نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 9-1-2022
السنة الخامسة عشر
العدد: 5244
مقتطفات كتاب
“الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” (1)
الباب الأول: “النظرية ومعالم الفروض الأساسية” (14)
مقدمة:
نواصل اليوم هذا النشر المتقطع من هذا الكتاب، لعله الأهم، أن تُقْرأ نشرة اليوم التى سنقدم فيها ما تيسر من الفصل الرابع، وأوصى بالبدء بقراءة نشرة أمس.
يحيى
الفصل الرابع
“مسارات الوعى وتشكيلات المعلومات” (2)
…………………….
…………………….
ثانياً: المخ العدوانى التوجسى:
وهو ما يظهر نشاطه ليلعب دوره باعتباره الطور التالى مباشرة للطور السابق وأسميه أيضا الطور“الكرّ فرّى” Fight Flight وهو ما يقابل “الموقع البارانوى”، عند ميلانى كلاين، ويمكن أن نرجع هذا المستوى الى الوجود الحيوى الذى يسود حياة الوحوش (ومعظم الأحياء) فى الغابة، وهو الذى يتصف معظم الوقت “بالكر والفر”، بالهجوم والدفاع، وربما يغلب فيه مبدأ أن البقاء للأقوى (الذى لم يعد هو المبدأ الوحيد الذى يفسر بقاء من بقى)، ولهذا فضلتُ تسميته “المخ الكرّفرِّى” Fight Flight Brain.
هذا الطور (بالتعاون والتبادل مع الطور الانسحابى الانعزالى) يشوه أى احتمال للاقتراب من “الأخر” (“الأم”غالبا فى هذه المرحلة) لأنه لم يتخلق منفردا بعد، فهو لا يملك أى مقومات للاطمئنان إلى ضرورة الآخر ليتكون، وينمو، وكلما شعر باقتراب هذا الآخر ، زاد خوفا مما يبرر انسحابا أكبر.
هذا من حيث المبدأ هو لسان حال الطفل فى هذا الطور، لكنه قد يظل سمة غالبة برغم نمو الطفل يافعا ووالدا وتظهر كل هذه السمات سلوكيا فى الشخصية التجنبية Avoidant أو الشيزيدية Schizoid !!
عموما مع تواصل الانسحاب يتواصل الإلغاء، وينغلق الطفل/الشخص على ذاته فى الكيان البادى، وبرغم أن هذا الانسحاب هو خط الدفاع الأول إلا أنه مع استمرار تكراره حتى الدوام قد يعلن اختيار الضياع واللاشىء ويلغى فرص تكوين أية علاقة صحيحة مع أخر (الموضوع) لينتهى فى محيط الظلام (بحر الظلمة).
إن الجاهزية للانسحاب والانعزال وإلغاء الموضوع لا تعنى أنه لا توجد حركة أصلا فى هذا الطورً، لأن الحركة لا تتوقف أبدا فى أى طور من هذه الاطوار طالما الإنسان ما زال على قيد الحياة، لكنها حركة فى المحل (محلـَّكْ سٍـِرْ) بمعنى أن دائرة النبض قد تنغلق آخرها فى أولها بالضبط، فتستمر الحركة زائفة مهما نشطت، وهو بذلك يتجنب العلاقة كما يتجنب أى تغيير مهدِّد، دون اللجوء إلى معارك الكر والفر بعد. ولا إلى محاولة تنشيط برنامج الدخول والخروج طبعا.
مزيد من التأكيد على أن الحركة فى المحل ليست تقدما نحو الموضوع حتى لو كانت إرضاء للآخر (هنا : الأم) وحتى لو أن هذا الآخر قد رضى بها أو انخدع فيها بل إنه قد يساهم فى دعمها لأنه بدوره قد لا يعترف بوجود الطفل كيانا ناميا قادرا على الانفصال والاستقلال، فالانسحاب ضمان دائم، والركن مآلٌ واقٍ.
ويتمادى الشك ورفض القرب حتى الاعتراف بأن هذا الانسحاب هو أكثر أمانا، وتنقلب أية علاقة إلى تبادل الاتهامات دون تلاحم حقيقى أو جدل موضوعى.
ثم يأتى التسليم والاعتراف العملى بأن الأمان الزائف، وما يشبه العلاقة هو كل الممكن، وأن الحوار مع الموضوع لا يمثل نمائية وإنما نشاط في المحل.
لكن الحنين إلى الرجوع إلى الرحم (الكهف/القوقعة/العش/القبر) يظل يلح فى مواجهة خطر الاقتراب من الآخر، وأيضا لصد العلاقات الزائفة والسطحية ثم كل العلاقات، وهنا تأكيد آخر لتلاحم دور الانعزال والانسحاب مع دور الكرفر التوجسى.
وقد يتضاعف الشك كلما لاحت نبضة جديدة تلوح بمحاولة جديدة للاقتراب سرعان ما يمحوها التوجس والشك فى الآخر، ويقلب أى اقتراب إلى علاقة زائفة.
ثم قد تحل العلاقة الكلامية الاغترابية محل أى علاقة وجدانية بنـَّـاءه، وكذلك يحل الكلام ووصف المشاعر بالألفاظ محل معايشة الإحساس والانطلاق منه.
يبدو من المناسب أن ندمج الطور الكرفرَّى التوجسى مع الطور الانسحابى الانعزالى أحيانا حين يدعم كل طور الآخر ويتبادلان النشاط حسب مختلف المثيرات، وبالتالى يصبح الحديث عن الطور الكرفرى التوجسى هو فى نفس الوقت حديث عن الطور الانعزالى الانسحابى، بمعنى أن الأخير إنما هو “ذراع الفر” فى آلية “برنامج” “الكرّفرّ“.
خلاصة القول فى هذا التقديم هو: أننا إذا كنا قد ركزنا سابقا على ذراع الفرار والهرب عودة إلى أمان زائف داخل الرحم، فإننا الآن سوف ننتقل إلى التركيز على ذراع التوجس/الكرّ/الهجوم الدفاعى، وهذا ما يمثل الطور التالى الذى كان يسمى الموقف البارنوى Paranoid position في مدرسة العلاقة بالموضوع.
حتى نعرف أصل هذا الهجوم، لا بد أن نبدأ من أساليب التوجس، والخوف من الاقتراب، ومن التلويح بالحب دون ضمان حب داعم، ومن هنا بدت إضافة صفة “التوجسى” ضرورية.
وإذا كانت مدرسة العلاقة بالموضوع تتهم الأم أنها هى المسئولة عن شحن هذا الطور بما يجعله جاهزا للتنشيط المرضى فى مواجهة ضغوط فائقة، فإن النظر فى استجابة الطفل النامى هى التى يمكن أن تبين طبيعة ومسار آثار هذا الشحن، أما إذا أرجعنا طبيعة هذا الدور إلى اصله التطورى، فإن علينا أن نحترم دور الكيان النامى (سواء على مسار التطور أو كمرحلة فى نمو الطفل ، أو أثناء العلاج) فى الدفاع المشروع – فى حدود متطلبات المرحلة – وهكذا علينا أن نتقمص دفاعات هذا الطور مهما بلغت مزعجة وخطيرة باعتبارها دفاعات أصيلة وعميقة ناشئة من قديم عبر تاريخ التطور كله، كذلك لا ننسى – بعد التعديل- أنه “طور” حسب النظرية الحالية وليس “موقعا” حسب نظرية “العلاقة بالموضوع”، وأنه دائم الاستعادة وليس قاصرا على فترة نمو (أو تطور) معينة وهو جاهز للجدل أيضا.
بعد كل هذه المقدمات نعود ونؤكد من جديد على أن الطورين الأول والثانى فى دورات النمو: (وطوال العمر) يغذى أحدهما الآخر من حيث التبادل والتعاون لإبعاد “الموضوع”، وإنما يسمى الطور باسم الذراع الغالب فى “آلية الكر والفر”، فإن كان الذراع الغالب هو “ذراع الفر” حتى إلغاء الآخر فهو الطور الانسحابى الانعزالى، أما إذا كان الذراع الغالب بالتبادل هو ذراع الكرّ، أى الهجوم والتوقى والتوجس والشك، فهو الطور الكرّفرّى التوجسى.
وبعد
كل ذلك – بداهة – لا يعتبر مرضيا إلا إذا توقف النمو عنده، أو عاد إليه أكثر مما تسمح به قواعد وآليات برنامج الدخول والخروج فى الجدلية النمائية.
ثالثاً: المخ العلاقاتى الاجتماعى العسِر:
وهو ما يقابل الموقع الاكتئابى فى مدرسة “العلاقة بالموضوع”، وقد ابتدعت هذه التسمية الأحدث لأعلن بها طبيعة الوجود البشرى حين يضطر لتحمل التناقض فى وساد الوعى الظاهر ثمنا لعلاقة حقيقية بموضوع حقيقى يمارس معه الجدل والإبداع والكدح طول الوقت، ويبدو أن هذا المخ هو المخ الأجهز للقيام بمهمة النمو بالتوليف بين المتناقضات فى مختلف صور الإبداع (بما يشمل الإبداع الذاتى فى النموّ الفردى، وإبداع النوع فى التطور)، على أن هذا الطور ليس اكتئابيا إلا فى عسر تحمله لثنائية الوجدان مع الموضوع، أما وجهه الأخر فهو حين ينجح فى عمل علاقة تكمل معالم نموه بشراً اجتماعيا، لذلك فالأجدر به أن يتصف باسم بديل يليق بوصفه برغم ظاهر معاناته وألمه فيصبح الاسم الأصح: المخ العلاقاتى الاجتماعى العسر (2)
إن هذه الأطوار هى تنظيمات تطورية ونمائية وآنيّة ومتناوبة ونشطة: فهى طبيعة بشرية موجودة عند كل فرد منذ البداية، وفى نفس الوقت هى تمثل سلوكا غائرا (بما تدعم بالبـَصـْم Imprinting (3) أحيانا أو تماما على مسار التطور، وكل ما تفعله الأم والتربية عامة، هى أن تطلق نشاط أى تركيب للفترة المناسبة التى تستلهمها من فطرتها إذا لم تكن قد تشوهت، وقد تـَـطولُ كل مرحلة أو تـَـقـْـصـُـرُ قبل أن تنتقل إلى سيطرة المرحلة التالية، وكأن التنشئة تعيد تاريخ تطور الفرد، من جهة، وتدعم كل مرحلة، بما تيسر، وبما تسمح به الظروف ومدى نضج الأم بالذات، وكذا إيجابية الوسط المحيط، من جهة أخرى، وذلك من خلال المعاملة التى تحيط بكل مرحلة للوقت المناسب، ويكون المطـْلـِقُ (Releaser) عادة هو نوع المعاملة (اللغة/الشفرة) اللازمة لإطلاقها، ثم إن هذه الأطوار تظل تتبادل مع بعضها فى النوم واليقظة، وفى مواقف الحياة المتنوعة طول العمر، ولكن فى الظروف الطبيعية فإن محصلة الغلبة فى مجموع نشاطها تظل لصالح تفوق مستوى واحدى أحدث يستطيع أن يؤلف بين المستويات الأخرى فى كلٍّ فاعل: مع تبادل مناسب حسب متطلبات الواقع، وحفز مسيرة الإبداع إلى مستويات الوعى المتمادية الاتساع نحو غـَـيـْـب يقينىّ إلى وجه الوعى المطلق نحو الغيب “إليه” وهو ما اسميته المخ العلاقاتى الإبداعى – فى الـْــَيِتـَكــَّون in the making (4) – وهو يشير أيضا إلى دوره فيما يقابل التنظيم المحورى المتجدد النمائى باستمرار.
يختلف تفسير هذا الطور فى نظريتنا الحالية عن افتراضات نظرية العلاقة بالموضوع Object Relation حيث تعتبر “ميلانى كلاين” أن الموقف الاكتئابى هو ناتج من تناقض الوجدان تجاه الأم المُحِبـَّة، وفى نفس الوقت المهـِّددة بالترك نتيجة لذهابها المتكرر غير المبرر للطفل الذى لا يطيق تحمل هذا التناقض لدرجة أنه يفضل أن يتخلص منها، وبمجرد أن يفعل ذلك – فى الخيال طبعا– يشعر بالذنب لأنه ارتكب جريمة قتل من يحب وفى نفس الوقت حَرَم نفسه منه!! وفى خبرتنا لم يكن الشعور بالذنب محوريا هكذا فى إمراضية الاكتئاب، وترتب على ذلك أننا انتبهنا إلى أهمية التعمق فى صعوبة موقف ثنائية الوجدان المرتبط بمسار المحاولة الجادة لتوثيق العلاقة بالآخر وأن هذه الصعوبة المصاحبة بالتردد هى أصل الاكتئاب ولا يحتاج الأمر إلى هذا التفسير المركب بالقتل ثم الفقد ثم الذنب،…. فإن ما نراه فى أصل هذا الاكتئاب هو أنه التعبير المباشر عن: صعوبة إرساء علاقة حقيقية للإبقاء على الاستمرار مع الموضوع المختلف الصعب المتناقض كمصدر للحب، ويستمر هذا الشعور حتى يستطيع الطفل (الناضج فيما بعد طبعا) أن يحوّل “تناقض الوجدان” إلى “تحمل الغموض” Tolorance of Ambiguity فتستمر العلاقة بآلامها ووعودها، ولكن يتواصل النضج.
النقلة إلى لغة مستويات الوعى والنيوروبيولوجى
إن نبض الإيقاعحيوى المستمر لا يقوم فقط بترتيب مستويات الوعى (أمخاخ الدماغ) ترتيبا هيراراكيا منظما متبادلا متسقا: فى المحل فحسب: بل يمتد إلى أبعاد أخرى: ونظرا لأن مسار النمو هو مسار جدلىّ إبداعى ممتد، فإن امتداده طوليا فى بُعد الزمن، يجرى مع برامج التطور، وعلى مسار النضج الإبداعى نحو المطلق.
هذه العملية المستمرة ليل نهار، حلما ويقظة، تواصلا وانسحابا، تلزمنا بأن نحاول الإلمام بمشوار هذا الكائن البشرى وهو يحمل بداخله كل هذه الأحياء، ثم يضاف إليه هذا الكم الهائل من المعلومات التى تصل إليه ابتداء كأجسام غريبة عن تركيبه مما يحتاج معه إلى تمثـّلها وإبداعها فى كلٍّ جديد من خلال نبض الإيقاعحيوى المستمر، نـُـــلِم بكل ذلك لنعين المريض ونحن فى معيــَّـته (معا).
حين كانت هذه العمليات تتم باتباع برامج التطور فى الأحياء قبل الانسان كان جزاء نجاحها هو الاستمرار والبقاء، وكارثة فشلها هى الإنقراض، لكن فى حالة الإنسان أصبح دوره فى حمل هذه المهمة بدرجة من الوعى والمسئولية تحديا بقائيا وإيمانيا لمواصلة رحلة تطوره “إليه”، وهو ما يتجلى فى الصحة الإيجابية والإبداع، مصاحـَـبٌ بقدر من الألم والكدح البنـّـاء، كما أصبح فشله هو ما يظهر فى صورة أمراض متنوعة حسب مراحل الفشل وعواقبها وتدخلات تفاقم الفشل أو الحد من تماديه: وهو ما يترتب عليه ظهور هذا المرض النفسى أو ذاك.
كذلك قد يتفق هذا التنظيم المحورى – من حيث المبدأ – مع فكرة “سيلفانو أريتى” عن ”الفكرة المركزية/الغائية”، وقد وصلنى استعماله كلمة ”فكرة” مرتبطا بالعمق البيولوجى لما هو منظومة بيولوجية غائرة ليست بالضرورة شعورية، أو مرموزة، وعلى ذلك فإنه من منطلق النظرية الحالية فإن مهمة الايقاع الحيوى هى مهمة جوهرية فى تدعيم هذا الدفع الإبداعى الإيقاعى المستمر، ودفع الثمن اللازم الموظف لتمكين التبادل وتدعيم التكامل لاستمرار النمو.
الخلاصة:
حتى تكتمل الصورة، لابد أن نربط بين الأبعاد السابقة، وبين الإيقاعحيوى الذى يجرى باستمرار وانتظام، مع اختلاف أبعاده واختلاف وحدة الزمن حسب نوع النبضة ووظيفتها وكيف أن له دور حاسم فى ترتيب وتنسيق كل من التنظيم الهيراركى المتصاعد، والتنظيم المحورى (الجذبمركزي) الغائى، ذلك لأنه يتيح الفرصة لنشاط المستويات بالتبادل، كما أنه يحاول أن يسهم بكل نبضة فى الدفع إلى:
-
مزيد من الاستيعاب فالتمثل، ==>
-
بالاستعادة recapitulation من جهة،
-
وبتأكيد الغائية من جهة أخرى،==>
-
ثم بالتشكيل المستمر للولاف المحتمل،==>
-
ومن ثــَـــمّ الإبداع المرحلى المفتوح النهاية: لتستمر المسيرة “إليه”!!.
نخلـُصُ من كل ذلك إلى أن مفهوم الإنسان فى شكله المقترح من خلال هذه النظرية الايقاعية التطورية، ينبغى أن يتسع ليشمل مواكبة هذه الحركية الإيقاعية باستمرار فى الليل والنهار، فى الحلم واليقظة، فى السعى والراحة، فى الحِلّ والترحال للإسهام في تواصل مسارها لما خلقت له!.
هكذا يمكن أن نخلص إلى القول بأنه:
بقدر نجاح الايقاع الحيوى المستمر فى الإسهام فى دوامية التنظيم والتشكيل (على المستويات المختلفة) تكون الــصحة ة والنمو والابداع،
والعكس صحيح: فإن فشل الايقاع الحيوى فى أداء وظيفته الدافعة المنظمة الإبداعية سوف ينتج عنه مظاهر مرضية فى طورى الايقاع:
أحدها يظهر فى شكل فرط البسط دون استيعاب، مع احتمال التوقف عند أحد مراحل الاستعادة توقفا مؤقتا أو مزمنا،
والثانى يظهر فى شكل مزيد من التباعد المشتت فى طور التمدد مما يجعل المعلومات المدخلة تائهة بحيث تظل أجساما غريبة غير قابلة للتمثل، فضلا عن لاجدوى النبض اليوماوى فى تبادل الأدوار باعتبار أنها ستصبح دائرة مغلقة معادة لا أكثر ولا أقل، مما يجعلها عرضه إلى أى نشاز أو عجز أو جمود أو اندمال أو انفجار.
فهو المرض.
……..
(ونكمل الأسبوع القادم)
لتقديم الفصل الخامس: “فى نقد النظرية (محاولة ليست موضوعية تماما)”
[1] – انتهيت من مراجعة أصول “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” وهو من ثلاث أبواب: وسوف نواصل النشر البطىء آملا في حوار، منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2021) (تحت الطبع)
[2] – هذا الثالوث يختلف اختلافا جذريا عن ما وصلنى من الطبنفسى التطورى التقليدى (الأصل)، حيث يستعمل الطب النفسى التطورى التقليدى مصطلح “المخ الثلاثى” Triune Brain وهو يربط مستوياته الثلاثة بتركيبات تشريحية وفسيولوجية ثم يفسر من خلالها الأمراض الواحد تلو الآخر، وهو ما لم يقنعنى لشدة التبسيط وغلبة الموْقعةْ Localization وهو ما لا يتفق مع تنظيرى، وبالتالى لم أستشهد به؟
[3] – هذه الدراسة مبنية على فكرة انتقال العادات المكتسبة (الدالة تطوريا) بالوراثة وهى فكرة لها أنصارها وإثباتاتها المعاصرة.
[4] – كلمة “الــْـيتكون” هى كلمة قمت بنحتها – إضغاما – لأننى وجدتها الترجمة المناسبة للتعبير الانجليزى in the making فكلاهما يفيد الحيوية والنبض والإبداع والاستمرار.
المقتطف :هذا الطور (بالتعاون والتبادل مع الطور الانسحابى الانعزالى) يشوه أى احتمال للاقتراب من “الأخر” (“الأم”غالبا فى هذه المرحلة) لأنه لم يتخلق منفردا بعد، فهو لا يملك أى مقومات للاطمئنان إلى ضرورة الآخر ليتكون، وينمو، وكلما شعر باقتراب هذا الآخر ، زاد خوفا مما يبرر انسحابا أكبر.
هذا من حيث
التعليق :
الشرح للعبة الامخاخ جذبني جدا
يبدو لي ان هذا المخ يعبر عن عجزه في ان يتشرب شئ خارجي امن بديل عن الاشياء الداخلية غير الامنه المحفزة لرؤية الخارج كشئ مهدد .. عجز عن ائتناس بشئ يُهدأ من روعة هذا الشئ الداخلي المتوجس ..
*استخدمت مصطلح الشئ من ميلاني كلاين ..
الشىء فى هذا الموقف هو خارجى وليس داخليا ويبدأ من أى “آخر”، ليس أنا Not. Me بدءًا من الأم بعد انفصاله عنها
صباح الخير يا مولانا :
المقتطف : ….التنظيم الهيراركى المتصاعد، والتنظيم المحورى (الجذبمركزي) الغائى،
التعليق : هذه العبارة بكل ما تحمله من كثافة وتركيز وثراء ،جعلتنى أرى أن “نظرية الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى”ليست مجرد نظرية فى الطب والمرض والعلاج ،وإنما هى نظرية فلسفية بامتياز ،وأن الطب النفسى فيها هو جانبها التطبيقى،واسمح لى يا مولانا أن أعرض هنا تفسيرى لرؤيتى هذه …فقد وجدت أن هذه العبارة تسبح فوق محيط من الرؤية للإنسان ،والوجود ،والله ،وهو ما لا تكتمل أى فلسفة إلا برؤيتها له متكاملا معا ،و أرجو أن تتحملنى وأنا أقوم بربط هذه الرؤية بقراءتى للفلسفة الأرسطية حيث يرى أرسطو أن الموجودات تخرج من حالة الوجود بالقوة إلى حالة الوجود بالفعل عن طريق الحركة ،والحركة عنده هى حركة جذب مركزى غائى ،بمعنى أن أى موجود يتحرك منجذبا إلى الغاية من وجوده ،وأن هذه الغاية هى التى تعطيه الصورة التى يوجد عليها والصورة تتشكل من المادة بفعل فاعل : مثال الكرسى مثلا : فالكرسى غاية وجوده أن نستريح عليه ،فيصنعه صانعه من مادة مناسبة لذلك على صورة تؤدى ذلك ،وهكذا كل الموجودات تترابط فيما بينها بما تؤديه لبعضها من غايات تجذبها إلى الوجود حتى تصل إلى الغاية الأولى وهى غاية الوجود التى تحركه كله ، ،مندفعا إليها ،بقوة جذبها له ،وإلى هنا توقف إبداع أرسطو ولم يستطع أن يصف أكثر من ذلك ،مكتفيا بتشبيه انجذاب الوجود إلى غايته كما ينجذب العاشق إلى معشوقه ….ما أريد قوله أننى رأيت أن” نظرية الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى”كأنها تكمل ما بدأه أرسطو ،فهى تتناول هيراركية الأمخاخ فى الإنسان الذى ينضوى فيه تاريخ الحياة( والوجود ) وتتناوب فى داخله بايقاع ينتظم حول محور مركزى له جاذبية الغاية، ، هذا عن الإنسان والحياة ،أما عن الله ،فنجد أن النظرية هنا قد تركت النهاية مفتوحة إليه ،ولم تصفه إلا بأنه ” ليس كمثله شيء ،وأظن أنها قد أحالت من أراد المزيد إلى ” نقلة مع مولانا النفرى ” ….أرجو أن أكون قد استطعت توصيل ما أراه ،وأتمنى أن تسامحنى على ما كتبته ،فهو مجرد اجتهاد فى الرؤية
الاجتهاد، مهما شطح، له شرف المحاولة ولم أجد فى محاولتك إلا إضافة هادفة، شكرا
صباح الخير يا مولانا:
المقتطف : ….كذلك قد يتفق هذا التنظيم المحورى
التعليق : أظن أن فكرة ” التنظيم المحورى ” عند ساندور رادو كانت موجودة فى فقرة سابقة على هذه( فى مسودة سابقة ) ،ولعلها سقطت أو تم اختصارها ،لكننى أرى أنها كانت مكتوبة بشكل مهم فيما سبق ،وأراها مهمة هنا حتى تتضح الفكرة كاملة
سوف أرجع إلى ساندو رادو، وما كتبته عنه
شكرا
صباح الخير يا مولانا:
المقتطف : ….ويستمر هذا الشعور حتى يستطيع الطفل (الناضج فيما بعد طبعا) أن يحوّل “تناقض الوجدان” إلى “تحمل الغموض” Tolorance of Ambiguity فتستمر العلاقة بآلامها ووعودها، ولكن يتواصل النضج.
أحالنى هذا المقتطف إلى إبداع ” النجيب المحفوظ” لشخصية شهرزاد فى رواية ” ليالى ألف ليلة وليلة ” فاقتطفت من حديثها مع أبيها عن شهريار ،ما تقول فيه :
_ كلما اقترب منى تنشقت رائحة الدم
_أما أنا فأعرف أن مقامى ف الصبر كما علمنى الشيخ الأكبر.
وذهبت إلى إبداع ” الرخاوى ” فى قراءة هذه الرواية ،فوجدت العنوان ” القتل بين مقامى العبادة والدم ” و كأنه يحدثنا عن ” قبول التناقض وتحمل الغموض ” وبحثت عن شهر زاد ومقام صبرها فى قراأتك للرواية ،فلم أجدها ،فقلت : لعل مولانا استلهمها فى حديثه عن المخ العلاقاتى العسر ،ولعل شيخهاالأكبر ( مولانا البلخى) ا لآن ف ال يتكون !
أعتقد أن الفرض أوسع وأشمل كثيرا من هذه اللقطة
شكراً