نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 18-8-2021
السنة الرابعة عشر
العدد: 5100
الأربعاء الحر:
مقتطف من كتاب: بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه (1)
الكتاب الثانى الحالات: من (21) إلى (40)
الفرق بين الموقف العلاجى
والموقف الشخصى/الأخلاقى (2) (2 من 2)
هذه النشرة خاصة بالحالة التي نشرت الأسبوع الماضى بتاريخ: 11-8-2021، ويستحسن الرجوع إليها وإعادة قراءتها كاملة قبل مواصلة قراءة تعقيبات وحوار اليوم.
ومع ذلك، ونظراً لترجيح الكسل (وهى صفة قومية شائعة!!)، سوف أنشر مقتطفات دالة، برغم أنها لا تكفى، للتذكرة بالحالة ما أمكن ذلك:
مقتطف (1): د.عونى:…. عندى عيانة عندها 35 سنة، متجوزة وعندها 5 أولاد متعلمة لحد تانية إعدادى وبتشتغل خياطة، هى بتشتكى من إن جوزها عنده ضعف فى الانتصاب، هما حاليا ما بيناموش مع بعض فى سرير واحد بقى لهم سنة، هى اللى مضايقها أوى أنها بتعمل حاجتين فى نفس الوقت، فهى بتتصل بأرقام عشوائية لحد ما يرد عليها راجل وتقعد ترغى معاه بالليل، وكمان فيه واحد بتشوفه بانتظام بيناموا مع بعض،.. بيعملوا كل حاجة ما عدا المعاشرة الجنسية.
………..
………..
مقتطف (2): د.يحيى: إنت حاولت تعرف الراجل اللى بتروح له البيت ده بتاخد منه إيه بحقيقى؟ رؤية؟.. علاقة؟….. حماية؟ حب؟ جنس؟ لذة؟ بتاخد إيه فى دول؟
د.عونى: يتهيأ لى كل دول ما عدا الحب.. هى بتقولى “أنا وأنا معاه باحس إنى فى حضن رجل.. مش زى جوزى.. بس أنا ما باحبوش بجد”.
………..
………..
مقتطف (3): د.عونى: أنا آخر جلسة لقيت نفسى بدوّر على الجزء الصغير اللى ممكن تكون مشاركة بيه فى المشكلة، عشان ألاقى حاجة أشتغل فيها معاها، ومابقيتش عارف ده صح ولا غلط.
د.يحيى: اللى انت عملته ده مظبوط، مش إنت عارف الحكاية اللى دايما بارددها حتى فى شعرى فى أغوار النفس، “تبقى جريمة عاملها اتنين، كل جريمة عاملها اتنين، ذنب المقتول ذنب القاتل، أصله استسلم”، فإنك تبحث عن دورها، ده مهم جدا، مش بس دورها فى مقابلة الراجل ده، طبعا ده واضح شوية، لأ، دورها فى خيبة جوزها كمان.
………..
………..
مقتطف (4): د.عونى: هى متجوزة وهى عندها 16 سنة.. إحنا أول مرة كنا وقفنا وأنا باقول لحضرتك إن أنا إبتديت أدور على الحاجة اللى هى ممكن تكون هى مشاركة بيها فى المشكلة.
آخر مرة بعد ما اتعصّبت شوية قالت إنها موافقة إن لها دور بس ما يزيدشى عن 2 % تقريبا من الغلطة دى يعنى.
………..
………..
مقتطف (5): د.يحيى: هى اللى حددت النسبة دى ولا إنت؟
د.عونى: لا أنا قلتلها حددى.. فقالت لى “قطمة”.
………..
………..
د. يحيى: حب الاستطلاع ده صفة إنسانية ممتازة، لكن هى وبس ما يبقاش علاج،.. والواحد بيقدر يفقس نفسه بسهولة.. حب استطلاع من غير “إذَنْ ماذا”؟ ما يبقاش علاج..، فأنت كنت متوقع وإنت بتسأل، لو وصلنا إن لها دور فى اللى جارى، إنت حاتعمل إيه؟ ولو مالهاش دور، إنت برضه حاتعمل إيه؟..
………..
………..
مقتطف (6): د.عونى: أنا قعدت ألف وأدور عشان تقر بدورها ولو حاجة صغيرة خالص.. فطلعت منها كلمة “قطمة” دى.
د.يحيى:.. طيب نكمل من هنا، لو هيه حاجة صغيرة، وانت قبلت ده، كنت ناوى تعمل إيه.. هى ماشية مع الراجل، وبتروح له بيته، وقالت اللى قالته، إذن ماذا؟
………..
………..
مقتطف (7): د.عونى: آه..بيعملوا كل حاجة ما عدا الجنس الكامل.
د.يحيى: ما سألتهاش ليه، وإزاى؟
د.عونى: آه.. هى بتقولى أنا حاسة إنى باسيب الحتة دى، لأن هى دى اللى حاتخلينى أقف قدام ربنا فى الآخرة وأقول له، أنا مش غلطانة.
د.يحيى: يمكن ده تفسير معقول بالنسبة لها،.. لأن لازم اللى وصل لها إن ده فيه جلد، والتانى فيه رجم،
………..
………..
مقتطف (8): د.عونى: هى كمان مش شايفة إن اللى هى بتعمله ده غلط أوى زى ما تكون رابطة حتة أنا ما باحبوش بقلة الشعور بالذنب، مش متأكد، لكن ده اللى أنا حاسه.
………..
………..
مقتطف (9): د.يحيى: الإحساس ده ممكن يكون حاجة من اتنين.. يا إما حاجة شخصية حسب منظومتك الخاصة وده ممكن يكون حاجة واقعية جدا لازم نحترمها، لأنك مثلا خايف عليها من الفضيحة، أو خايف العيال يتأذوا مثلا. والطبيب فى بلدنا زى ما اتفقنا هو والد أولا وأخيرا، مش كده ولا إيه، فإنت مش عايزها تتأذى لا هى ولا أولادها، بس ممكن برضه يكون طالع من منظومة أخلاقية أو دينية عامة أو عندك، إزاى تفرق الموقف ده من احتمال إن يكون الباعث لك فى النهْى، نابع من موقف شخصى أخلاقى أو دينى، يعنى إنك مش عايز الناس تهلـِّس، ويمكن برضه فيه بُعد أعمق من كده حتى، من موقف ذاتى أخْفَى، إنك إنت مش قادر تهلس.. إنت فاهم الفرق يابنى..
د.عونى: بصراحة أنا مش مستحرم اللى الست دى بتعمله قوى .
د.يحيى: طيب إنت شخصيا.. ترضاه على حدّ يهمك أمره؟
د.عونى: لأ … طبعا .
………..
………..
مقتطف (10): د.يحيى: الـبحث عن طبيعة الحوار الجنسى أثناء العلاج النفسى شديد الأهمية، لكنه أصعب من البحث فى الحوار العادى، وفى المشاكل المادية،.. الناس العاديين اللى ما بيعرفوش يعبروا عارفين بالممارسة: يعنى إيه حوار جنسى، وده كلام غالبا ما يتوصفشى بالألفاظ، ثم إن خبرة المعالج الشخصية يمكن –أو غالبا– بتكون ناقصة، الست ساعات ما تاخذش بالها مدة، وبعدين تبتدى تنتبه، فترفض.. ساعات ده يحصل بعد الولادة.. ساعات بعد خناقة تعرى جوزها قدامها، حاجة جواها تنط تقول: “لأ مش ده”، “لأ مش كده”! يبتدى الرفض، هو يحس بالرفض ده على أى مستوى: يعجز، ونخش فى حلقة مفرغة، وعينك ما تشوف إلا البلاوى المسيـّـحة،
………..
………..
مقتطف (11): الخلاصة إن العلاج النفسى بيدّى بديل مؤقت يسمح لك تشوف أكتر فى أكتر، ويسمح للعيان إنه يعيد النظر فى أحكامه السابقة، مش معنى مسألة إن الطبيب والد إنه يمسك عصاية الحلال والحرام، وهات يا أحكام، المسألة هى الرعاية والمسئولية، وإعطاء الفرصة لاكتساب الثقة لإعادة النظر، وبعد كده كل مرحلة تتحسب بنقلة العلاقات، ونوعها: فى كل مرحلة، وبحاجات كتير قوى زى ما انت عارف.
إنت عرضت الحالة بأمانة شديدة، خصوصا حيرتك، ورفضك، وقبولك وصبرك.
****
والآن18/8/2021، دعونا ننتقل إلى ما جاءنا فى بريد الجمعة 12/12/2008 تعقيبا على نشر الحالة كاملة،
علماً بأننى مازلت أوصى بقراءتها مكتملة كما نشرت الأسبوع الماضى قبل الانتقال إلى الحوار حولها.
حوار بريد الجمعة بتاريخ: 12-12-2008
التعقيب والحوار:
د. محمود حجازى:
وصلنى أن الفرق بين الموقف العلاجى والموقف الشخصى الأخلاقى لا يكون واضحا تماما كما ظهر فى عرض الحالة إلا من خلال المناقشة مع مشرف كبير،……، أو فى مراحل متقدمة من الممارسة مع وجود مراجعة دائمة من خلال المعالج لمسيرته وطريقته فى العلاج.
د. يحيى:
هذا صحيح ما أمكن، ثم إن مشكلة الأخلاق، هى مشكلة لم تحل تماما، ألم يعتبر دبليو بوش نفسه حامى حمى الأخلاق وممثل الخير عبر العالم، ألم يصنف كل من خالف فكره، ولم يخضع لتهديد سلاحه شريرا، وأدخله فى “محور الشر” اللى هوّا رسم حدوده، بالنسبة لنا ونحن أغلب من الغلب، فقد رصد أننا نحن ضمن محور الشر، وهو بماذا سمى نفسه؟ خاصة بعد أن تحكـّم فى مسألة الأخلاق من لا يشتغل مع نفسه وربه بالقدر الكافى.
الوقت ضرورى فعلا قبل أن نتصور أننا نستطيع أن نميز الموقف الشخصى من الموقف الأخلاقى من الموقف العلاجى، ناهيك عن أن نلتزم ظاهرا وباطنا بالموقف العلاجى المهنى، المسألة مش سهلة خالص عندك حق.
أ. زكريا عبد الحميد:
الحالة ذكرتنى بما سمعته من أعوام قريبة فى إذاعة لندن (ال بى.بى. سى)، عن كيف أن 40 فى المئة من المصريين فوق سن ال40 يعانون من مشاكل صحية (الرجال تحديدا) فيما يخص المسألة الجنسية.
د. يحيى:
أنا لا أثق فى هذه الأرقام الجامعة اللامعة، بدون تفاصيل، مصدرها ومنهجها، النِّسْبة قد تكون أكثر، وقد تكون أقل، وأحذِّر دائما من أن نستقى معلوماتنا عنا من وسائل الإعلام حتى لو كانت الـ BBC، وبينى وبينك، أنا لا أثق أيضا فى أرقام ما يسمى البحوث الانتشارية عندنا، فالعينة غالبا غير مُمِثِّلَة، وأسئلة الأبحاث دى غالبا ما تكون مباشرة سطحية، فمن أين تأتى المصداقية؟
د. نعمات على:
بصراحة أنا عندى نفس المشكلة، عندى عيانة لها نفس المشكلة تقريبا، ولما عرضتها على حضرتك قلت لى نفس الكلام تقريبا، ففكرت فى موقفى الشخصى والأخلاقى وتعجبت من تقبلى لما تفعل، ولكن مع الوقت اكتشفت أن التقبـّل لابد أن يكون مشروطا بعدد من الجلسات، نقف بعدها وقفة مع المريض أو المريضة، ونعيد التعاقد ثانية على شروط جديدة، بس أهم حاجة تكون العلاقة بين المريض وبين المعالج فيها ما يكفى من صراحة، وأن تشعر المريضة بأن المعالج يشعر بالأحاسيس الخاصة بها.
د. يحيى:
صحيح، لكن المسألة مش عدد الجلسات بقدر ما هى توثيق العلاقة.
أ. محمد إسماعيل:
إمتى أعرف إن ده موقف أخلاقى مش موقف مهنى علاجى؟ وليه ده مايبقاش موقفى شخصيا، هو مش كل معالج بيعالج بوجوده وباللى عنده زى ماقلت لنا؟
د. يحيى:
أظن أن الرد السابق لم يحسم هذا الأمر بشكل جازم، وقد أوصى المشرف بالاستعانة بكل مستويات الإشراف، كما أكد على أن تكون مهمة المعالج هى العلاج، بمعنى فك الإعاقة، وحفز النمو، ويا حبذا منع النكسة، وهى مهمة تختلف عن مهمة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر التى يقوم بها غيره بكفاءة على مسئوليته.
أما أن المعالج بيعالج “بوجوده”، فهذا صحيح، لكننى لمحت سؤالا لم تسأله أنت، لكنه خطر على بإلى من خلال تساؤلاتك، وهو : ماذا يكون الموقف لو أن منظومة المعالج شخصيا تسمح بمثل هذه التصرفات وتعتبرها أخلاقا متينة وتمام التمام؟
أنا لا أريد أن أرد على سؤال طرحته أنا، لكن لنتذكر معا أنه سواء كان المعالج متزمتا، أو منطلقا، فكلاهما موقف شخصى، والنهى عن تداخل الموقف الشخصى مع الموقف المهنى يسرى على الإثنين، وحكاية بيعالج بوجوده، لا تعنى أن نفتح الباب على مصراعيه لتأثير وجوده هذا مهما كان نوع وجوده، هناك عوامل كثيرة جدا تشكل هذا الوجود الذى لا يصح أن يقتصرعلى موقفه الشخصى كفرد، من ضمنها الثقافة الخاصة والعامة، واللحظة التاريخية، والبعد الطولى لما يترتب على احتمال الخلط بين مستويات المواقف وبعضها،..إلخ.
أ. محمد إسماعيل:
متى يمكن أن أرجع فى الشروط اللى حاططها لعيان علشان يكمل؟ يعنى هو لو ما عملش إيه ممكن أرجع فى الشروط؟
وبالنسبة لليومية وصلتنى بس برضه العنوان مختصر.
د. يحيى:
المهم أنها وصلتك، أما العنوان، فلا بد أن يكون مختصرا، إن ما يعيب أى عنوان عادة هو طوله لا إيجازه.
ثم نرجع لحكاية متى أرجع فى الشروط…إلخ؟ والإجابة، كما تعرفها غالبا، هى أن المسألة شديدة المرونة، وتختلف من حالة لحالة، ومن معالج لمعالج، وكثيرا ما يعجز المعالج عن تحديد وقت بذاته لإعادة النظر فى الشروط، وفى هذه الحالة يكون للإشراف دور مفيد جدا، لكن يظل المعالج مسئولا أولا، والقياس بصفة عامة هو بمدى الضرر، وحجم المضاعفات، وسوء استعمال العلاج لأغراض غير علاجية (تبريرية مثلا)، وكل هذا متروك لخبرة المعالج ومهارته (مع الإشراف ما أتيح ذلك).
أ. إسراء فاروق:
حاسة إنى عندى صعوبة فى إنى أفصل فصل حقيقى بين موقفى العلاجى وموقفى الشخصى فى كثير من الأحيان.. وبصراحة لما باحاول أعمل كده باحس بلخبطة، وباحس إن اللخبطة دى واصلة للعيان.. ومش عارفة أعمل إيه؟
د. يحيى:
أشكرك على هذه الأمانة، وأرجوك أن تقبلى فكرة أن تصل لخبطتك للمريض، بدون أن تصرّحى بها لأن المريض يقبل منا ذلك، بشرط ألا يكون اهتزازا أو ربكة، اللخبطة بمعنى الحيرة الأمينة يشاركنا فيها المريض، وكثيرا ما يسهم فى حلها معنا.
ثم إن محاولاتك الواعية شىء طيب، لكنها ليست كل ما هناك، فأنت ما دمت مستمرة فى التدريب والعلاج فالنمو، وتحاولين على كل المستويات التى تعرفينها عن نفسك، والتى لا تعرفينها، فإن هذا هو المهم، الاستمرار والأمانة والوعى والآخرين (الإشراف والمريض) جديرة بأن تشحذ خبرتك كل يوم أكثر فأكثر.
أ. إسراء فاروق:
أنا يا د. يحيى فى الحالة دى بدوّر على موقفى كمعالج مش عارفة ألاقيه، فى حين أن موقفى الشخصى حاضر فى ذهنى كويس.. وده بيخلينى قلقانة؟
د. يحيى:
بينى وبينك، وليس فينا من زعل، لا أحد منا يعرف موقفه الشخصى الحقيقى، إننا نعرف ما نسمح لأنفسنا أن نعرفه، (حاضر فى ذهنى!!) وهذا هو غاية الممكن، أما ما نتطور إليه ونحن نتعلم، وهو موقف شخصى أيضا قد يكون كامنا فينا، فهو أمر آخر،
أرجوا ألا أكون قد زدتك قلقا، لكن دعينا نعترف بصعوبة المسألة، وفى نفس الوقت ضرورة المحاولة والاستمرار.
أ. هالة حمدى:
وصلنى من النشرة أنى كنت حابقى قلقانة من مسألة الوقت اللى أنا باقعده معها (المريضة) من غير ما أغير أى شىء، وكنت برضه مش عارفة هاتصرف إزاى؟ وساعتها كنت حاعمل برأى حضرتك فى إنى أستنى لحد ما يكون فيه علاقة جامدة بينى وبينها، وساعتها حادّيها حرية الاختيار ما بين إنها تسمح لى بمساعدتها بالشروط اللى وصلنالها أو إنها ما تجيش لىّ تانى.
د. يحيى:
هذا تقريبا هو ما جاء فى المناقشة، ومعظم التعقيبات.
أ. هالة حمدى:
فيه حاجة كده انتبهت لها، وهى إن المريضة فعلا ممكن تكون مستعملة د. عونى علشان تتحط تحت بند إنها مريضة، وده يمكن يسندها قدام نفسها أو ممكن يحميها فى وقت الخطر (الفضحية)؟
د. يحيى:
عندك حق، وقد أشرنا إلى أن بعض ذلك الخطر الذى قد يأتى من داخلها مثلما يأتى من خارجها.
د. مدحت منصور:
أنت تقول للمعالج :
” إنت يابـْنى عشان تعرف موقفك الدينى والأخلاقى بتشوف إنت تقدر ولا ما تقدرش، حاتتجاوز ولا حاتحكىّ، خللى بالك، لما بنقرب على الدين والأخلاق، فيه فرق بين القدرة وحقيقة الامتناع والمسئولية، الحكاية بتهرب مننا فى اللاشعور جامد، إحنا بشر غلابة، الحكاية صعب فعلا.”
أرجو من حضرتك تفهمنى أكثر أنا بأحاول أفهم بس محتاج شوية توضيح.
د. يحيى:
على ما أذكر، كان ذلك ردا على المعالج وهو يقول أنه شخصيا موافق على ما تفعله هذه السيدة من الناحية الأخلاقية، أو شىء من هذا القبيل، كنت أريد أن أنبهه أن موافقته هذه لم تُختبر، وأن المريضة لم تحضر فقط، أو غالبا، لطلب هذه الموافقة المشكوك فيها، ودور الإشراف هنا شديد الأهمية لأنه يوضح للمعالج مالا يستطيع أن يكتشفه بنفسه خاصة فى البداية.
ثم إنه لا ينبغى أن نقيس موافقتنا من عدمها إلا بمصلحة المريض، واختياراته ومسئوليته معاً.
د. مدحت منصور:
أخيرا مشكلتى أنا بعد إذن حضرتك لما تركت منظومة الدين والأخلاق فى تقييم الناس والنظر من خلالها وحملتها داخلى فى نفس الوقت حصل إنى ما قدرتش أرفض حد عشان خطيئته، وفى نفس الوقت احترت هو الناس بتعمل كده ليه؟ وفيه قصص مشابهة لقصة الست دى وفى نفس الوقت بقول فيه سبب أو أسباب أو حتى مبررات إنهم يعملوا كده وفيه ناس يمكن التمست لهم أعذار واتهمت نفسى اتهامات أبسطها إنى شيطان أخرس وأقصاها… حاجات مش ولا بد, أنا الحقيقة مش هاممنى الاتهامات قوى بس مش عارف أعمل إيه.. حقيقى محتار.
د. يحيى:
بصراحة وصلتنى أمانتك، وأرجو أن نقرّ معا أن المسألة –فعلا- ليست سهلة، ويمكن أن ترجع إلى مشكلة الأخلاق وكيف تناولناها، دون الوصول – طبعا – إلى حل حاسم.
د. محمد الشاذلى:
أذكر دوماً سؤالك يا سيدى عندما نعرض عليك حالة أثناء الإشراف..
“هل ترضى لهذه المريضة ما ترضاه لأختك أو أمك؟!”
“هل أنت مشغول بهذه المريضة كانشغالك بابنتك؟!”
هذه كانت البداية لى، حين كنت أعجز وأتوتر حين أرى موقفى الشخصى يطرح نفسه بقوه أثناء العلاج، حينها أسأل نفسى ذلك السؤال “يا ترى ماذا يكون موقفى لو كانت هذه هى أختى أو إبنتى؟! أو ماذا سأقدم لأخى أو أبى لو كان فى هذا الموقف؟!”
حين بدأت أرى ذلك وأستعمله، زادت الرؤية وضوحاً، – على عكس ما كنت أتوقع – فهذا هو أنا، أعالج بما هو “أنا”.. هذا البنى آدم فى مقابل هذا البنى آدم..
المعالج الناضج مثل الأب الناضج الذى يسمح لأبنائه بالنمو وبالاختلاف عنه ويظل هو الأب / المعالج الذى يشارك الرؤيه ويدفع أو يمنع..
أظن أن هذا الموقف – بما يحمله من ثقل إنسانى وآدمى ليس بالقليل – يصل للمريض بشكل مباشر أو غير مباشر، وأظنه يحتاج لمعالج إنسان له لون وطعم يعرف، ويعترف، ويحاول.
د. يحيى:
هذه رسالة طيبة ، تطمئننى على بعض ما أريد توصيله.
لكننى أذكرك يا محمد أنها رسالة صعبة صعبة صعبة، إذا أردنا الأمانة مع أنفسنا، ولابد من أن نتذكر فى نفس الوقت الاختلافات الثقافية العامة والفرعية، والاختلافات الفردية، وأن ما هو أنا، وعائلتى، غير ما هو هذه المريضة أو ذلك المريض لو سمحت.
أ. عبير محمد رجب:
الفرق بين الموقف العلاجى والموقف الشخصى غير واضح بالنسبة لى، ولا أستطيع فعل ذلك مع المريض إلا إذا كنت لا أحب هذا المريض ونافرة منه، وقتها لابد لى من هذا الفصل، إلى حد ما، حتى أستطيع استكمال العلاج معه.
د. يحيى:
هى مسألة صعبة فعلا، وتكاد تكون مستحيلة بمعناها المطلق،
لكن المقصود هو ألا نصدر النصائح والآراء والأحكام التى تتطلبها حالة المريض، من موقع الموقف الأخلاقى أو الدينى أو الأيديولوجى الخاص بالمعالج شعوريا أو لاشعوريا، هذا من أشكل ما يمكن، أيضا، ماذا نفعل ونحن اخترنا مهنة بهذه الصعوبة؟ علينا أن نتحمل مسئوليتها طول الوقت وأن نقبل التغيير باستمرار.
د. محمد شحاته فرغلى:
بالرغم من وضوح التباين فى هذه الحالة، إلا أننى بصورة عامة فى الممارسة، أجد صعوبة فى الجمع بين ضرورة الفصل بين الموقف العلاجى والموقف الشخصى، وبين تأكيدك المستمر لنا على أن نعالج المريض “بما هو نحن” من خلال مجتمعنا وبيئتنا، وتزداد الصعوبة أكثر مع سؤالك المتكرر لو كانت هذه المريضة إبنتك أو أختك فما هو قرارك فى هذه الحالة.
د. يحيى:
عندك حق، برجاء الرجوع إلى ردى على عبير حالا، وأيضا تعقيب د.الشاذلى وموافقتى عليه، إلى أن أجد الفرصة والوقت لشرح أكثر تفصيلاً،
عذراً.
[1] – يحيى الرخاوى: “كتاب: بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه، ” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2018)، والكتاب موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net
[2] – نشرة الإنسان والتطور: 7-12-2008 من حالات قصر العينى. www.rakhawy.net