نشرة “الإنسان والتطور”
19-10-2011
السنة الخامسة
العدد: 1510
مقالتان: أمس واليوم عمرهما 12 سنة (2)
مقدمة معادة: هل قرأهما أحد؟ هل سيقرأهما أحد؟
لست متأكدا لماذا أعيد نشرهما على أربع نشرات اليوم وغدا !؟ ثم الأسبوع القادم!!
هل هو كسل أن أكتب جديدا أم استسهال أم تذكرة أم غرور أم ماذا؟
مرة أخرة، يبدو أنها ليست أخيرة: عثرت على هاتين المقالتين المتتاليتين نشرتا منذ اثنى عشر عاما فى الأهرام بتاريخ 14-5-1999، ثم 1-6-1999، فتساءلت:
هل قرأهما أحد؟
وهل أثرا فى أحد؟
وهل لأى منهما علاقة بربيع الشرق الأوسط؟!! بالربيع العربى؟!! بالجارى والذى سيجرى؟
المقال الأول: 14-5-1999 كان بعنوان: العولمة ونوعية الحياة، وقد قسمته الآن إلى جزأين، الأول بعنوان: “الاختلاف نوعىٌّ والإغارة متلاحقة“، وقد نشر أمس والثانى بعنوان: “حقيقة أن “الله موجود” تغيّر كل الوجود”
…………
هل حدث شىء خلال هذه الأثنى عشر عاما؟
وهل سيقرأهما الآن أحد أم سيكون مصيرهما مجهولا مثلما أرجح أنه كان كذلك عند النشر الأول ؟
تصورت، وأنا أرجعهما، أننا أحوج ما نكون إلى توظيفهما من جديد بدأ بما هو نحن ثم عبر العالم لعلنا نساهم فى إنقاذ الجنس البشرى، كل من موقعه وبقدراته، إنقاذه مما ينحدر إليه تحت شعارات كاذبة وقيم زائفة.
لم أغير حرفا فيهما، فقط سوّدت ما أردت التنبيه إليه بإعادة النشر!
*****
الجزء الثانى: حقيقة أن “الله موجودًا” تغيّر كل الوجود
أن الحياة تختلف كل الإختلاف إذا كان الله موجوداً عنها إن لم يكن موجوداً.
أننى أتصور أن المسألة كالآتى:
هناك نوعان أساسيان من الوجود البشرى يمكن أن نتحقق منهما عند المتدين(أو من يدعى ذلك)، وأيضا عند غير المتدين(أو الذى يتصور ذلك):
النوع الأول هو النوع الذى يقف شامخاً فخوراً لينتهى عند أعلى نقطة فوق هامة الإنسان وقد زانه عقله ولمعته أدواته(وهو ما يمثله اغلب ما يسمى الحضارة الغربية الشمالية التكنولوجية، الخ).
والنوع الثانى هو الذى تمثله الحضارات الايمانية التوحيدية التواصلية النابضة الممتدة إلى ما لا يحد من وجودها عقل ظاهر، او وصاية إله محدودة.
ثم ان هذين النوعين من الوجود يختلفان اختلافاً جوهرياً، بحيث تصطبغ الحياه بطعم مغاير عند من يعيش هذا النوع أو ذاك، على الرغم من تشابه الأدوات والأمكانات المتاحة.
وأتصور أن وجودنا نحن المصريين مثلاً الممتد من ألاف السنين مشدوداً بالخلود دائراً حول التوحيد، مازال يمثل أو يمكن أن يمثل النوع الأول، كذلك أتصور أن كل المؤمنين من كل الأديان، ذلك الإيمان الفطرى الأولى الذى يتجلى فى ممارسات دينية مختلفة، متضفرة، وضامة فى أن، ينتمون أيضاً إلى هذا النوع الأول من الوجود، أما النوع الثاني: فهو ذلك النوع الذى تمثله الحضاره الشماليه الغربيه قبل إفاقتها مؤخراً وهو نوع جميل البريق وافر الرفاهيه كثير المواثيق المكتوبة رائع الإنجاز رضى بواقعيه آنيه أعفته من الإفراج عن وعيه الأعمق الممتد عبر البشر وعبر الأكوان.
أن حقيقه وجود الله فى كل مكان وزمان هى حقيقة لا تتجلى فعلاً يومياً إلا إذا ملأت الوعى البشرى طول الوقت، وهى حقيقة قد اثبتتها رغم أنها لا تحتاج إلى إثبات اختبارات التاريخ، لا حجج العقل(راجع العوده الدينيه التلقائية بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي).
فهل يمكن أن يظل الإنسان إنسانا إذا هو تمادى فى صياغة حياته المعاصرة بمزيد من التقنيات والإمكانات الجديدة، وفى نفس الوقت راح يهمش هذه الحقيقه – أن الله موجود- تهميشاً يهدد بفقد التوازن فالإنقراض، أم أنه قد آن الأوان لإفاقة شاملة فى الوقت المناسب لكى نعد برمجياتنا ونحن نضع هذا المتغير الرائع(أن الله موجود) فى الحساب؟
إننى أتصور أن التمادى فى تقديس الحضاره الكتابيه أدى إلى إهمال الحضارة الشفاهية حتى أصبح إحترام ميثاق حقوق الإنسان مثلاً أهم من إحترام الإنسان نفسه، وأيضاً أصبح الإلتزام بمواد القوانين المكتوبة (بما فى ذلك حذق التحايل عليها) أهم من الإلتزام بما كتبت هذه القوانين من أجله، ووجود الله سبحانه وتعالى كحقيقة يومية طول الوقت هو الذى يمكن ان يقرب بين ما هو مكتوب وما هو معاش بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره.
والتحدى الجديد لا يكمن فقط فى إحلال حضارة الاتصالات والتواصل والشفاهية محل الحضارة الكتابية، وإنما هو يهدد بعدم تناسب جديد بين كم المعلومات المتاحة وإمكانات البيولوجيا البشرية لاستيعابها لما يفيدها، وهنا نتهدد بتضخم الوسيلة حتى تختفى الغايات الاساسية من الوجود البشرى بين ثنياتها العملاقة.
ليس عندى إقتراحات محددة، ولا أشعر باى إعتراض على أدوات نحن كبشر ينبغى أن نفخر بإختراعها وتملك ناصيتها، فقط أنبه إلى أن علينا أن نتحمل مسئولية الحصول عليها، أولاً على مستوانا المحدود، ثم على مستوى العالم.
صحيح أن مثل هذه الآراء، والمقالات والآراء، والإجتهادات لن تقدم ولن تؤخر مهما صدق محتواها، فأصحابها لا يملكون تسخير أدوات تمكين كافيه لنشرها وتسويقها(!!)، إذن فنحن أحوج ما نكون إلى برامج، ومبرمجين يضعون ماهية الإنسان الممتد فى الإعتبار، فيصيغون لنا أدوات إختبار تصنف إنجازاتنا الفردية والجماعية لنعرف أول بأول إن كانت تسير فى الإتجاه الصحيح الذى يعمق إنسانية الإنسان أم أنها تتعملق فى ذاتها لذاتها كوسيله بلا هدف واضح او لهدف هدام؟
أننى أتصور أن هذه البرامج ربما تشبه برامج كشف فيروسات الكمبيوتر، التى تختبر أية تداخلات غريبة يمكن أن تضرب المحتوى، أو العتاد أو البرامج الصالحة، والشاطر هو الذى يختبر كل ما يعمل وما يخزن وما يبرمج أولاً بأول بهذا البرنامج الكاشف للفيروس ثم يبطل مفعوله ببرنامج مضاد، وعلى هذا القياس دعونى آمل أن نصنع برمجيات تقيس إنجازنا اليومى فردا فردا، فتجيب لكل واحد منا عن أسئلة بسيطة يعتبر نسيانها هو آفة اغترابه وهلاكه، أسئلة تحدد له إن كان انجازه هذا اليوم(سواء اشترى فيه عربة جديدة، أم أصدر قراراً برفع ثمن دواء مهم فى شركة أدوية لتكسب شركته اكثر، أم شاهد غروب الشمس، أم ساهم فى إطعام جائع لا يعرف جنسيته او دينه)، يجيبه هذا البرنامج قبل أن ينام كل ليلة، إن كان هذا الذى أنجزه طول يومه أولاً بأول قد زاده إمتداداً فى الكون(إيماناً) أو قرباً من آخر(حباً) أو عمقاً فى الوعي (ابداعاً)، أم أن العكس هو الذى حدث.
صحيح أنه لم يعد هناك مجال لهبوط الوحى على نبى جديد على الرغم من ظهور ديانات شاذه ومريبة كل يوم فى كل مكان يسمح بذلك، لكن الأصح أننا إستبعدنا الأديان القائمة بالجمود أو بالإنكار أن تصبح فعلاً يومياً نحدد به ما حاولت فى هذا المقال أن أبينه من إختلاف نوعية الحياة إذا إنتهت عنده هامة الإنسان الفرد أو الإنسان النوع، عنها إذا إمتدت بلا حدود عبر الأكوان سعياً إلى وجه الله طول الوقت.
أن إستبعاد حضور الله سبحانه فى وعى البشر طول الوقت ليس فقط خطيئة وخسارة من انكروه تعالى، أو من همشوه، بل أن هذا الإستبعاد ساهمت فيه بعض الممارسات الدينية السطحية، حتى لو كانت حسنة النية، فحتى الدعاء، الذى نبهنا رب العالمين أنه من حقنا عليه طول الوقت فى كل مكان، كدنا نقصره على اماكن مقدسة بذاتها (أنا ذاهب للعمرة وسوف أدعو لك هناك)، وكأننا نشير بذلك ضمناً إلى إغترابنا عن حقيقة دوام حضور الله سبحانه فى كل مكان، وكأننا نسينا كيف يكون العبد أقرب إلى ربه وهو ساجد هنا والآن، وكأننا نسينا أين يقع حبل الوريد.
ولحين عودة تفصيلية نذكر مرة أخرى أن المسألة ليست دعوة مثالية أخلاقية، ولا هى أسلمة أو ديننة العولمة، ولكنها تنبيه ضرورى عملى إلى إحتمال يقول: أننا فى حديثنا عن العولمة نركز على الوسائل دون الغايات منها، ونهتم بسرعة وكم الإنجاز على حساب نوع وإمتداد الوجود.
وهذا هو موضوع الحديث اللاحق عن: عولمة الأخلاق ومنظومة القيم.