نشرة الإنسان والتطور
نشرة الأحد: 7-5-2017
السنة العاشرة
العدد: 3536
مقتطفات:
إرهاصات الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (2)
مقدمة:
مازلنا مع هذا العمل – عندما يتعرى الإنسان– الذى كتب من خمسين عاما يعلن عمق وأصالة الفكرة ، ويبرر ما ترتب عليها من فروض
المقتطف الخامس (جزء آخر من الحوار من فصل: “الشعلة والحريق”أيضا ) …
الحكيم (الطبيب)
- بل إنها محنة على الطريق.. إن المبدأ لا يعيبه تأخر تحقيقه أو صعوبة تطبيقه؛ كل إنسان لابد أن يأكل ويعيش، لابد للحق أن ينتصر، لابد للحرية الحقيقية أن تزدهر، فقط….الوقت، الإشكال الآن هو أن إنسان الأمس بخوفه وضعفه ونقصه، يطبق اليوم.. نظرية الغد، فينشأ التضارب والفشل، ولكن الفشل فى التطبيق لا ينبغى أن يفقدنا الثقة فى المبادئ.. وفى الغد.. وفى التطور.
المريض - إذن ماذا؟
- أنت لا تملك إلا هذا.
- هذا ماذا؟
- أن تستمر.
- لم أعد أستطيع.
- الكيمياء تهدىء الألم وتحافظ على قوة الجمرة وإن خفــُـتَ بريقه مؤقتا.. ثم تستمر.
- وكيف أطمئن ثانية بعد أن هزنى الخوف والشك
- ليس هناك بديل.
- وما أدراك
- خبرتى وعلمى وحبى للحياة الذى لا يهتز.
- هل تحب الحياة، فعلاً؟
- نعم
- حتى ما تناثر فيها من الشظايا المنتفخة بالعفن، مثلى
- وبخاصة الشظايا المنتفخة بالعفن، فوراءها طاقة الانسان المتطورة الخلاقة.
- ألن تتخلى عنى؟
- لا أستطيع
- مهما أصابتك شظاياى؟
- مهما حدث
- وهل أستطيع؟
- وهل تستطيع غير ذلك؟
- لا أظن
المقتطف السادس (مدخل إلى فصل: “العلاّمة” …)
قال الحكيم:
– ليس على العلم خوف ولا فى حديثنا عنه حرج، ولا ينتقص منه أن يمر أحد رهبانه بأزمة وجود، وعلى أية حال فإن المبالغة فى تقديس معطياته دون تمحيص، وعبادة أرقام بطريقة عمياء، قد يزركش الطريق ولكنه ليس دائما دليلا على سلامته وصحته، وعلينا أن نعرف قصوره حتى نسكتمل أبعاده وإلا انزلقنا إلى سبيل ضال رغم بريقه، قد يعوق تطور الانسان ونحن نتصور أنه يزين حاضر حياته، وحكاية اليوم لا تنقص من العلم بل تزيد من إمكانياته، ولا تنفى ضرورته بل توسع آفاقه.، وهى حكاية “العلامة” الذى كاد يكفر بعلمه حين اهتز كيانه.
قال الفتى:
- وكيف كان ذلك؟
…….
(قرب نهاية الحوار بين الطبيب والعالم الذى تصدّع وهو يرفض الزيف: من فصل “العلاّمة)
……………
– تعلـّمنى نظريات جديدة غير مضمونة النجاح، لقد شبعت نظريات.
الطبيب (الحكيم):
– بل تحس بنبض الصحة من واقع خْذْ وهاتْ
– على ألا أرجع للكتب ومعمل الأبحاث.
– بل حين ترجع للكتب ومعمل الأبحاث سوف تملؤها من فيض خبرة حياتك، وجسارة صدقك.
– أنت تحلم
- أنا أمارس هذا الحلم
- عندهم حق
- من؟
– الذين يقولون أنكم مثلنا
- حتى نفهمكم؟
- ومن يفهمكم؟
- أنتم
- لغة خاصة فى سراديب طبية !! ؟
- نخترق بها الحواجز
- أى حواجز؟
- كل معوقات التطور
- ولن تتركنى؟
- لا أستطيع
- لماذا؟
- لأننا لا نفترق حتى لو تباعدنا، أنا أحتاجك مثلما تحتاجنى
- تحتاج هذه النفاية البشرية!
- بداخلها طاقة الذرة المتفجرة
- لماذا تحتاجنى؟
- ليزداد البشر واحدا
- يا صلاة النبى
- عليه الصلاة والسلام ……
…………………..
………………….
ثم (بين الفتى والحكيم:)
الحكيم :
ولو نظر الشباب إلى من سبقوهم فى طريق الخداع وحاولوا أن يغوصوا فى أعماقهم ليعرفوا مدى تحقيقهم لأهدافهم لاتَّعظوا قبل فوات الأوان، ومهما خافوا من الألم أن يهدد سكينتهم الراكدة فهم سيعلمون هول المصير الكالح ممن سبقهم، لذلك فهم قد يتعلمون أن للثورات وقت مناسب فى محطات متتالية، لو فاتهم الانتباه إليها وأضاعوا فرصهم تباعا فقد لا تلوح لهم من جديد.
قال الفتى:
- أخالك تصعـّب عليهم الحياة.
قال الحكيم:
- ليس عندى بين الأبيض والأسود ظلال، إما أن نحيا أو لا نحيا، ليستسلمْ من شاء، وليخالفْ من شاء وليترددْ من شاء، ولكن الذى سيستمر هو الذى سيختار الحياة ليوقف التدهور.
قال الفتى:
- ولكن الناس كلهم يختارون الحياة.
قال الحكيم:
- هم يختارون البقاء للبقاء سواء كان بقاء فيه حياة لها صفات الإنسان أم كان بقاء مؤقتاً يماثل بقاء أولاد عمومتنا الذين سبقونا وتوقفوا، يرتضون الحياة التى تشكلت، الحياة سابقة التجهيز، ولكنهم لا يشكلونها، هم يتسابقون فى حجرة مغلقة مبطنة بالكاوتشوك الطرى فلا يتألمون، ولكن الحياة التى أعنيها هى الصراع للتطور، وليس فقط المحافظة على البقاء.
قال الفتى:
– وكأنك تريد القضاء على الإنسان الحالى فى مقابل وهم فى رأسك تزعم أنه ممكن.
قال الحكيم:
– أنا لا أزعم شيئا ولا أتوهم خيالا، ولكن قانون الحياة فرض علىّ كإنسان أن أكون فى موقع من المعركة هو المقدمة، على خط النار، وأنا كطبيب نفسي أرى الصراع الممثل فى المرض النفسى يمثل صراع الإنسان مع أجداده الحيوانات الذين يحملهم بين خلاياه، فالانسان يحمل كل آثاره القديمة وكل الصفات التى ورثها عن أجداده جميعاً، إلا أنه يتحكم فيها ويوجهها لتخدم صفاته الإنسانية، وهذه الآثار القديمة تثور عليه حين ينساها فيكون المرض، لذلك أنا لا أملك أن أزعم شيئا خاصا مبتدَعاً، وإنما وجودى على خط النار يلزمنى بترجيح الغد على الأمس، على أن يستمد الغدّ قوته من طاقة الأمس، فيصبح إنسان اليوم وحدة متكاملة متناسقة تخدم مرحلة التطور الحالية: لا تنسى التاريخ وهى تصنع المستقبل، وقد كنت فى أول رحلتى مع النفوس المتصدِّعة أتصور أن الطبيب ينبغى ألا يتصور نفسه مصلحاً أو داعية، ولكن بعد فترة وجدت ذلك امتهانا لإنسانيتى، فلا يمكن أن تأتينى الثورة حتى عندى ثم يكون كل دورى هو أن أتفرج عليها… أحجم عن المشاركة فى توجيهها للغد.. لا، لقد قررت أن أعيش، وأن أشارك، وأن أرجح كفة الغد، ما أتيحت لى الفرصة لذلك.
قال الفتى:
– ألا تخشى أن تفرض مُعتقداتك على المرضى أو قل: على الثائرين إن شئت،. سمِّهم كما ترى؟
قال الحكيم:
-
بل هم الذين علمونى معتقداتى، هم الذين جعلونى أومن بالانسان وبالغد الذى يبدأ الآن، وهم الذين فرضوا علىّ النقلة من ”مطبطباتى” إلى إنسان يضع خبرته وعواطفه مع التطور مهما كلفه ذلك من جهد.
…………….
…………….
قال الفتى:
– إذن مازال الرجل برغم كل هذه المعاناة مؤمناً بالحق، ساعيا إليه بالرغم من كل ما جرى
قال الحكيم:
- نعم وإن كان الطريق شاقا وطويلا، إلا أن الإنسان الذى يرفض الزيف حتى بالمرض، لا يستسلم إلا بعد جولات وجولات، ونادراً ماتكون الضربة قاضية بعد ما عرف الطريق دون أن تصعقه الضربات الأولى.
قال الفتى:
- ولكن لماذا امتلأت حياتنا هكذا بالزيف، أنت تعرى فى حكاياتك كل الأشياء حتى تبدو الحياة أحيانا وكأنها تمثيلية سخيفة.
قال الحكيم:
- وبالرغم من ذلك فإن القليل الحقيقى فى هذه الحياة هو الذى يبقى، ولكن يبدو يا بنى أنه لابد من الكثير الغث حتى يظهر القليل الجوهر، والإنسان يلجأ إلى السيطرة والقوة وإلى العلم وإلى كل ما يغريه بالتفوق ولكنه لا يصل إلى جوهر الأشياء إلا بالصدق والسعى والكدح إلى الحق ناقدا معاوِدا.