نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 1-9-2021
السنة الخامسة عشر
العدد: 5114
الأربعاء الحر:
مقتطف من كتاب: بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه (1)
الكتاب الثانى الحالات: من (21) إلى (40)
تذكرة:
ننشر اليوم، وكل أربعاء، – كما ذكرنا – عملاً أقل تنظيرا وأكثر ارتباطا بالممارسة الكلينيكية العملية وخاصة فيما هو “العلاج النفسى”، فنواصل نشر الحالة (26) من الكتاب الثانى من سلسلة الكتب الخمس التي صدرت بعنوان “بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه”، ولا يحتاج الأمر إلى التنويه إلى أن أسماء المتعالجين ليست هى الأسماء الحقيقية، وأننا حورنا أى معالم قد تدل على صاحبها احتراما لحقوقه وشكرا لكرمه بهذا السماح بما يفيد من قد يمر في مثل محنته، أو خبرته أو علاجة!
جزى الله الجميع عنا خيرا
****
الحالة: (26)
الاختيار: بين مستوى الضرورة ومستوى الحرية (2)
د.محمد ابراهيم: هو شاب عنده 25 سنة بيشتغل “مهندس” إتحجز هنا فى المستشفى قبل كده (3)، قعد لمدة شهر ونصف تقريباً، كان تشخيصه فصام بارنوى. كانت الأعراض عند الدخول إن الأهل بيراقبوه، وكان فيه تدهور على مستوى الشغل وعلى المستوى الإجتماعى.
د.يحيى : بتقول عمره خمسة وعشرين سنة ! ومتخرج إمتى؟
د.محمد ابراهيم: متخرج من أربع سنين سنة 2002 .
د.يحيى: يعنى صغير وجدع، متخرج صُغيْر، ما سقطشى يعنى.
د.محمد ابراهيم: آه، مااتأخرش فى الدراسة خالص، كان متفوق فى دراسته، هو مهندس شاطر، وهو قعد فى المستشفى تقريباً هنا 45 يوم وكان صعب جداً، وماكانش فيه بصيرة خالص، من أول ما دخل لحد ما خرج وهو مصمم إن أهله بيراقبوه وعاملين له حاجة مش كويسة، وبعدين لما جه يخرج، كل اللى قدرنا عليه إن إحنا إتفقنا إننا حا نركن الأفكار دى على جنب مدة كده، وننتظم فى الدوا والشغل.
د.يحيى :كده تمام، إحنا مش وظيفتنا نحارب أفكار معينة، إحنا وظيفتنا نمشى المراكب الواقفة، الله نوّر.،…..، هل دى كانت أول مرة يعيا فيها؟
د.محمد ابراهيم: لأ، دى تالت مرة.
د.يحيى : هوا عييى أثناء الدراسة؟
د.محمد ابراهيم: لأ، أثناء الدراسة لأ، المرض كله بدأ بعد ما سافر، قبل مايجى هنا كان بقاله 3 شهور مسافر بره مصر، كان فى الخليج، عيى هناك.
د.يحيى : فيه تاريخ أسرى للأمراض بتاعتنا؟
د.محمد ابراهيم: لأ، خالص، المهم إنه بعد ما خرج من المستشفى المرة دى، وبعد الإتفاق ده، فجأه الدنيا إتحسنت خالص وبقى عنده بصيرة، بطل اللى كان بيقوله، وفهم كل اللى حصل له، وكانت دى أول مرة فعلاً من أول ما بدأ العلاج يبقى شايف الحاجات بحقيقتها، لأنه قبل كده دخل فى مرحلة علاج كان بيعديها والسلام، أهو يتلم كده وخلاص، لكن المرة دى، الظاهر وصلت له حاجه حقيقية فعلاً من خلال الفترة الطويلة اللى قعدها فى المستشفى والحاجات اللى إتعملت معاه، وبقى منتظم على الدواء تماماً لدرجة إنه هو اللى بيتخانق مع أهله لو نسيوا الدواء، عشان أنا كنت مكلفهم إنهم هم اللى يتأكدوا إنه خد الدوا عشان أضمن، لكن اللى حصل إنه هو اللى خد المبادرة منهم، وبقى لازم ياخد بنفسه الجرعة مظبوطة وكمان إنتظم فى الشغل.
د.يحيى : الحمد لله بيجيلك هنا جلسات العلاج النفسى فى المستشفى؟
د.محمد ابراهيم: لأه، بيجيلى فى العيادة، وانتظم فى الشغل كويس، وكل حاجه ماشية كويس جداً، يعنى، ورتب الحاجات.
د.يحيى : السؤال إيه بقى بعد كل الحاجات الحلوة دى؟
د.محمد ابراهيم: السؤال دلوقتى هو بيفكر فى السفر تانى، يعنى هو إحنا كنا اتفقنا إنه مايفكرش فى السفر دلوقتى، بس لسه التأشيرة فيها مساحة كده إنه هو ممكن يسافر.
د.يحيى : بقاله معاك أد إيه؟
د.محمد ابراهيم: بقاله معايا..، بقاله معايا، إحنا ماشيين بانتظام بقالنا دلوقتى تقريباً 5 شهور.
د.يحيى : مرة فى الأسبوع مش كده؟
د. محمد ابراهيم: أيوه.
د.يحيى : الحالة المادية إيه من غير السفرياية دى؟
د.محمد ابراهيم: مش قوى، متوسطة، شغله هنا يعنى بيجيب له حوالى ألف جنية فى الشهرـ أنا مش عارف أوافق على سفره، ولا لأ؟
د.يحيى: دى مشكلة متكررة سواء فيه علاج نفسى أو لأ، إنت بتواجه نفس السؤال كتير لو حالة دخلت المستشفى وخرجت متحسنة، يعنى قصدى أسألك: إيه علاقة ده بعلاقتك بيه من خلال العلاج النفسى لمدة خمس شهور؟ قصدى يعنى إن إحنا ممكن نفحص الموقف ده بصفة عامة، إنما إحنا هنا بنحدد مهمتنا إننا نشوف سوا إزاى العلاج النفسى ممكن يساعدنا فى اتخاذ قرار مناسب لواحد بالذات، مش كده ولا إيه؟!
د. محمد ابراهيم: أيوه كده، ما هو عشان كده أنا باسأل هنا السؤال ده.
د.يحيى : بصراحة هو أنا ماباعرفش أجاوب على السؤال ده بشكل عام، لا بالنسبة للعلاج النفسى، ولا بالنسبة للعيانين عموما، بالاقى نفسى إذا جاوبت إنه لأ ما يسافرشى، وهى دى الإجابة الصحيحة للحالة دى فى تصورى لمدة سنة على الأقل، لو أقول العيان ده ما يسافرشى وأنا عارف ظرووف البلد، ألاقى نفسى باظلمه، إذا جاوبت إنه يسافر، أفتكر حالات عندى سافروا ورجعوا مرتين ثلاثة، رجعوا مكسورين مكسورين، بعد مدة قصيرة (أو طويلة) كل مرة الكسرة بتزيد وبتسيب بلاوى.
د.محمد ابراهيم: هو ده اللى أنا قلقان منه بصراحة، يعنى أنا ميال إنى أحافظ على القليل الموجود هنا، أحسن مايطلع بره ويتبهدل ويرجع تانى.
د.يحيى : هو أصل الإجابة شديدة الصعوبة، أظن إحنا شاورنا هنا مرة وعشرة على حكاية الفرق بين مستوى الضروره، ومستوى الحرية فى الاختيار، وأظن اتكلمنا ومش حانبطل نتكلم عن الإنتقال من مستوى الضرورة إلى مستوى الحرية عشان نبقى بنى آدمين، هى نقلة حضارية للفرد وللمجتمع برضه، وهى نقلة شديدة الدلالة وما عنديش مانع أكرر الكلام فيها لوسمحتم: لو إنت فى مستوى الضرورة ماتقدرش تتكلم على مستوى الحرية…، يعنى كلمة أختار، فعل الاختيار، هو ناقص تماما أو مش موجود لو إنت فى مستوى ما فيش فيه فرصة للاختيار من أصله، “الضرورة” مافيهاش اختيار، يا تقبل يا تموت..، فين الاختيار بقى !!!؟ لما يجيلك واحد لسه بيعافر فى مستوى الضرورة.. الواحد حايقول له إيه؟ لكن لو كان عدّى ده وبقى يمارس حياته، ولو جزئيا فى مستوى الحرية، يعنى ولو يكون مستور ربع ربع.. أهى المسألة تمشى بصعوبة، يعنى بالنسبة للحالة دى، لو قدرنا نستحمل سنة، وهوا بياخد الدوا وكويس زى ما إنت بتقول، يبقى أضمن بصراحة، يعنى أنا، ماعنديش إجابة واضحة لسؤالك! إذا قدرت تشوف حل وسط.. إنه يأجل السفر.. يبقى أحسن. الجدع ده باين عليه جدع، يعنى ما اتوقفشى فى دراسته، واتخرج صغير، ولما عيى وخد فرصة حقيقية أسترد بصيرته، وعرف طبيعة العيا بتاعه، وبيجيلك بانتظام، خسارة نضيع ده كله بأى استعجال، أنا حسب رؤيتى رجوعه بدرى كده، مهما كانت ظروف مدة التأشيرة ما فيهوش ضمانات كافية، التحسن المهم ده ما يصحش يخلينا ننسى إن الآلام جوه شديدة الإلحاح والضغط.. يروح هناك حايلاقى نفسه مكشوف، ولوحده، هنا لما بتتحرك الآلام بدرجة مناسبة، وإحنا بنسمح بده، بيلاقيك جنبه، ثم ما تنساش إن عمره ما عييى هنا وهو بيدرس، وهو صغير فى السن، وأول ما سافر عيى مرة واتنين، أنا عارف إن البلد اللى هو راحها أحسن شوية من بلاد تانية من بلاد الخليج برضه، وطبعا أحسن من العراق زمان، المسألة هناك مش الغربة والوحدة وبس، المصيبة الإهانات الظاهرة والضرب اللى من تحت لتحت، لما يكون واحد إتفك من الضغوط دى لدرجة الضلالات اللى بتقول عليها، وإن أهله بيراقبوه وعايزين يؤذوه، مش يمكن معنى كده إن الأهل هما اللى عايزينه يسافر؟!
د.محمد ابراهيم: يمكن، أنا مش متأكد.
د.يحيى : إنت لازم تحط فى اعتبارك نوع الضغوط، وتناسبها مع نوع الشخصية، مش بس نوع المرض، الضغوط فى غربة أكل العيش مع الناس بتوع الجاز دول: بيبقى فيها إذلال وإهانة خفية مش قليلين..، والإهانه دى بتتضخم لمايكون واحد إتكسر ويا دوب لم نفسه بفضل اللى انت بتقول عليه إن وصل له حاجة حقيقية فى العلاج المرة دى، أظن أهم حاجة بنوصلها، أو بنحاول نوصلها، هى الاحترام، إحترام المرض، وبعدين إحترام تجاوز المرض، مش كده ولا إيه؟ تقوم بعد كده تروح رايح راميه فى الضلمة لوحده؟ تنتظر إيه بالله عليك لو إنت مطرحه،. لكن قول لى، أنا فهمت إن هوه بيشتغل هنا دلوقتى، مش كده؟
د.محمد ابراهيم: أيوه، بيشتغل هنا،…. آه
د.يحيى : يعنى تقدروا تستحملوا مثلا من 6 أشهر إلى سنة؟!
د.محمد ابراهيم: ربنا يسهل.
د.يحيى : فيه حاجه كده لازم أقولها علشان تبقى المناقشة ضمن الإشراف على العلاج النفسى مش مجرد متابعة وتوصيات:
لما يكون عندك حالة تانية زى دى بالضبط، بس ما فيهاش السؤال ده، المأزق ده، بيبقى مستوى شغلك واستغلال العلاقة العلاجية فى حدود عادية، لأن السيف مش على رقبتك، لكن فى حالة زى دى، بنحتاج علاقة أعمق شوية، وبنحتاج تقمص أكثر إيلاما، وإننا نحط فروض وتصورات تخلى الحكاية مش كلها نصايح وتوصيات، ونخلى العلاقة حاضرة وفعالة مش بس فى وقت جلسة العلاج، لأ طول الوقت، وإحنا ثقافتنا واحترامنا لحق الاعتماد يسمح بده.
مافيش حد فيكوا بيحضر القصر العينى مش كده؟ أنا حاحكى لكم على بنت عندنا فى العلاج الجمعى فى القصر العينى، كان الشغل مهم جدا لها كجزء أساسى فى مسيرة علاجها، حتى وصل إنه يكاد يكون شرط لاستمرارها فى العلاج الجمعى معانا، وكانت كل ما تشتغل تسيب الشغل، فإحنا مرة فى جلسة جماعية، بعد ما ناقشنا موضوع الهرب المتكرر بتاعها بالاستقالة، ووصـَّـلنا لها معنى إنها واحدة مننا، وإن لنا حقوق عندها لو فيه علاقة، قعدنا نشتغل فى الحتة دى فى “الجروب”([4]) لحد ما قلنا لها إن إذا كان لينا قيمة عندها، وبتفتكرنا صحيح وهى مش معانا، يبقى لما تقرر تمضى الاستقالة من أى شغلانة جديدة، تحضّر وجوهنا فى خيالها واحد واحد، وتتف علينا واحد واحد، وبعدين تمضى الاستقالة، مش معنى كده إن إحنا بنحرمها من حق التصرف لوحدها، لأ دى كانت رسالة بتختبر الدور الإيجابى فى العلاقة، يعنى اللى بلغها هوا إن إحنا حانبقى معاكى فى القبول والرفض، وإن ده حقنا عليكى لصالحك وصالحنا، حاجة زى كده، يعنى زى ما يكون بلغناها إنك إنتِ من حقك ترفضى الشغل، على شرط ترفضينا معاه بالمرة، مادمنا اتفقنا إن الشغل أساسى فى العلاج، يعنى تتأكدى الأول إننا بنرفضه معاكى، ونتيجة لكده قدرت البنية تستمر فى الشغل مدة أطول، ويبدو إن من خلال ده قدرت تعرف إيه المعنى الإيجابى فى إنها تشتغل وهى بتتعالج، قصدى من الحكاية دى إيه لما نييجى نربطها بحالتك يا محمد، وطبعا حالتك أصعب، لأن العلاقة ثنائية مش جماعية زى العلاج الجمعى، قصدى إن فى العلاج النفسى، ومع حالة ذهانية زى حالتك دى، يعنى مستشفى وضلالات، وست أسابيع، وعيا تلات مرات فى سن صغيرة كده، كل ده بيحتاج منك إن العلاقة تبقى أعمق وأوثق، واللى يحصل يحصل، الحكاية لما توصل للدرجة دى ما تستحملشى موقف تقول فيه للعيان “إنت حر فى قراراتك” والكلام السطحى ده، لأن المأزق هنا جامد قوى، مأزق كينونة مش مجرد قرار سفر، الكسرة هنا بتعلن مأزق كيانى متعلق بإهانة وجوده أكتر من أكل عيشه، وساعتها بنعيد تقييم البصيرة على مستوى الاقتناع والتفكير، يعنى مش كفاية إنه يقولك خلاص أنا عرفت إنى عيان، أو إنى كنت عيان واتعلمت من الخبرة دى وكلام من ده، لأن الإهانة لو اتجددت وجرحت، مش حايحوش أثرها إنه عرف إن اللى كان فيه كان عيا وكلام من ده، لما المسألة بتبقى عيا وضلالات وهلاوس لفرد بذاته، يبقى تخطينا تناولها باعتبارها مشكلة عابره وعايزه آراء وكده، السفر هنا بيبقى إمتحان لوجود فرد، مش رأى فى مشكلة إقتصادية أو إجتماعية، واخد بالك، فمن هنا بييجى دور العلاج النفسى ، وإنها مسألة فردية جدا وخاصة جدا، ما هياش مسألة قرارات وخطب، السفر هنا ممكن يكون بيهدد وجود فرد، مش بيعلن أزمة بطالة مثلا، إحتمال السحق لكيان بنى آدم بذاته، غير تقديم إستجواب فى مجلس الشعب عن عدم حماية أبناءنا فى الخارج، واخد بالك.
د.محمد ابراهيم: يعنى أعمل إيه دلوقتى؟
د.يحيى: يا راجل ما انت عملت كل اللى عليك، خدت الحكاية جد، وحملت هم الجدع، وفْهمته وشاركته، وبتشاركه، ومظبط الدوا، يعنى حا تعمل إيه أكتر من كده؟
د.محمد ابراهيم: يعنى يسافر ولا ما يسافرشى؟
د.يحيى: الله !! إنت كل اللى عليك إنك تاخد كل الكلام ده على بعضه، وتهضمه، يمكن يوجهك إنت وهو ويصبركوا شوية، ومافيش مانع تقول له إنك استشرتنا من غير ذكر إسمه، وده طبيعى فى العلاج النفسى، إحنا مش بنمارس حاجة عيب فى السر، ومن حق العيان والمعالج إنه يعرف إنك مش لوحدك، وإن ده علم، وإنك عضو فى مؤسسة مسئولة، وده مش حايقلل من صورتك قدامه أو حا يخلى شكلك مهزوز، بالعكس، ده يمكن يطمنه زى ما يطمنك، يعنى تأجـّـل شوية لو سمحت، وعلى ما ينقطع الجريد يفعل الله ما يريد.
د.محمد ابراهيم: يعنى إيه؟
د.يحيى: يعنى فيه قرارات سليمة بتيجى لوحدها لما تستوى على نار هادية وتاخد وقتها !! إوعى تفكر إنها حاجة سهلة، إحنا كلنا محتاسين فى الحكاية ديه، وده مش عيب.
د.محمد ابراهيم: شكرا.
****
التعقيب والحوار:
د. ماجدة صالح:
لو كنت مكان د. محمد إبراهيم لصغت هذه المشكلة على شكل المعادلة الآتية:
شاب ناضج + عدم وجود تاريخ للمرض النفسى، كسر عند تلقيه درجة من الإهانة ===> “يعنى هشاشة فى التركيبة”، ثم يستعيد توازنه سريعا (يعنى متلصم). ثم فيزا سارية “لا تعنى وجود عمل فعلى” فى بلد من أكثر البلاد تأثرا بالأزمة الإقتصادية، مما يعنى احتمالات إهانة مضاعفة تضاف للإهانة السابقة قد تؤدى إلى كسرة لا رجعة فيها.
أنا لو كنت مكان د. محمد لاشتغلت بجهد مضاعف فى اتجاه عدم سفره (وليس تأجيله)، وإعادة بناء حياته فى مصر بجهد أكثر وشرف يفخر به.
د. يحيى:
لعل ردّى على الزميل المعالج السائل كان يحوى إشارة إلى مثل هذا الرأى “أن الحكاية بدرى قوى مهما أغرأنا التحسن الحقيقى”، لكن يا د.ماجدة الظرف هنا صعبة جدا جدا، هل نسيتى، عموما أنا أوافقك مرحليا.
أ. محمد المهدى:
تأكدت من أنه لا ينبغى عند اتخاذ قرار يخص علاج مريض ما، علينا أن نضع فى اعتبارنا نوع الضغوط التى يمكن أن يواجهها، ومدى تناسبها مع شخصيته.
د. يحيى:
هذه مسألة حساسة فعلاً، والحسابات ضرورية لأنها قضية عملية وواقعية وصعبة تماما فى نفس الوقت.
د. إسلام إبراهيم أحمد:
يا د. يحيى إزاى نحدد عمق علاقتنا بالمريض؟
د. يحيى:
بالممارسة، والنتائج، والإشراف، والنضج الحقيقى، وربنا.
د. إسلام إبراهيم أحمد:
مشكلة التوقيت: متى نتحرك ومتى نستطيع أن نغير، يبدو أن الحكاية صعبة أوى؟
د. يحيى:
هذه مسئولية لا تعيننا عليها إلا الخبرة الطويلة (والإشراف).
د. إسلام إبراهيم أحمد:
هى المشكلة إذلال ظاهر، ومن تحت لتحت لمن يغترب منا عندهم؟ ولا مشكلة تغيير مجتمع؟ ولا تغيير ثقافة؟ ولا بعد عن الأهل والرحم؟ ولا إيه؟
الموضوع ده شاغلنى جداً.
د. يحيى:
وهو شاغلنى كذلك.
أعتقد أن المشكلة هى كل ذلك،
لكن ممارسة العلاج النفسى هى للأسف فى النهاية مسألة “فردية” فى المقام الأول وينبغى فيها تقديم أولوية التركيز على الأهداف المتوسطة كما ذكرنا قبلا، الهدف تلو الهدف، والقرار تلو القرار، لفرد بذاته فى موقف بذاته.
من الجائز أن نكتشف أمراضا اجتماعية واقتصادية عامة خطيرة، نكتشفها ونحن نتناول المسائل الفردية هكذا، وعلى من يستطيع عن طريق قنوات أخرى أن يوصل ما اكتشفه إلى من يهمه الأمر العام، عامة الناس، أن يقوم بواجبه كما يتراءى له، لكن هذا ليس هو العلاج النفسى لشخص بذاته، وإن كان هو من بعض أثاره الطيبة لو أتيحت الفرصة فى مجالات أخرى.
د. محمد عزت:
كثيراً ما يواجه المعالج مثل هذا المأزق مع المريض حيث يطلب المريض من المعالج مساعدته فى اتخاذ القرار، وكما تعلمنا فإن المعالج يجب أن يكون حذراً إزاء مثل هذه المواقف حيث تتداخل عوامل كثيرة واحتمالات كثيرة تحكم مثل هذا المأزق العلاجى فى هذا الواقع الحياتى.
د. يحيى:
أليس هذا هو ما ذكرناه تماما فى الرد على الزميل السائل؟!! لكن لا بأس من التكرار فهو مفيد فعلا وعلينا أن نتحمل طبيعة صعوبة مهنتنا، وفى نفس الوقت لا تدعى الحياد.
أ. محمد إسماعيل:
استغربت من نفسى جدا وأنا بقرا الحالة لأنى لقيت القرار واضح جداً جوايا، يعنى إنه مايسافرش إلا بعد سنة، ومافهمتش ليه القرار واضح بالصورة دى رغم الحيرة اللى إنت فيها إنت والدكتور محمد.
د. يحيى:
يا شيخ حرام عليك، أدعو الله ألا تتعرض لمثل موقف هذا المريض بعد ارتفاع الأسعار اكثر فأكثر، والبحث عن “شقة” لتتزوج فيها وغير ذلك، أكل العيش صعب يا محمد، ثم لماذا هذا الحسم بأن يسافر بعد “سنة”، ولماذا ليس بعد أربعة عشر شهرا، أو عشرة، يا أخى هناك قاعدة اسمها: “إنتظر لنرى”!! أليس كذلك؟ عموما قرارك أكثر احتراما لمستوى الضرورة من اقتراح د. ماجدة الحاسم قبلك بقليل.
د. أسامة فيكتور:
ذكر د. محمد إبراهيم فى تقديمه للحالة التالى:
“…فجأة الدنيا اتحسنت خالص، وبقى عنده بصيرة، بطل اللى كان بيقوله، وفهم كل اللى حصل له، وبقى لازم ياخذ بنفسه جرعة الدواء مضبوطة، وكمان انتظم فى الشغل”.
بعد هذا الإنجاز الهائل يقول إنه خائف أو متردد من قرار سفر المريض للخارج مرة أخرى، ياه ياه..!! وصلتنى صعوبة عملى وخطورته ومدى المأزق الذى نعيش فيه، فبعد كل هذا التعب يظل المريض عرضة للمرض مرة أخرى، الظاهر أن عيب المرض النفسى إنه لا يعطى مناعة بعد الشفاء منه، أو تجاوز أزمته.
د. يحيى:
من حيث المبدأ هذا احتمال وارد
لكن أيضا علينا أن نتذكر أن تجربة المرض قد تعطى صلابة حقيقية إذا أخذ العلاج وقته، وكان المرض خبرة، برغم خطورتها استطاع المريض من خلالها مع المعالج، أن يقلب النار المشتعلة عشوائيا إلى طاقة، دون الإسراع بإطفائها لتنتهى رمادا خامدا.
د. عمرو دنيا:
فعلا، يا لضرورة مراعاة النظر لما سمى مستوى الضرورة ومستوى الاختيار “الحرية”، ومدى الصعوبة الشديدة للتنقل بينهما لإتخاذ القرار الصحيح.
د. يحيى:
أدعو الله أن تقلب ما وصلك بهذا الوضوح إلى فائدة عملية، لك ولمرضاك (ولنا يا أخى، يا ليت)، وما أصعب ذلك، وإياك أن تستسهل استعمال الكلمات فحسب!
[1] – آسف، ولكننى غيرت العنوان الذى ظهر في الكتاب وقد كان أزمة وجود؟ أم حل مشكلة اقتصادية؟
يحيى الرخاوى: “كتاب: بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه، ” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2018)، والكتاب موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net
[2] – نشرة الإنسان والتطور: 21-12-2008 www.rakhawy.net
[3] – مستشفى دار المقطم للصحة النفسية (مستشفى الرخاوى).
[4] – المجموعة العلاجية . آسف.
السفر هنا بيبقى إمتحان لوجود فرد، مش رأى فى مشكلة إقتصادية أو إجتماعية،
التعليق : ادي ايه الاشراف مفيد .واد ايه القرار صعب .. المشكله مش مجرد حسبة اقتصيادبة. زي ما حضرتك وضحت استشفت نقاط
ان الموقف محير يحتاج لعلاقة أكثر عمقا
*التقمص قد يكون أكثر إيلاما ويضعنا أمام مسؤلية كبيره
*ما يصلح لمريض ما قد لا يصلح لآخر
*عدم وجود تاريخ عائلي إيجابي يجعلنا أكثر تحسبا
*دلالة الأعراض تجعلنا نقيم الغاية من الهجرة أو السفر أكثر ..