نشرت فى روز اليوسف
23-12-2005
سلسلة الإنسان
أ.د. يحيى الرخاوى
أما قبل
هل خلقت هذه الانتخابات ما هو “إخوان” هكذا من فراغ؟ أم أنها كشفت عن ظاهرة وعى شعبى علينا أن ندرسها من كل الأبعاد؟ هذا الباب ليس له علاقة مباشرة بالسياسة، وهو لا ينقد الفكر الدينى، الرسمى خاصة والسلطوى بشكل
مباشر. كل اهتمامه يدور حول محاولة التعرف على فطرة الله التى فطر الناس عليها بدءا من طبيعة الطفل إلى آفاق الإبداع كدحا ابتغاء وجهه تعالى. لكن ماذا أعمل وقد حضرنى، أو أحاطنى، نجاح الإخوان وأنا أقرأ رواية مسيو إبراهيم وزهور القرآن. أين تقع هذه الرواية فى فكر الإخوان وسلطتهم، هل يجرنا السؤال إلى السياسة؟ وفيها ماذا؟!! هل يوجد فى الدنيا شىء بعيد عن السياسة؟ هل يمكن تحريك وعى الناس دون أن نعرف طبيعتهم؟ دون أن نفهم فطرتهم، هل يمكن أن نقرأ نتائج الانتخابات الأخيرة دون أن نعرف كيف استقبل الوعى العام معنى كلمة “إخوان” التى أعطوها اصواتهم؟ هل هم أعطوا اصواتهم لهؤلاء الثمان وثمانين نائبا، أم أن شيئا آخر تحرك فى فطرتهم جعلهم يمارسون هذا الطقس الدال كما تجلى فى صناديق الانتخاب؟ هل إذا تناولنا هذا الحدث نكون قد انحرفنا بهذا الباب قسرا إلى السياسة، أم أننا قد نكتشف فى نهاية المحاولة أن “الإنسان سياسى بطبعه” سواء كان ناخبا أم قليل الانتخاب، ثم ما هى علاقة مسيو إبراهيم المسلم الفرنسى (ذى الأصل الأناضولى) وصديقه الطفل اليهودى الفرنسى الجميل “موييس”، (أو “مومو” أو محمد) بنجاح الإخوان فى مصر؟.
… مسيو إبراهيم وظهور الإخوان (1)
..كنت أشارك فى ندوة “المنتدى” فى قناة النيل الثقافية يوم الثلاثاء الموافق 13 ديسمبر عن “صورة رجل الدين فى الفن والأدب”، وكان ثم مشاركان فاضلان يمثلان الفكر الدينى، ومشاركا يمثل المسرح حضر متأخرا، تمنيت أن يكون معنا ثلاثة من الإخوان أعرفهم، دون تسمية، واحد خائف جدا من أن يفكر لنفسه، وواحد مبدع فعلا يحترم نعمة وعيه فسعيه إلى ربه، وواحد طيب ليس عنده فكرة، لكنه مستعد لأمر ما، وتصورت كيف كان يمكن أن تكون مشاركتهم. عجزت عن أن أوصل وجهة نظرى، للمشاركيْن الأستاذين فى كليات وتخصصات دينيية. اختلفت معهما مائة وثمانين درجة حين رحت أؤكد أن الإبداع لا ينبغى أن يقاس من خارجه، الإبداع لا يقاس إلا بأدوات نقد الإبداع، وأنه لا يوجد فى الإسلام من له حق تسمية نفسه أو تسمية السلطة له أنه: “رجل الدين”، وأن ثم فرقاً جوهرياً بين من يسمى رجل الدين، وبين الدين، وبين هذا وذاك وبين “الإيمان”، جاءت معظم المداخلات الهاتفية فى اتجاه آرائهما دون رأيى، حتى المكالمة التى جاءتنا من الدكتور فلان من ميتشجان، كانت تشتم فى مدرسة المشاغبين، وتعترض على آرائى فيها. خرجت من الندوة أتساءل: ماذا جرى لفطرة ناسنا ووعيهم حتى من سافر منهم إلى هناك؟
التصريحات والنية الحسنة
… أتابع معظم تصريحات الأذكياء الطيبين من الإخوان حول موقفهم من الإبداع خاصة، كما بلغنى موجز زيارة د. عبد المنعم أبو الفتوح لنجيب محفوظ فى مركب “فرح بوت” يوم الثلاثاء الماضى، ومدى الحضور والإيجابية اللذان أبداهما، كذلك قرأت عن سماح الإخوان بنشر أولاد حارتنا، ولم أكذبهم، لكننى أعرف أنه مهما بلغت النوايا الحسنة، فإن تحقيقها ليس فى أيدى من يصرحون بها مهما صدقوا إلا إذا غلب المبدعون الشجعان فيهم حدا يخترقون به كل سلطة تحول بين الإنسان وربه وحريته وإبداعه لإطلاق فطرته توجها إليه كدحا ليلاقيه. كررت مرارا اعتراضى على الحل الاستبعادى بادعاء أن الدين لله والوطن للجميع، حيث أعيش فى نوعية من الحياة تعلننى طول الوقت: أن الأمر كله لله، الدين والوطن والجميع هم لله . بيتهوفن حين سئل عن سيمفونية لم تصل إلى معظم من سمعها، أجاب أن هذا لا يهمه، لانه أبدعها لصاحبها: لله، ومع ذلك فأنا أخشى حكم الإخوان – مثل غيرى- لكن لأسباب أخرى، خوفى كله يتركز حول مساحة وحركية الإبداع، فهما الطريق إليه سبحانه، ثم إنى أخاف عليهم مثلما أخاف علينا، أخاف عليهم من أنفسهم وهم يتصورون أنه تكفى حسن النية وصدق التصريحات لرفع سقف الإبداع إلى ما لا يعيق. لو أن المرشد نفسه تفضل بذكائه وحضور وعيه، وسأل نفسه بينه وبين ربه، من الذى سوف يفتى فى مشروعية نشر”أولاد حارتنا” أو ما هو على شاكلتها (كما صرّحوا) هل هو وزير الإعلام الإخوانى؟ أم مفتى الديار الرسمى؟ أم وزير الثقافة الإخوانى؟ أم شيخ الأزهر؟ أم مجمع البحوث الإسلامية؟ أم أمين المجلس الأعلى للثقافة؟ الإسلامية فكيف يجيب؟ وماذا سيكون موقفه إذا وصلته فتوى تخالف تصريحاته الطيبة الذكية الحالية؟ المسألة ليست فى التصريحات أو الوعود.
خذ مثالا أوضح وإن كان سياسيا إلا أنه فى النهاية نقدا:
ردا على تخوف يقول : “إن الإخوان” أول ما حايمسكوا الحكم حاينقلبوا على الديمقراطية” ، أجاب سيادة المرشد: “..ده تدخل فى النيّات. لكنك سيادة المرشد قلت فى موقع آخر من نفس الحديث (الدستور 14 ديسمبر) : “..يعنى أى تشريع يعرض على الإسلام، وبتوع البرلمان يشرّعوا زى ما هم عايزين، والإسلام واسع جدا، …وبعدين يرجعوا للنص، ومش حانرجع لواحد غير فقيه” . فماذا يكون الحال يا سيدى إذا تقدم واحد – بحسن نية أيضا – بمشروع قانون للتحفظ على أى نظام انتخابى (ديمقراطى) يمكن أن يسمح للعامة أمثالى، دون الساسة المتفقهيين، أن يولوا عليهم، ولا مؤاخذة، من لا يحكم بما أنزل الله “حرفيا” حسب التفسير التقليدى للآية؟ ثم جاءته الفتوى صريحة محددة، بأن هذا القانون (الديمقراطى) غير جائز شرعا لأنه مما هو حرام قطعا، لأنه قد يعطى الحق للفاسقين والكافرين والظالمين أن يتولوا أمر المسلمين. ولنفترض- أن سيادة المرشد رفض هذه الفتوى لأنه وعد، ولأنه على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره، ولأنه لا يريد يوم القيامة أن يتبرأ منه الذين اتُّبِعوا، فلا يجد أمامه كرّة ليتبرأ منهم كما تبرأوا منه، ما هو تصرفه فى هذا الموقف إن شاء الله ؟ المسألة إذن ليست شكا فى النوايا، وإنما هى تنبيه للمسار المحتمل، هذا هو ما يمكن أن يحدث فى أى مجال بما فى ذلك تحديد سقف الإبداع، بما فى ذلك الجهاد الأكبر فى السعى إلا الحق تعالى تصوفا كدحا لنلاقيه.
حين كنت فى الإخوان فى أواخر الأربعينات حول سن السادسة عشر، جاء والدى مدرس العربى بصديقه مدرس الدين ينبهانى ألا أتمادى، ورحت مفوها أسألهم بكل شجاعة : أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟ ثم تلوت عليهما –كما علمونا فى الإخوان- آيات ومن لم يحكم بما أنزل الله الواحدة تلو الأخرى، وبعد حوالى نصف قرن، خطر لى وأنا أقرأ نفس الآيات الكريمة أن الله أنزل كل شىء (كما أن له كل شىء: الدين والوطن والجميع). الله سبحانه أنزل الفطرة بقوانينها التى نجتهد فى هذا الباب – مثلا- للتعرف عليها، فيكون الحكم بما أنزل الله هو تفعيل هذه الفطرة البشرية “بما هى” “لما هى”، وهذا وذاك أمر لا يتعلق بالمعاجم، ولا بالروايات المنقولة، ولا بالتفاسير الجاهزة، وإنما بالمعرفة المتجددة الممتدة، وبالإبداع المغامر المسؤول (الجهاد الأكبر).؟ لو وصل لوعى المرشد الفاضل ما وصلنى يقينا هكذا، فكيف سيكون موقه؟ هل سيرجع إلى الشعب يستفتيه ” أم أنه سيطرح رأى أغلبية الفقهاء جانبا ويتمسك باستلهامه، أم أنه سيستسلم لما يراه مخالفا للحق،أم سيستقيل ليحل محله من هو أكثر انغلاقاً. المسألة يا فضيلة المرشد ليست بيدى ولا بيدك إلا بثورة إيمانية إبداعية تخترق كل السقوف وترفض كل وصاية. أنا أثق صدق النية ومعجب بحنكة إدارتكم للمعركة الانتخابية برغم الحظر المزعوم، لكننى أدعوك لإعادة النظر، ألم تشر إلى فضل الذين انتخبوا الإخوان دون أن يكونوا إخوانا، بقى أن نعرفهم، نتعرف عليهم، نتساءل من أعطى صوته لمن، لماذا؟ ترجيحى شخصيا أنهم إنما انتخبوا فطرتهم كما لاحت فى أفق مجهول كادوا يتبينوا بعض معالمه فى ما لوّحتْ به وعود جماعتك، دون أى ضمان للتنفيذ الممتد.
المسألة أكبر من التصريح بنشر هذا الكتاب أو ذاك، اكبر من الاعتراف بأن الموسيقى حلوة جدا، وأحيانا مفيدة، أكبر من أن النحت والتصوير يمكن أن يكونا حلالا زلالا، أهم من إقرار سيادتكم أنكم تحبون السينما (لكن أين الوقت؟)، أدق من التصريحات البديهية الواعدة برعاية الأقليات وتشجيع الفن المؤدب “الكويس” . أنا لا أطلب من سيادتكم إجابات أكثر مصداقية فأنتم غير مكذبون عندى اصلا، لكننى أدعوكم إلى رؤية منهجية مستقبلية تجعل ما لله لله، وهو الأمر كله وعلى السلطة الوصية والمفسرين المتجمدين أن يمتنعوا ، وحسابنا جيمعا على الحق سبحانه وتعالى. حتى لو أجبتم فضيلتكم أو الدكتور أبو الفتوح أو الدكتور العريان بكل ما أتصوره واعدا بإطلاق الإبداع بلا حدود، وحتى لو اقتنعتم برأى الدكتور أحمد فؤاد أبو المجد وعلى عزت بيجوفيتشى وربما سليم العوا، وجلال البنا، وذات مرة – على ما أذكر فهمى هويدى، وآخرين لو اقتنعتم بآراء هؤلاء بقصر إقامة حد الردة (إن وجد أصلا) على حالة الحرب (الخيانة العظمى)، وحتى لو انتبهتم إلى تفضيل عدم التدخل فى الخطايا الشخصية حتى لا تنقلب البيوت إلى بارات ، والمجالس الخاصة إلى خمارات، كما تعلم سيادتكم بما يجرى فى بلاد طبقت الشريعة علنا، وهدمتها سرا، وفعلا، فى كل موقع، وكل فضائية، وكل فيديو، وكل أغنية، وكل كليب . حتى لو كان هذا كله هو موقفكم المعلن الآن، فأنتم غير قادرون على مواجهة مسؤولية تنفيذه ما لم يوجد ما يضمن الجهاد الأكبر طول الوقت .
الذى يزيل (أو يقلل) خوف أمثالى، وربما خوفكم، هو أن نتعاون ليكون ثم دستور يحترم الوعى الذي تحرك فى الناس فانتخبوا الإخوان، دستور ينظم المجتمع ليسمح بأكبر قدر من حركية الإبداع بالعبادات، والفن، والذكر، والحركة، والاستكشاف حتى جدل الكفر، بحيث لا يضطر أحد إلى التقية، أو الانشقاق ..إلخ. هذا الدستور لا يركز على تطبيق ظاهر ألفاظ الشريعة على حساب فرص تعميق الفطرة توجها إلى الحق سبحانه تعالى. تتحقق هذه الفرص بالعدل والإنتاج والوفرة والاختلاف والاجتهاد والجهاد الأكبر، لو حدث ذلك فعلا يوميا ومسؤولية حكومية استجابة لوعى إيمانى شعبى غامر، فلا يمكن أن يقاس إلا بإنتاج ينافس إنتاج الصين، وإبداع يمتد إلى ما بعد إبداع فضلاء الغرب الذين يستلهمون مبدعى التصوف منا فى حين نقوم نحن بتهميشهم وإنكارهم (إنكار قادة متصوفينا) قديما وحديثا. نحن لم نتعلم من علاقة إسلام جارودى بابن عربى، ولا من علاقة شميت كاتب مسيو إبراهيم، بجلال الدين الرومى، مع أننا أولى بهما وبغيرهما.
أكرر: هذا النموذج الذى أشير إليه ليس له أدنى علاقة بزعم أن الدين لله والوطن للجميع، أو بأن ندع ما لقيصر لقيصر وما لله لله، فما لقيصر، حتى لو ظلم وطغى، مرجعه إلى الله بالمعنى الإبداعى والإيمانى الطليق، الله – وليس الحاكمون باسمه – يحكم بيننا بما نستحق ونفعل، وهو خير الحاكمين. إن ما أطرحه ليس حلما مثاليا، فهو تماما الذى من أجله جاءنا جارودى هربا من الرفاهية الكمية والتغريب، وهو الذى تجلى فى عم ابراهيم (مسيو إبراهيم) فى تصوفه وورعه، وفى سماحه وتصوفه، مسيو إبراهيم يعلّم صديقه الصبى كيف أنهما يرجعان بجذورهما إلى النبات، ليمتدا بالإيمان إلى المطلق.
أستأذنكم – سيادة المرشد_ لأعود لقارئى كما تعوّد، وكما يقول العنوان – تمهيدا لنقد النص الروائى، ولو فى العدد القادم.
مسيو إبراهيم وزهور القرآن
منذ سمعت عن فيلم “مسيو إبراهيم وزهور القرآن”، وأنا فى شوق إلى رؤيته لأصالح عمر الشريف الذى أحبه وأحترمه، مع أننى كنت آخذا على خاطرى منه حين طلق فاتن حمامة، بل وقد خاصمته لفترة ليست قصيرة حين شاهدت له بالصدفة فيلما تليفزيونيا بالصدفة فى باريس سنة 1969 ْ، كان يقوم فيه بدور لص ظريف، طالبا يدرس فى الأزهر، وقد بلغنى من الفيلم على حد لغتى الفرنسية الضعيفة جدا، أنه أهان الأزهر والإسلام بشكل ما ، لكننى صالحته أخيرا ليس فقط بسبب تمثيله زهور القرآن، ولا بسبب تصريحاته الأمينة المتواضعة فى معرض السينما الأخيرُ عن المرحوم أحمد زكى، صالحته والسلام.
الرواية: تاليف إريك إيمانويل شميث
ترجمة: محمد سلماوى، (58 صفحة من القطع الصغير).
المقتطفات
(1)
“….(ص 18= ص 4 من المتن بعد المقدمة) كان مسيو إبراهيم ملتصقا دائما بكرسيه الصغير مثل فرع النبات الذى يلصق بالساق المراد تطعيمها….”
(ثم ص 65 قبل النهاية بست صفحات) دار هذا الحديث بين مسيو إبراهيم ومومو (محمد/ موييس)
-إن هناك سلما وضع أمامنا حتى نهرب من أنفسنا يا مومو، الإنسان كان فى البداية معدنا، ثم نباتا، ثم حيوانا، والمرحلة الحيوانية هى ما لا يستطيع الإنسان أن ينساها، وكثيرا ما يميل إلى أن يعود إليه- ثم اصبح الإنسان بعد ذلك إنسانا حصل على نعمة المعرفة والرشد والإيمان، أتتخيل (عم إبراهيم يخاطب الصبى) الرحلة التى قطعتَها أنت من التراب إلى اليوم؟….”
فيرد ميمو
– إننى على أى حال لا أتذكر أيا من هذه الحالات، هل تتذكر أنت يا مسيو إبراهيم أنك كنت نباتا؟
– معلوم ماذا تظننى أفعل حين أبقى ساعات دون أن أتحرك فوق كرسى الصغير فى دكان البقالة”
(2) : ص 33
– من أين لك معرفة كل هذا يا مسيو إبراهيم
– أنا لا أعرف شيئا، أعرف فقط ما بقرآنى
(3) : ص 43
(مسيو إبراهيم، الحديث عن والد الطفل)
– أو ليس غاضبا من أنك تقرأ القرآن
– إنى اختبئ على كل حال، ثم إننى لم أفهم منه شيئا
– حين تريد أن نتعلم فليس علينا بكتاب، وإنما علينا أن نتحدث إلى إنسان، أنا لا أومن بالكتب
(4) (فى موقف احتضار مسيو إبراهيم) ص 66 ، قبيل نهاية الرواية
– لكتى خائف عليك يا مسيو إبراهيم
– أنا لست خائف يا مومو، إنى أعرف ما فى قرآنى
(وفى الصفحة التالية68)
– صه، لا تقلق، إنى لن أموت، بل سألحق بالاتساع اللانهائى
ثم فى الصفحة التالية للتالية (69)
“مثلما كان يقول مسيو إبراهيم: ذكاؤك فى كاحلك، ولكاحلك طريقة عميقة فى التفكير”
(5)
(موييس فى سن 12 سنة، وهو يدعى أن عنده 16 سنة : فى بيت الغانيات، ص16)
– أعندك حقا 16 سنة؟
– طبعا، منذ صباح اليوم
صعدنا سويا للطابق العلوى، لم أصدق، وكانت لى بالكامل، … وفى النهاية ربتت على شعرى برفق، أنا الآن رجل وتم تعميدى بين فخذى امرأة
(6) ص 36
– كنت أعتقد أن المسلمين لا يشربون الكحول
– نعم، لكننى صوفى
(7) نفس الصفحة
“ومن محاولاتى المستميتة لفهم جميع كلمات هذا التعريف (تعريف الصوفية) اتضح فى النهاية أن مسيو إبراهيم بمشروبه الكجولى يؤمن بالله وفق العقيدة الإسلامية، ولكن بطريقة يبدو أنها تكاد تقترب من الخارجين على الدين”
(8)
(بعد أن مرت بريجيت باردو على دكان مسيو إبراهيم، ودار ما دار) ص 21
– ممسيو إبراهيم تصور أنك فى قارب مع زوجتك وبريجيت باردو، ثم غرق القارب، ماذا كنت تفعل؟ ؟
– – أراهنك أنه سيتضح أن زوجتى تعرف السباحة
– (ملحوظة: زوجته كانت ماتت من زمن)
(11) ص 67، 68
كان مسيو عبد الله (صديق مسيو إبراهيم) مثل مسيو إبراهيم،….، كان كثيرا ما يتلوا أبياتا لجلال الدين الرومى:
الحى: إجعله يموت إنه جسدك
الميت: إجعله يحيا: إنه قلبك
الحاضر: خبئه إنه الحياة الدنيا
الغائب:إجعله يحضر، إنه الحياة الآخرة
وبعـد
كيف نقرأ هذه النصوص؟ فى سياقها؟ أم منفصلة؟ ثم فى أى سياق نقدى نقرؤها؟ سياق الإبداع أم سياق تفسير ثابت للنصوص والحلال والحرام ألفاظا جامدة أبدا؟
هل نقرأ الرواية ونحن نصفق لذكر القرآن الكريم هكذا (وهو لا يحتاج تصفيقنا)، باعتبار أنه السبب فى هداية الصبى، ونفرح أن مسيو إبراهيم تبنى الولد، فزاد المسلمون واحدا؟ (لم تقل الرواية صراحة ان موييس قد أشهر إسلامه) أم نقرأها لنصالح التصوف الإبداع، ونصالح الجسد التفكير، ونسترجع كنوزنا التى حرمنا أنفسنا منها فى حين نهل جارودى من ابن عربى فأسلم، كما استلهم شميت من جلال الدين الرومى، فأبدع؟
هل نستعبط ونقول إن ما ورد فى الرواية من خطايا وأوزار وتجاوزات كان تمهيدا لإعلان توبة نصوح، وندعو الله تعالى أن يتقبلها ويغفر للجميع؟ هل هذا نقد أم إبداع أم ماذا؟
القضية صعبة، والإبداع ، طريقنا إلى الله، مهدد فعلا، والنقد إبداع لاحق. والحق تعالى من وراء القصد، وهو سبحانه غالب على أمره،
ٍ ولكن أكثر الناس لا يعلمون.