نشرة “الإنسان والتطور“
21-3-2011
السنة الرابعة
العدد: 1298
مزيد من إعادة النظر ومراجعة فى:
كيف تشكل وعى هذا الشباب الرائع؟
مقال قديم 1996(1 من 2)
مقدمة:
فى بريد الجمعة الماضى ذكّـرنا الصديق د. أحمد أبو الوفا بما ينبغى أن نتذكره هذه الأيام بوجه خاص، بدءا من الأعداد الأولى لهذه النشرة وسلسلة النشرات المتتالية لنقد موجة “ماذا حدث للمصريين” والتى نشرناها تحت عنوان “بعض وصف بعض مصر”، وأشار بشكل خاص إلى الحلقة الثانية من هذه السلسلة بتاريخ 24-9-2007 حتى وصل إلى ما نعيد نشره هذه الأيام من قصص قصيرة فى محاولة بيان كيف تشكل وعى شباب 25 يناير 2011.
وقد أشار سيادته تحديدا إلى مقال قديم لى منذ حوالى خمسة عشر عاما بعنوان “ماذا طرأ على شباب مصر، وعنوان فرعى يقول “الشباب يحتاجون إلى الاحترام لا الإنكار” وقد نشر فى مجلة الهلال عدد أغسطس 1996، وقد وعدته فى ردى أن أستجيب لهذه اللمحة الطيبة الذكية، بإعادة نشر هذا المقال حالة كوننا منشغلون بالبحث فى تشكيل وعى الشباب سابقا ولاحقا، وكيف يمكن أن نساهم فى أن يواصلوا فضلهم فى الحفاظ على إنجازهم، وخاصة أننى تصورت أنهم يحتاجون إلى الاحترام أكثر من الشكر، كما يحتاجون إلا الشوَفان أكثر من التصفيق والنفخ، فضلا عن ما نحتاجه كلنا من قيم جديدة، وعمل جاد، وسعى حثيث، وإبداع مغامر.
رجعت إلى المقال وإذا بى أفاجأ – كالعادة هذه الأيام- أننى كتبت فيه معظم ما كان يشاع عن ما طرأ عى الشباب تلك الأيام، وأغلبه شجب وتهوين، وبعضه وصف، وقليل منه رؤية وأمل، وتذكرت كيف كتبته بتكنيك جديد استلهمته من لعبة “نعم….ولكن…” التى نلعبها أساسا فى العلاج الجمعى، والتى نشرنا بعض أمثلة منها فى هذه النشرة (تعتعة الوفد 4-8-2010 “لعبة: “نعم .. ولكن” فى السياسة والحب!”)، والغريب، الذى اصبح مألوفا بعد هذه المراجعات أننى وجدت فى أغلب اللاكنات (جمع “لكن”) بعض ملامح لما حدث ويحدث هذه الأيام
وهأنذا أعيد نشر المقال على يومين (اليوم وباكر) لأننى وجدته شديد التكثيف، فخفت من أن يصل بجرعة تحول دون تأمله، هذا، علما بأننى لم أغير فى المقال إلا أننى جعلت العنوان الفرعى هو العنوان الرئيسى هكذا:
الشباب يحتاجون إلى الاحترام، لا الإنكار
ماذا طرأ على شباب مصر؟! (1 من 2)
نشرت في مجلة الهلال عدد أغسطس 1996
أما بالنسبة للمتن، فلم أغير فيه حرفا، إلا تصحيح الإملاء، وإعادة تنظيم تشكيل الإخراج بما يناسب ما أردت التركيز عليه، أما ما خطر لى من إضافات دالة ، قد تفيد فى المساعدة فى الربط بما يحدث الآن، فقد اكتفيت بأن أضيفه فى هوامش قليلة جدا شديدة الإيجاز بعيدا عن المتن:
المقال
لابد من التنبيه ابتداء إلى أن أغلب الذين يتكلمون عن الشباب – مثل حالتى الآن(1)– ليسوا شبابا، والخوف كل الخوف أن يتكلموا إما عن شبابهم هم، أو عن تصوراتهم عن الشباب، وليس عن هؤلاء الشباب اللحم الحى الذى يسير حولنا، ويثيرنا، ويحملنا مسئولية ما آل إليه وهو يحاول ما استطاع أن يستمر بأى صورة كانت.
ثم إن كل ما يمكن أن يرصد فى مسألة الشباب إجابة عن “ماذا جد عليهم؟” ومن هم، وكيف هم، له أكثر من وجه، بمعنى:
- إنه من الخطأ تصنيف الظواهر التى نرصدها حول تحولات الشباب بلغة أحادية اللون (أبيض، أسود، أحمر.. إلخ)،
- أو استقطابية الأبعاد: بمعنى أن المسألة ليست مظاهر “سلبية” فى مقابل مظاهر ”إيجابية”، أو “سيىء” مقابل ”حسن”،
- أو “جماعات” مقابل “منحلين”،
- أو ”غربيين” مقابل “سلفيين”،
إلى آخر هذا التصنيف السريع، بل إن النظر وراء كل ظاهرة سواء كانت سيئة أم حسنة فى الظاهر قد يظهر لنا بعدا أعمق يهدينا إلى حكم أشمل وأصدق.
وكذلك فإن حل المشاكل واختبار الفروض على الورق. دون الواقع، هو أخطأ ما يمكن أن نعالج به أمور الشباب، فالمسألة ينبغى أن تُتَناول
o حيثما هم،
o كما هم،
o بما هم،
إلى ما يمكن ويتطور، وليس بالضرورة إلى ما نرى ونجزم.
نعود إلى السؤال المطروح: ماذا طرأ على شباب مصر أخيرا؟
سؤال صعب إذا شئنا أن نكون عند حسن ظن السائل. إذْ:
o من يعرف؟
o ومن يجرؤ أن يجزم؟
o ومن يخطئ فيعمم؟
وفى محاولتى للإجابة عن هذا السؤال أبدأ بإعلان بعض تحفظاتى، وتحديد بعض مصادرى على الوجه التالى:
أكتب كلامى هذا باعتباره نتاج وجودى بين الناس، ومنهم شباب هذه الأيام، مضروبا فى تكوينى العلمى والاكاديمى الذى أصبح بعض ذاتى، فأعرض رؤيتى فى شكل فروض تسير بنا فى اتجاه يمكن أن يلقى بعض الضوء على ما يجرى، وما قد يصير.
وإذا طرحنا جانبا ما يمكن أن نرجع إليه من نتائج الأبحاث ذات الأعداد المؤلفة “بالألف” والتى عادة ما تعتمد على صيغة أسئلة يجاب عنها بالإيجاب أو النفى أو غير ذلك، باعتبار أنها مجرد مصدر واحد مازالت مصداقيته مقولة بالتشكيك لا بسبب عدم الدقة أو عدم الكفاية، وإنما بسبب صيغة المنهج المحدودة الدلالة، إذا طرحنا هذا المصدر جانبا – على الأقل فيما يخص هذا المقال – فمن أين أستلهم الفروض لأعرض رؤيتى؟
إننى أرى أن الانطباع بالممارسة الصحيحة ينبغى أن يؤخذ فى الاعتبار وخاصة من كبار السن أمثالى الذين أتيحت لهم فرصة مواكبة أجيال مختلفة، وأعنى بالممارسة الصحيحة، تلك العلاقة العميقة الممتدة مع الشباب فى ظروف مختلفة كالتى تتاح
Ø للمدرس الحقيقى،
Ø والطبيب الحكيم،
Ø والمدرب الصديق..
Ø والوالدين اليقظين.. الخ،
على أن ثمة مصادر أخرى لا يمكن إغفالها رغم أنها تـُهمل فى العادة، وذلك مثل:
إبداعات الشباب
أو الإبداعات التى تحكى عن الشباب
أو مزاج التلقى عند الشباب:
- ليملأ به وعيه،
- أو يستجلب به بهجته،
- أو يخدر به انتباهه،
- أو يقتل به وقته،
- أو يحيى به وقته،
- أو يحقق به لذته،
- أو يهرب فيه من ألمه،
- أو يلهى به نفسه،
- أو يبرر به حياته،
وهذا – كما ترى – يشمل عالما بل عوالم زاخرة من النشاطات والممارسات المتعددة المشارب والأشكال، بحيث يكاد يشمل كل شئ من أول: الأغنية التافهة، حتى الالتزام بالصلاة بالمسجد كلا الأوقات، أو الانتماء إلى الجماعات/ أو شمة الهيروين.
لكل هذا فإننى أعلن ابتداء أننى أكتب من واقع ما تجمع لدى – فىّ- تلقائيا من خلال الممارسة الإكلينيكية من ناحية، وبالذات من خلال العلاج الجمعى، وإلى درجة أقل من خلال دورى كأب وكأستاذ، ثم نظراتى فى المصادر السالفة الذكر مع استثناء المصدر المعلوماتى الكمِّى المجرد.
وانطلاقا من ذلك أقول:
إن الشباب فى مصر يمر بأزمة خطيرة خطيرة، حتى أقول إنها تكاد تبدو لى أحيانا أنها أخطر ما مر به عبر تاريخنا المعاصر (تصور مدى فزعى!!!”(2)
وعلى هذا الأساس، سوف أعرض بعض المظاهر، دون أن أصنفها ابتداء: إلى سلبيات وإيجابيات، لأننى سوف أمارس لعبة تسمى “… نعم .. ولكن”. بمعنى أن الواحد منا قد يذكر مقولة أو يطرح أطروحة أو يبدى رأيا، لكنه سرعان ما يردفه بما يخففه أو يناقضه أو حتى ينفيه،
وهى لعبة لها وجه سلبى حين تكون وظيفتها تأكيد الميوعة والتخلى عن مسئولية التحديد، ومثال ذلك:
نعم أنا مخطيء فى حق فلان، ولكن هو الذى بدأ وهو يستأهل أكثر من ذلك “فقد نفى بهذا الاستدراك ما جاء فى الجملة الأولي”
كما أن لها وجها إيجابيا: حين تكون طريقة فى التعبير الدال على الرؤية الأشمل واحتمال الخطأ مثل:
نعم نحن المسلمين هم الذين سوف يدخلون الجنة فحسب، ولكن الله أرحم وأعدل من كل ما نتصور ونعرف،
وبما أنه لا يمكن التعميم، فسوف أقدم دائما تمييزا كمّـيا يحدد رؤيتى بقدر الاستطاعة، “تمييزا مثل: “بعض”، ”أغلب”، “قلة من” ..، إلخ”، وسأضعه ببنط مختلف(3) (فى هذه النشرة) فى بداية كل فقرة، وإليكم رؤيتى:
1- نعم: “أغلب” الشباب المصرى اليوم لا يتقن شيئا، ولا يتعمق فى شىء، لغته مترهلة تقريبية، ومعلوماته حرفية سطحية، وعلاقاته سريعة مجهضة (“الأمثلة: أغلب طلبة الجامعة وخريجيها بل وهيئات تدريسها وجمهرة غالبة من الموظفين بلا وظيفة: فى الحكومة والقطاع العام”).
ولكن ..
إذا أتيحت لهؤلاء الشباب الفرصة فى ظل منظومة محكمة، ومتابعة ملاحقة، فإننا نفاجأ أنه أنجز وتعمق وأتقن، وأضاف “الأمثلة: شبابنا فى الخارج، وبعض قفزات إنجازات الداخل فى مجال السياحة أو التجارة وليس فى مجال البحث العلمى أو فدادين الاستصلاح الخمسة (!!) للأسف”
2- “ نعم: “أغلب” الشباب المصرى تنازل عن حقه فى الحلم، وفى الخيال، وفى الأمل، بحيث أصبحت قياساته آنِيّة،ومطالبه عاجلة، وحكمه فورى.
ولكن ..
إذا ضاق به الواقع فإنه يندفع إلى خيال أسطورى جامح، وبعضهم يروِّض هذا الخيال فيحقق به واقعا أقوى من الخيال، مثل شطحات الهجرة الناجحة، وإنجازات الإبداع الواعدة والمتزايدة.
3- نعم: “أغلب” الشباب المصرى يفتقر إلى الإبداع، فهو إما نسخة مكررة من صورة سلفية (وليس من إبداع السلف الصالح)، وإما أراجوز نشط يقلد المستورد من الخواجات بلا إضافة ولا تمييز.
ولكن ..
يبدو لى فى كثير من الأحيان أن هذا جمود مرحلى يعلن الشاب من خلاله موقفا احتجاجيا، وفى نفس الوقت ينذر بانقضاض خطير، وقد يتم هذا الانقضاض باختراق التقاليد فالإنطلاق الإبداعى، كما قد يتجه إلى عكس ذلك حسب الفرص المتاحة.
4 – نعم: “أغلب” الشباب المصرى شاخ قبل أوانه، ولبس عمامة الجد الصارم، فنحن نرى الآن القيم الأخلاقية (التقليدية عادة) والدينية (الشكلية عادة) تتجه من تحت إلى فوق، من الأبناء إلى الوالدين، وليس العكس كما كان مألوفا، فالابن هو الذى ينبه والده إلى الحفاظ على الصلاة فى المسجد كل الأوقات، والبنت تنصح، وأحيانا تفرض على أمها لبس الحجاب، ولا اعتراض على ذلك من حيث المبدأ، لكن ما يصاحب هذا الموقف الوعظى، والإرشادى، يكون عادة اتباعا حرفيا لمظاهر وطقوس الدين دون إكمال الحوار مع الله، أو مع النص أو مع الآخر، فيصبح الشباب عجوزا يصدر أحكاما، وليس مستكشفا يطور موقفا.
ولكن ..
هذا الموقف الأخلاقى (السطحى) الكهل، يعلن فى داخله حاجة الشباب الى الفضيلة، والرغبة فى الالتزام، صحيح أن ما أتيح له من ممارسات ومفاهيم حول الفضيلة كان مختزلا وظاهريا، ولكن مجرد الاهتمام بما يجب وما لايجب هو إعلان ضمنى بأن الشباب يحاول أن يأخذ المسائل جدا لا هزلا، وأنه حريص على الحصول على منظومة مامن القيم، وأنه لم يجد “تشكيلة” كافية فى سوق القيم المعروض عليه، فاكتفى بالجاهز الواضح مهما كان سطحيا أو مختزلا.
وبعد
نكتفى بهذا القدر إلى الغد ، وقد نعيد فقط هذه الفقرات الأربعة دون المقدمة، فاللعبة امتدت إلى إحدى عشرة فقرة، وبصراحة: أنا توقفت لأدعوك إلى قراءة مع بعد “لكن” مستقلا مرة أخرى حتى نلتقى غدا ونحن ننشر كل الفقرات معا.
[1] – 1996 !! فما بالك الآن 2011
[2] – 1996
[3] – فى هذه النشرة دون المقال الأصلى