، وأنا أنتهج المنهج الفينومينولوجى غالبا مع مرضى الفصام بوجه خاص، لكننى عدلت، خوفا من افتعال جرعة مفرطة مما لا أعرف، لأكتفى بالمقتطف الشعري كمدخل لعرض صورة لجانب من أعراض وإمراضية الفصام (علما بأنه تم شرح هذا المقطع فى كتابى “دراسة فى علم السيكوباثولوجى” فى (ملحق الكتاب “المتن”) صفحة 848.
وهتفت بأعلى صمْتى… يا أسيادى، يا حفـّاظ السفر الأعظم، يا حملة سر المنجم، يا كهنة محراب الفرعون، يا أفخم من لاكَ الألفاظ َتموء كقطط جوعى فى كهفٍ مظلم، يا أذكى من خلق الله وأعلمْ، يا أصحاب الكلمة والرأى: هل أطمع يوما أن يُسمع لى؟ هل يُسمح لى؟ هل يأذن حاجبـُكم أن أتقدمْ، لبلاطكمو التمسُ العفو، أنشر صفحتىَ البيضاء أدفع عن نفسى، أتكلم: أحكى فى صمت عن شئ لا يُحكى، عن إحساسٍ ليس له اسم، إحساسٍ بين ضلوعى، يصّاعد حتى حلقى، فأكاد أحسُّ به يقفز من شفتى، وفتحت فمى: لم أسمع الا نفسا الا نفسا يتردد، إلا نبض عروقى، وبحثت عن الألف الممدودة، وعن الهاء، وصرخت بأعلى صمتى، لم يسمعنى السادة. |
وارتدتْ تلك الألفُ الممدودة مهزومة، تطعننى فى قلبِى، وتدحرجت الهاءُ العمياءُ ككرة الصلبْ..، داخل أعماقى . ورسمت على وجهى بسمهْ ، تمثالٌ من شمع ورأيت حواجب بعضهمو ترفع، فى دهشة، وسمعت من الآخر مثل تحية، ظهرت أسنانى أكثر،وكأنى أضحك، ومضيت أواصل سعيى وحدى، وأصارع وهمى بالسيف الخشبىّ، السيف المجداف الأعمى.. والقارب تحتى مثقوبٌ، والماء يعلو فى دأبٍ،والقارب تحتى يتهاوى..، فى بطءٍ لكن فى إصرار، فى بحر الظـُّلمهْ..، ..فى بحر الظـُّلمهْ
|
أكتفى هنا الآن بأن أبين كيف أن القصيدة تعرض: (1) جانبا من الإمراض التوليدى (كيفية تكوين الأعراض: سقوط اللغة والتعيين(1): الألفاظ العادية تجسدت: (الألفاظ: تموء كقطط جوعى فى كهف مظلم = فقد المعنى) (2) العجز عن التعبير، يمكن أن يصل إلى البكم الكاتاتونى (وصرخت بأعلى صمتى) (3) تفكيك اللغة (الآه تتفكك إلى ألف ممدودة وهاء) مع التعيين: الآه سيف يطعن، والهاء كرة من الصلب (وارتدت تلك الألف الممدودة مهزومة، تطعننى فى قلبى، وتدحرجت الهاء العمياء ككرة الصلب..، داخل أعماقى) (4) ثم تعرض جانبا من الأعراض مثل الابتسامة البلهاء التى تبدو لا معنى لها(2) (ورسمتُ على وجهى بسمة، … ظهرت أسنانى أكثر، وكأنى أضحك)، وكذلك عرض التصلب الشمعى(3) (تمثال من شمع) (5) ثم ظهرت فى النهاية السببية الغائية وكيف أن الفصامى بعد أن يحرق مراكبه، ويفكك اللغة الصالحة للتواصل، لا يجد من يسمعه أو يفهمه، إنما يمهّد بكل هذا للانسحاب إلى الوحدة المطلقة (المكافئة للعودة للرحم، أى للموقف الشيزيدي المطلق (والقارب تحتى مثقوب، والقارب تحتى يتهاوى فى بطء، كوالماء يعلو فى دأب، والقارب تحتى يتهاوى..، فى بطءٍ لكن فى إصرار، فى بحر الظلمة..، ..فى بحر الظلمة. |
[1]- Concretization
[2] – Facile smile
[3]- Waxy flexibility