نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 10-4-2022
السنة الخامسة عشر
العدد: 5334
مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى”([1])
الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” (10)
استهلال:
نواصل اليوم هذا النشر المتقطع من هذا الكتاب وآمل أن تُقْرأ نشرة أمس قبل متابعة نشرة اليوم التي سنقدم فيها ما تيسر من الفصل الثالث.
يحيى
الفصل الثالث
التاريخ المرضى السابق
(مع إشارة إلى المرض العضوى، والشخصية قبل المرض)
أولا: التاريخ المرضى السابق
المتن:
يعتبر من التاريخ السابق: أى مرض أو كارثة أو تحوّل بالغ فى السلوك يكون قد حدث قبل بداية المرض النفسى الأخير، سواء كان لفترة مؤقتة أو ممتدة. ويشمل ذلك:
– أى مرض عضوى، صَغُرَ أم كبر. ويعتنى بصفة خاصّة بذكر الأمراض التى ألزمت المريض الفراش مدة طويلة، وخاصة فى الطفولة (مثل الحمى الروماتيزمية)، ويؤخذ فى الاعتبار علاقة المريض بالمرض، والرعاية التى تلقاها، والنكوص الذى سُمِحَ له به.. أثناء الإصابة بها.. إلخ.
وعلاقة الأمراض العضوية السابقة بالمرض النفسى الحالى تتوقف على المدة التى مرت بين هذا وذاك، كما تتوقف على نوع المرض، ويمكن أن يكون المرض العضوى السابق عاملا مهيئا للمرض النفسى الحالى.
التحديث
خبرة أى مرض عامة – بغض النظر عن نوعه – هى خبرة نفسية فى المقام الأول، وهى تعطى فرصة للتعرف على شخصية المريض ومدى صلابته ومقاومته ودرجة تحمله، وهل انتهزها فرصة للنكوص والاعتمادية، أم اعتبرها ضعفا لا يليق بفكرته عن ما يملك من جَلَدٍ ومقاومة، وهل اكتشف من خلال توقف مجرى الصحة العادية أية فرصة للمراجعة أو النقد، كل هذا يسهم فى التعرف على شخصية المريض أثناء المقابلة دون إلزام بربط مباشر بين أى مرض بالذات وبين ما طرأ عليه من مرض نفسى محتمل حالا، لكن يمكن أن يصل الأمر إلى أن يكون المرض العضوى سببا مباشرا فى الأعراض النفسية الحالية، وهناك قول شائع لـــ: هـ .لانج H. Lang ([2]) أن الفرق بين العاقل والمجنون هو بضعة درجات فهرينهيت، يعنى أن هذا الخلط الهذيانى الشديد الذى تصحبه هلاوس وخيالات، تختفى جميعها عادة بمجرد هبوط درجة الحرارة.
المتن:
- يــُـرصد تاريخ أى تدخل جراحى، مع التأكيد على التحضير للعملية ونوع التخدير، ومدّة التخدير، والرعاية اللاحقة، ومدة الإقامة فى المستشفى، ثم المظاهر المصاحبة لحالة المرض عموما مثل: السماح بالنكوص..وغير ذلك، وأخيرا يرصد إن كانت هناك بقايا أعراض أو إعاقة بعد أى عملية جراحية، أو أى تغير فى المعاملة من المحيطين به بعد النقاهة.. إلخ.
التحديث
..وقد تعتبر العمليات الكبيرة التى أعطى المريض فيها محاليل بديلا عن التغذية بالفم لمدّة طويلة أو تمت تغذيته بأنبوبة فى المعدة أو ما شابه قد تعتبر ذات مغزى خاص، حيث قد تمثّل هذه الخبرة للبعض نوعا من إعادة غامضة لخبرة الولادة أو التغذية الرحمية بالحبل السرى قبل وأثناء الفترة الرضيعية، مما قد يمكن أن يترتب عليه من خبرات إيجابية أوسلبية حسب نوع الرعاية والتأهيل المقدّمين فى هذه الفترة .
المتن:
– تسجل الحوادث، والإصابات من كل الأنواع وخاصة حوادث إصابة الرأس وما كان مصاحبا بارتجاج فى المخ (بشرط فقد الوعى لأى فترة زمنية).
التحديث
يعتبر تعبير الارتجاج Concussion ذا دلالة خاصة بالنسبة للحالات النفسية المسماة “بعد الارتجاج” Post Concussion، ويعتبر أن الشخص قد مَرّ بحالة ارتجاج المخ إذا غاب عن الوعى أثناء الحادث (ونادرا بُعَيْدًه) ولو لبضع ثوان، وعادة لا تترتب على ذلك أية آثار شديدة فورية، لكن فى بعض الأحيان وعند بعض الأشخاص المستهدفين تتغير الشخصية برمّتها تغيرا نوعيا قد يصل إلى نقيض ما كانت عليه، وهنا يحتاج الأمر إلى أن يوضع كل ذلك فى الاعتبار أثناء تقييم الحالة الراهنة، وخاصة بالنسبة للتكهن([3])، والمآل([4])، لبذل رعاية خاصة وتأهيل باكر.
المتن:
– معايشة الكوارث العامة، مثل الزلزال، والحرب، والتهجير، أو الكوارث الخاصة مثل الإفلاس أو فقد عدد من الأقارب الأعزاء معاً مرة واحدة أو الانتقال القسرى من محل الإقامة.. ومثل الأوبئة الجماعية الشاملة مثل الكوليرا (1945/1946) ثم مؤخراً هجمة الكورونا (كوفيد 19) (2021) وحتى ظهور هذا العمل.
التحديث
توجد علاقة عامة بين مثل هذه الأحداث ومدى حدتها وبين تفاعل معظم الناس لها، ذلك التفاعل الذى قد يصل إلى درجة المرض النفسى، وقد يستمر مددا طويلة عند بعض الأفراد، أو مثل الأوبئة المعدية البالغة الانتشار مثل “أزمة الكورونا” المحلية والعالمية مؤخرا.
وقد زادت أهمية دور الطب النفسى فى مواجهة آثار الكوارث الجماعية خاصة تلك الناتجة عن تعصب شامل، أو قهر جماعى مثل حروب الإبادة، واجتياح الظلم وتشريد الأبرياء غير المقاتلين، والإغارات الشاملة دون تمييز، والتهجير الجماعى، وللتناول النفسى دوره الهام فى الوقاية والعلاج من مضاعفات كل ذلك.
المتن:
التصادم مع القانون:
– يسجل أيضا – وبحرص شديد – أية أحداث فيها نوع من التصادم مع القانون، كما ينبغى أن تبذل محاولة لمعرفة أبعاد وطبيعة ودلالة مثل هذه المصادمات.
التحديث
على الرغم من أن التصادم مع القانون فى حد ذاته ليس مرضا إلا أنه كثيرا ما يأتى المستشير للاستشارة نتيجة لصدامه مع القانون، ليس بالضرورة بحثا عن شهادة تعفيه من المسئولية، ولكن ربما ضمن تصوُّرٍ أن من مهام الطبيب النفسى فض المنازعات التى تترتب عليها مشاكل نفسية، وكثيرا ما يُحْضِر الأهل المريض للكشف بضغط لأنه يخترق الحدود القانونية ليس فقط بالاعتداء البدنى، وإنما بتجاوزات عائلية مثل السرقة من المنزل ثم من الأقارب، ثم من الأغراب، ويستحسن عدم استسهال الاستجابة لطلب المريض أو الأهل شهادة تعفى من مسئولية أى تجاوز للقانون حتى لا يتخذها المستشير (حتى لو كان مريضا) ذريعة للتمادى فى اختراق القانون، كما أنه قد يبرر للأهل عدم الوقوف فى وجه هذا التمادى بالحزم اللازم.
ثم إنه يوجد نمط من اضطراب الشخصية يسمى الشخصية المضادة للمجتمع Antisocial Personality تتصف بسمات عدوانية لدرجة تكرار التصادم مع القانون بشكل متجاوز ومتكرر، وعادة ما يقدم المريض أسبابا أو تفسيرات لما يفعله، وقد تكون كلها دفاعات وتبرير، لكن يمكن أحيانا أن نلمح بعض معالم إيجابية احتجاجية أو شبه ثورية فى بعض هذه التصرفات، وكل هذا يمكن أن يلتقطه الطبيب ويتعامل معه، لكن ينبغى أن يتحدد ذلك فى إطار أبعاد المهنة، وأهدافها ولا يقوم مقام القانون.
وبالنسبة للطب النفسى الإيقاعحيوى التطورى فإن هذا الجزء الأخير من التحديث قد يمتد حتى يحفز الطبيب للبحث عن معنى مخالفة القانون والغاية منه، ولا يكتفى باستقصاء الأسباب الحقيقية أو المحتملة، يبحث عن ذلك لا لتبرير المخالفة، وإنما لفهم المعنى الذى يفسر ظهور المرض أو تمادية وكذا الأعراض عموما من هذا المنطلق.
………………..
…………………
ونواصل الأسبوع القادم
_____________________
[1] – انتهيت من مراجعة أصول “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” وهو من ثلاث أبواب: وسوف نواصل النشر البطىء آملا في حوار، وهو (تحت الطبع) ورقيا، إلكترونيا حاليا بالموقع: www.rakhawy.net
[2] – هـ. لانج H. Lang صاحب كتاب Split Self وأحد رواد حركة “ضد الطب النفسى” Anti Psychiatry التى ظهرت فى الخمسينات عقب الحرب العالمة الثانية وكانت بمثابة احتجاج على العقل البشرى الذى يزعم السواء وبرغم ذلك لا يتورع عن ارتكاب كل هذه المذابح على الجانبين.
[3] – Prognosis
[4] – Outcome
صباح الخير يا مولانا:
المقتطف : …يبحث عن ذلك لا لتبرير المخالفة، وإنما لفهم المعنى الذى يفسر ظهور المرض أو تمادية وكذا الأعراض عموما من هذا المنطلق.
التعليق : لعل هذه الخاصية تكون من أهم الخصائص المميزة للطبنفسى الايقاعحيوى التطورى ،لكن أظن أن ممارستها بحاجة إلى تدريب خاص يحتاجه المعالج بهذه المدرسة ،فعلى سبيل المثال : عملية تفسير وفهم معنى الأعراض ،كيف يتمكن المعالج من القيام بها وتوصيلها للمريض دون أن يكون فى ذلك اتهاما للمريض بادعاء المرض ،أو بتعمد إعلانه ؟وكيف يستطيع المعالج نفسه أن يتلقى ويفسر ويفهم،ويصيغ فروضه ،ثم يتحقق منها ويراجعها ،وينقدها ؟لا تؤاخذنى يا مولانا ،إنه تكنيك علاجى شديد الخطورة والصعوبة ،بنفس قدر الفائدة المرجوة منه ،لكنه يحتاج وحده إلى مزيد من الشرح والتطوير والتدريب ،ألاتتفق معى أنه بحاجة مثلا إلى تصميم بعض الورش التدريبية حتى يتمكن المعالجون من ممارسته ؟ألا يحتاج منا أولا أن تمنحه إسما ،وخطوات وآليات لتطبيقه بشكل عملى ؟!
نعم هو شديد الخطورة والصعوبة، لكنه هو هو الذى يقرب مهنتنا من “فن الطب النفسى” أكثر من علم الطب النفسى المستورد جدًا
وأنا معك أنه يحتاج إلى مزيد من الشرح والتطوير
لكن الأهم كما قلت “مزيد من التدريب والاشراف”،
مثل أي فن من الفنون
يدور سجال في العالم كله تقريبا في محاولة لمقارنة بوتن / روسيا —بالغرب عموما .
هذا سجال اجوف غبي .
اولا :- اصحاب هذا السجال شديدي السطحية ولا يعيشون الواقع اطلاقا .
اولا لابد ان تناول اي حدث بهنا والآن وليس بمنطق التاريخ .
هنا والآن هو لماذا يخلق بوتن لنفسه عدو وهمي اسمه الغرب .
يا سادة نعيش في عالم علي وشك الانقراض نتيجة لسيطرة قوي المال والغطرسة والعدم تقريبا علي كل شيء . هذا هو العدو الاول والاخير. بوتن عنتري اهبل دكتاتور جاهل بحقائق عصره ويريد ان يبني لنفسه هالة من الامبراطورية الوهمية التي انتهت من ٢٥ سنة علي الاقل عندما سقط حائط برلين وهذه كانت نهاية الحقبة الشيوعية السوفيتية الي الابد .
كونه يغزو بلد مجاور ويدمرها ويشرد اهلها لمصالح وهمية هو قمة الجهل والجهالة .
نعيش في عالم شديد التعقيد فاقد ( معظمه ) لاهلية الحياة ولبوصلة وجوده الحتمية .
بوتن لا يقارن بالغرب لان وغدنتهم واضحة ومنظمة وليس لهم اي اطماع في روسيا لانها في نهاية النهاية لهم مصالح مشتركة معها.
العالم اليوم يقوده اساطين المال والعدم ويجروه الي هاوية سحيقة ما لها من قرار. الغزوات العنترية لبوتن الاهبل ابن الاهبل ليس لها اي معني وهي فاشلة من اول يوم .
لن تستغني روسيا عن الغرب . ولن تستغني الصين ولا الهند عن الغرب لان الغرب ما زال سيد العالم شاء من شاء وابي من ابي .
المواجهة الشاملة بين القوي الجديدة ( الصين والهند خصوصا وليس روسيا ) والغرب لم يأن اوانها بعد .
ولذلك بوتن هو اغبي واحد بلا منازع .
الدكتاتورية والنظرة تحت الاقدام دون رؤية الصورة الكاملة هي عنوان لكل الفشل علي مر العصور .
فاعتبروا يا اولي الابصار لو كنتم لسة موجودين .
عذرا يا أخى محمد شاهين
هذا مقال في السياسة كله، صحيح أن مهنتنا تتلامس مع أحوال الناس ومصارعة أية قوى غاشمة
لكن هذا يأتي في مقام آخر وسياق آخر،
عذرا لعدم نشر مقالك لخروجه عن السياق الطبى فهو مقال فى عزّ السياسة والعياذ بالله!!.