نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 3 -11-2016
السنة العاشرة
العدد: 3352
أجوبة لم تنشر لأسئلة محذوفة
مقدمة :
هذه أجوبة لأسئلة حذفتُها قصدا احتراما للسائل الذى طلبها، ذلك أننى حين أجبت عليها، يبدو أن الإجابات لم تعجبه، فلم أرها منشورة حيث وعد، وأنا أشكره على أية حال، وأهديها لشيخنا مباشرة، وأنا أعرضها عليه كما اعتدت معه، لأرى رأيه ورأى أصدقائه، أهلا بهم !!!
الأسئلة عن شخصيات روايات نجيب محفوظ، مع تحديد بعض الشخصيات التى قمت بالتعليق عليها تلقائيا غير ما طلب منى:
(س1)……………………………. ؟
(جـ 1) نجيب محفوظ وضع سماته الشخصية فى كل شخصيات رواياته بلا استثناء، وهذا هو ما يميز المبدع الحقيقى، فلا يمكن لمبدع أن يخط حرفا إلا إذا كان قد احتوى الشخصية التى يكتب عنها بكامل وعيه الإبداعى، سواء كان لها وجود حقيقى أم لا، فهى تتخلق تخليقا فى وعيه، ثم هو يطلقها لتلعب ما شاء لها أن تلعبه من أدوار بتلقائية الإبداع، وليست بوصاية سماته الشخصية. وهذا هو رأيه شخصيا فى هذه القضية كما أثبتـُّهُ فى حديث لى معى نشرته فى كتابى الإلكترونى “فى شرف صحبة نجيب محفوظ” حيث جاء ما يلى: (من كتاب فى شرف صحبة نجيب محفوظ) (1)
…..ذات مرة قلت له: “يبدو أن المبدع لا يبدع إلا ذاته” فقال لى: هذا صحيح تقريبا، لكنه لا يكون صحيحا فعلا إلا إذا تذكـَّرنا أن المبدع لا يعرف ذلك ولا يقصده تماما، فهو يكتشف ذلك بنفسه، ويكشف عنه من خلال إبداعه، أى حالة كونه يبدع فعلا، أى أنه لا يرصد ذاته أو يصورها بل يتعرف عليها وهى تنطلق منه”، ثم أضاف ما معناه: إن الذى يصور نفسه تماما هو لا يبدع ذاته، وإنما يحكى شخصه، ومثل هذا الشخص لا يكتب إلا عملا واحدا، لأنه شخصٌ واحد، وقد يكون هذا العمل صادقا تماما، وقد يكون جميلا وأصيلا، لكنه لا يستطيع أن يكتبه مرتين، ولنفس السبب هو قد لا يستطيع أن يكتب غيره.
س(2)……………………………. ؟
(جـ 2) لا بد أن توجد شخصية هنا أو هناك تحمل ملامح أكثر للكاتب، ولو فى فترة من فترات حياته، وما زلت أذكر تبادل الملاحظات بينه وبين إحسان عبد القدوس – وقد ظهر هذا النقاش الطريف فى الصحف منذ عشرات السنين- وإحسان يرجح أن شخصية كمال أحمد عبد الجواد فى الثلاثية كانت تعبر عن فترة من فترات حياة نجيب محفوظ، وعلى ما أذكر أن محفوظ لم يقر ذلك على إطلاقه، وإن لم يرفضه أيضا، وقد وصلنى منذ ذلك الحين أن كل شخصياته اصطبغت بحالة وعيه الإبداعية حالة كونه يخلقها خلقا،
على أن نجيب محفوظ قد اعترف لي شخصيا حين عرضت عليه بعض نقدى لأصداء السيرة الذاتية وأعلنت له تحفظى على حجم ظهور “الشيخ عبد ربه التائه” فى النصف الأخير من الأصداء، لأنه قد وصلنى أن حدّة الطلاقة قد خفتت حين راح المؤلف يطلق “الحِكَمْ” أكثر من “الأصداء” على لسان الشيخ عبد ربه الذى وصلتنى شخصيته أقرب إلى شخصية الراوى منها إلى أية شخصية ماثلة قائمة بذاتها لها ملامحها المميزة، وكل ما وصلني من هذا الشيخ عبد ربه التائه هو لقطات من حكمته وآرائه، التى أغلبها بعض أصداء حركية وعى محفوظ نفسه، وقد أقرنى الأستاذ على بعض ذلك.
س (3) هل ……………………………. ؟
(جـ 3) طبعا كان يستمد شخصياته من الحياة الواقعية ولكن أبدا: ليس بشكل كامل!!! المبدع، وخاصة محفوظ، يتمتع بحاسة التقاط إدراكية شديدة الحساسية وهى جزء لا يتجزأ من مقومات إبداعه، فهو ليس مصوِّرا فوتوغرافيا يصور شخصياته ليعرضها كما هى، وإلا فأين الإبداع، وقد شرفتُ ذات حوار بشرحه لمثل ذلك، وأنه كان يلمَحُ أحيانا ملمَـحـًا مميزا، لجانب من جوانب شخصٍ ما، أو ينتقى جملة أو حدثا سمعه أو قرأه فى الصحف (وقد حدد مثلا لذلك: اللص والكلاب) ثم يروح ينسج من هذا الملمح بقية الشخصية والأحداث بما يبدعه كيف شاء لما شاء، وقد سمعت أيضا منه وأنا أناقشه فى مراجعتى لما نشرتـُه باكرا من نقدى لروايته الشحاذ: ظهر فى الأهرام أول مرة سنة 1970) (2)، وكان قد أبدى إعجابه بهذا النقد لأحد أصدقائه، لكننى رحت أناقشه حين تعرفت عليه لاحقا وأبلغه أننى عدلت عن منهج هذا النقد الوصفى النفسى، وقمت بما أسمتيه “نقد النقد”، (قراءات فى نجيب محفوظ) (3) وكان نقدا ذاتيا رفضتُ فيه ما ذهبت إليه في النقد السابق حيث أدركت أنه ليس من النقد الجيد أن نقوم بوضع اسم مرض نفسى معين، لشخص فى رواية، وكنت قد ألمحت فى هذا النقد أننى أشفقت على الكاتب أن يكون قد مر بهذا المرض، وكان المرحوم الأستاذ توفيق صالح حاضرا هذا الحوار، فألمح أن شخصية عمر الحمزاوى في “الشحاذ” كانت أقرب إلى فلان (صديق لهما)، لكن شيخى الجليل تحفظ على تصريح الأستاذ توفيق، وراح يشرح لنا كيف أنه لا يمكن أن تكون الرواية مجرد حكى عما سمع أو جرى !
س (4) ……………………………. ؟
(جـ 4) أكرر من جديد أنني لا أحلل نفسيا، وإنما “أقرأ ناقدا لأستلهم النص بما تيسرمرة أخرى أنا لا أقوم بتحليل الشخصيات حتى فى الواقع، وأنا أفضل أن أقدم بعض الشخصيات التى وردت فى نقدى السابق المنشور لأعمال محفوظ، دون التزام بالشخصيات التى وردت فى السؤال، وهذه مجرد عينات كأمثلة:
1) السيد أحمد عبد الجواد (سى السيد): شاع بين العامة أن هذا السيد يمثل الأب المصرى الشديد فى بيته ، المنطلق حرا خارجه …إلخ ، كما قيل إن به بعض ملامح موقف نجيب محفوظ فى بيته، وهذا مخالف تماما لما عاصرته شخصيا معه، فأنا لم أر أبا بحنان هذا الرجل، ولا بعدله بين أفراد أسرته، ولا برعايته لابنتيه وحنوه عليهما، ورقته معهما، تمتد هذه الملاحظة إلى المرحومة الجليلة السيدة زوجته، وتشبيه بعض من لا يعرفونها بأمينة زوجة سى السيد خطأ بحت أيضا (هذا علما بأننى لم أقم بنقد الثلاثية بالذات)
2) الجبلاوى فى أولاد حارتنا فى مقابل عاشور الناجي الأول فى ملحمة الحرافيش: بدأت قراءتى لأولاد حارتنا حين كانت تـُنشر مسلسلة فى الأهرام، ولم يصلنى منها إلا حبكة الصنعة وجمال الصياغة، ثم إننى حين تعرفت عليه شخصيا بعد كتابة هذا العمل بسنوات وسنوات أتيحت لى الفرصة لأقول له رأيي مباشرة فيها، وأنها ليست أحسن أعماله، برغم ما بها من روعة إعادة صياغة التاريخ بجمال عصرى فائق، وهذا هو ما يرجَى منه طبعا، لكننى شعرت أنه كاد يختنق فى خندق الالتزام التاريخى، والتحفظ الدينى، ثم تطورت المحاولة ونضجت فى ملحمة الحرافيش فاعتبرتها أنها التطوير التجاوزى لأولاد حارتنا، وقد وصلتنى منه موافقة جزئية على ذلك، وقد أكدت له أن عدم إعجابى بأولاد حارتنا لا يرجع لما أثير حولها من تجاوزات دينية فهذا غير وارد عندى إلا لمن لا يعرف دينه، ولا يعرف ربه، وإنما لأنها كانت بالغة الصراحة فى الرمزية،
العلاقة بين عاشور الناجى فى الحرافيش وبين الجبلاوى فى أولاد حارتنا علاقة تغرى بالمقارنة، فعاشور الناجى اختفى، ولم يُعلَن موته صراحة، وظل أهل الحارة ينتظرون عودته أو ظهوره باستمرار، كما ظلوا ينادونه فى غيبته، ويتلمسون بركاته حتى نهاية الرواية، لكن وجوده كان فى وعى ناسه وجودا بشريا مُنتـَظرا ، وهذا يختلف عن حضور الجبلاوى فى أولاد حارتنا ، فقد كان حضورا شبه إلهى غامض (ليس كمثله شىء)، وفى رأيى أن محفوظ شخصيا كان أقرب إلى عاشور من االجبلاوى ، ولم أفاتحه فى ذلك.
وعموما فإن هذا الحضور الدائم للحاضر البعيد القريب، وصلنى من خلال تعرفى على قضية محفوظ مع الزمن، والوجود، والموت، والخلود،والمطلق، والإيمان، فمنذ بداية ملحمة الحرافيش، أحضر لنا محفوظ الموت بشكل ماثل زاحف تجسد بعيانية ومنذ البداية وعاشور يتابع سلسلة النعوش تتوالى إلى “القرافة” على أثر “الشوطة” التى ألمت بالحارة، وباعتراف بسيط بالخوف البشرى وهو يواجه الموت وهو يلاحقه، قرر عاشور أن يقاومه حتى بالهرب، لكنه لم يكن هربا جبانا من الموت بقدر ما كان مقاومة تستند إلى سندين: علاقته بالحى الذى لا يموت، وانتمائه إلى جـُماع وعى الناس، فهو لم يقل لناسه، ولا لأسرته “وداعا”، ولكن ما وصلنى أنه قال وهو يغادرهم دون استئذان “إلى لقاء”، وقد وصلت التحية والوعد إلى الناس بيقين غائر، فصدقوا أن مقاومته (لا هروبه) انتصرت، وراحوا ينتظرون عودته وكأنها عودة المسيح أو المهدى المنتظر
بدأ عاشور رحلة المقاومة مستظلاً بالتكية رمز “الغيب” و”الغموض” و”الوعود” و”الخلود”،
أما الجبلاوى فقد كان الحاضر الواعد القادر القريب البعيد طول الوقت، دون حركية بين موت وخلود، حتى محاولة قتله فى النهاية تركت الباب مفتوحا لهذا الديمومة.
لكن محفوظ فى نفس ملحمة الحرافيش عرّى لنا نوعا جنونيا من الخلود ، فجاءت تعرية هذا النوع من الجنون لتؤكد تعرية أوهام وضلالات الخلود فى هذه الدنيا، وهو خلود يختلف تماما عن موقف وأحلام عثمان بيومى فى حضرة المحترم، التى نشرت قبل الحرافيش بسنتين/ وقد قمت بدراسة نقدية أساسية مقارنة بين هذين النوعين (4)بيّنتُ فيها أنه:
من البداية نلاحظ أن الثقافة التى أفرزت ضلال جلال صاحب الجلالة فى الحرافيش تختلف عن الثقافة التى ترعرعت فيها “لا نهائية” عثمان بيومى، ….”ثقافة أجيال ملحمة (الحرافيش) تبدو ثقافة القوة والفتوة (والفتونة) والتجارة والأعيان، وربما تحددت قوانين البقاء فيها بأن: “البقاء للأذكى” و”الأقوى” و”الأسرع” بغض النظر عن محتوى أدائه، يجرى ذلك على خلفيهَ تبعية واعتمادية أغلب الحرافيش عادة، والكل يجرى فى ظل إيمان بالقدر وعشم فى الله، وتسليم للأقوى فى نفس الوقت، أما ثقافة مجتمع عثمان بيومى فهى ثقافة، البؤس والخوف والظلم بما تتضمنه من حفز البعض إلى الكدح والصبر فالطموح واستسلام عموم الباقين، كل ذلك منضبط بنظام حكومى صارم، ليس عادلا أصلا، نظام مدعوم بأعراف دين شعبى طيب، مسكِّن غالبا. فى ثقافة جلال صاحب الجلالة فى الحرافيش تطورت فكرة الخلود من أول مقاومة عاشور الناجى الأول للموت دون إنكاره أو تحديه، أملا فى امتداد فى الناس تحت رحمة خالقهم كما بينا، وذلك فى مقابل تشويه الفكرة وجنونيتها حين تعملقت وانحرفت حتى تجسدت وتفعلنت عيانيا فى يقين راسخ فى فرد جلال الذى استطاع، أو اضطر، أن يعلنها صراحة، ثم راح يمارسها من خلال جنون فكره وسلوكه وما ترتب عليهما، ضد قوانين الواقع والحياة، وأيضا ضد الثقافة العامة المحيطة، وحتى ضد ناسه، وقبل هذا وذاك ضد نفسه: فهو الضلال الجنون.
أما عثمان بيومى فقد تسربت إليه الفكرة حين تجسد له موت أمه كأنه بمثابة القتل بالإهمال فانكب على ذاته، متحسرا متألما صابرا مثابرا متحديا بما زرعته ثقافة ناسه فيه: “النجاح” و”الدين الشعبى” و”الله” (الخاص) ولم تحضره أمه بعد ذلك أبدا، ولم تبارك نجاحه الذى لو عاشت كانت ستدعمه، ولم يذكرها فى أوقات توفيقه كلما صعد درجة على سلم المجد المكتبى الإداري، ولا فى أوقات وحدته وجوعه إلى أنيس أو شريكة.
فإذا عدنا إلى اصل الموضوع نجد أن محفوظ –شخصا لا ينتمى إلى هذا النوع من الخلود، ولا إلى تلك اللانهائية الذاتوية، لكنه كان ينتمى لنوع آخر من الخلود جاء ضمنا في ملحمة الحرافيش أيضا، وهو خلود إيجابى فى وعى الناس (ليس فقط فى ذاكرتهم)، وهو الذى يمثله حضور عاشور الناجى الأول برغم غيابه: فى وعى كل الأجيال حتى النهاية ثم عاشور الناجى الأخير مع الناس وللناس.
وقد تأكد لى ذلك من متابعتى لبداية كدح محفوظ لربه كدحا ليلاقيه، من أول “زعبلاوى” حتى “رحلة ابن فطومة” إلى آخر إنتاجه ، مرورا “بالطريق” وغيره مما خصصت له دراسة تفصيلية أخرى، كان حضور “صابر” فى “الطريق”، من أصرح ما أكد جوهرية رحلة كدح محفوظ على هذا “الطريق”، وقد ظلت هذه هى رحلته المحورية فى الحياة والإبداع ، وتبينت لى أكثر فى دراستى النقدية المقارنة بين “رحلة ابن فطومة”، وبين عمل “كويلهو”: “ساحر الصحراء” “(السميائي)(5): فى رحلة ابن فطومة أنهى محفوظ الرواية وقنديل محمد العنابى (ابن فطومة) بعنوان يقول إنها “البداية”، وليست النهاية كما اعتدنا، أو حتى مقارنة بنهاية كويلهو للسيمياء: “خاتمة”.محفوظ ، أكد فى هذه النهاية أنها “البداية”، وكيف أن قنديل يزمع أن يواصل رحلته إلى الجبل الآخر “…ووقفنا أسفله ننظر إلى أعلاه فوجدناه يعلو على السحب ويتحدى الأشواق”.
محفوظ فى ابن فطومة راح يخاطب ربه بدءاً من نفسه إلى المطلق، فهو ينشـِّط حركية التطور عبر التاريخ ليعرف أكثر، فيعود يسهم فى تغيير ناسه، وهو يعلن أن النظُم الحياتية مهما اختلفت بالطول (تاريخا) وبالعرض (تنوعا) فالسعى مستمر، والمعرفة ممكنة، والخطأ قابل للتصحيح، وأن تحقيق المراد من كل مرحلة (رحلة) هو ممكن، لكنه مرحلة متجدده ، بلا نهاية، وأن انفصال الفرد عن المجموع ليحقق أسطورته الذاتية ليس هو غاية المراد، فهو أمر ناقص يكاد يكون ضد الطبيعة البشرية الأكمل، وأن رحلة الإنسان التى قد ينفصل فيها عن الناس، هى فى نهاية الأمر إلى الناس مرورا بتحقيق الذات المتجدد بالجدل مع الناس إلى المابعد، وهذا يختلف تماما ، بل يكاد يناقض رحلة “الشاب” فى ساحر الصحراء لكويلهو، وهو يواصل السعى لتخليق وجوده الذاتى المستمر لتحقيق “أسطورته الذاتية” جدا.
وبعد
هناك ملاحظات أخرى أود إضافتها:
(أ) لا أريد أن أعرج إلى رواية “الكرنك” ، فأنا لم أقم بنقدها مستقلة، فقد كانت جرعة المباشرة فيها أقل مما تعدنى به أعمال محفوظ، لكن بالنسبة للسؤال الوارد فى هذا الحوار، فقد لمحت إشارات محدودة، وأحيانا صريحة من أكثر من صديق من أصدقاء محفوظ الأصغر سنا أنه هو هو بطل هذه الرواية ، وهو لم يوافق أى منهم على رأيه، ولا رفـَضَه، فتعجبتُ واحترمتُ واستبعدتُ.
(ب) بالنسبة “للص والكلاب”، فلعل أحدا لا يذكر أن توظيف محفوظ للحلم فى سياق الرواية كان سابقا فى أعماله قبل رأيت فيما يرى النائم وطبعا قبل أحلام فترة النقاهة، لكننى افتقدت أى استقصاءٍ لذلك بطريفة منهجية، وقد عثرت على حلم ورد فى اللص والكلاب ألهمنى دراسة نشرتُها فى مجلة سطور (6) وهذا بعضه ذلك الحلم الذى كان فى دار الشيخ على الجنيدى قرب الفجر، وكان سعيد مهران قد أغفى عنده قرب الفجر: “…. حلمَ بأنه يُجلد فى السجن رغم حسن سلوكه، وصرخ بلا كبرياء وبلا مقاومة، …و رأى سعيد سناء (ابنته) …. ولكن رؤوف علوان برز فجأة من الراديو المركَّب فى السيارة، فقبض على معصمه قبل أن يتمكن من قتله، … فقال الشيخ إن ذلك كله تم بناء على اقتراح للأستاذ رؤوف علوان المرشح لوظيفة شيخ المشايخ، “فعجب سعيد …، وقال إن رؤوف بكل بساطة خائن ولا يفكر إلا فى الجريمة، فقال الشيخ إنه لذلك رُشح للوظيفة الخطيرة ووعد بتقديم تفسير جديد للقرآن الشريف يتضمن كافة الاحتمالات التي يستفيد منها أى شخص فى الدنيا تبعا لقدرته الشرائية”
… فى هذا الحلم يوجز محفوظ موقفه من الحكومة، والجريمة والعقاب والدين الحقيقى والدين الفاسد فى جرعة واحدة ، الأمر الذى تطور حتى عاد إليه فى آخر أعماله “أحلام فترة النقاهة” وهى من أدلّ أعماله على شخصيته وإيمانه وانتمائه لناسه،
(جـ) ثراء فى الشخصيات لدرجة الإعجاز:
الذى راعنى وتعجبت له ومنه حتى سألته أستوثق من طريقة كتابته هو حضور كل هذه الشخصيات فى عمله المعجزة “حديث الصباح والمساء”، وقد أكد لى أن الترتيب الأبجدى للشخصيات كان كذلك منذ البداية، مع أننى لم أستطع أن أقوم بنقد هذا العمل إلا بعد أن أعدت ترتيب الشخصيات تاريخيا، وبرغم التسلسل الأبجدى استطاع أن يرتب التى مرت بها مصر، لفترة عقود طويلة بكل دقة وإبداع، وقد كتبت عن ذلك تفصيلا فى عددين فى دوريته النقدية (7).
[1] – يحيى الرخاوى: “فى شرف صحبة نجيب محفوظ” نشرة 17-3-2011 الحلقة السابعة والستون الثلاثاء 6/6/1995
[2] – يحيى الرخاوى: “الشحاذ ” نشرت القراءة الأولى فى مجلة الصحة النفسية 1970، ثم فى كتاب “حياتنا والطب النفسى”، القاهرة، دار الغد 1972 ثم فى“قراءات فى نجيب محفوظ” الهيئة المصرية العامة للكتاب 1992
[3] – يحيى الرخاوى: “قراءات فى نجيب محفوظ” الهيئة المصرية العامة للكتاب 1992
[4] – يحيى الرخاوى: “تشكيلات الخلود بين “ملحمة الحرافيش”، و”حـضرة المحترم” العدد السادس – ديسمبر 2013 المجلس الأعلى للثقافة.
[5] – يحيى الرخاوى: “الأسطورة الذاتية: بين سعى كويلهو، وكدْح محفوظ” دورية نجيب محفوظ – العدد الثانى: ديسمبر 2009 المجلس الأعلى للثقافة.
[6] – يحيى الرخاوى: “الفطرة: جدل الإنسان والطبيعة بين التجريم والتحريم والتشويه والتأثيم” مجلة سطور عدد مارس 2006
[7] – يحيى الرخاوى: “حديث الصباح والمساء” يكشف: جدل الإنسان المصرى مع ثوراته عبر قرنين” دورية نجيب محفوظ – العدد الخامس – ديسمبر 2012 – المجلس الأعلى للثقافة.