الدستور
25-11-2009
مسئولية التحريض، ودفاع انتقائى عن الكرامة!!
لو أن إسرائيل أرادت بموسادها، وإعلامها، وتكنولوجيتها أن تحدث شرخا بين مصر والجزائر، بهذا الاتساع، وهذا القبح، فكم كانت ستحتاج من سنوات، وكم كانت ستنفق من مليارات، وهل كانت ستنجح هذا النجاح الساحق هكذا؟
اتصلت بى أربع قنوات فضائية (على الأقل)، تطلب منى الاشتراك فى التعليق على الأحداث الاخيرة، واعتذرت، أولا لأننى لم أشاهد المبارتين ولا ما حدث بعدهما مباشرة، (صدق أو لا تصدق!!)، وثانيا لأن المعلومات التى وصلتنى كانت متضاربة ومتناقضة، فى كثير من الأحيان، وثالثا: لأننى لم اضمن موضوعية الحوار وسط هذه الهيجة الإعلامية العمياء.
ومع ذلك تتبعت الجارى فى كل الصحف المتاحة والمواقع المعنية، لمدة أيام، فإذا بى أمام سيل هائل من الغباء والعبث والوقاحة والغوغائية والردة، و بالرغم من عثورى على عاقل هنا، وتحليل موضوعى هناك، وقصيدة جميلة فى الأهرام، فإن أغلب ما وصلنى لا يمكن أن يتصف إلا بالسطحية، والانفعالية، والشوفينية، والبله، ثم إنى قد أحسست أن قوى خفية تستدرجنا بخبث إلى ما يريده العدو تحديدا، (والعدو ليس اسرائيل أو أمريكا فحسب، وهو ليس عدونا نحن فقط، بل هو عدو كل الشعوب، من داخلنا، ومن خارجنا)
تفكير تآمرى هذا؟ أوافق! أحسن من الجارى!!!
أمسكت بالقلم فحضرتنى مسائل كثيرة، وعناوين تنافست فيما بينها حتى عجزت أن أختار أيها أولى بالتقديم، ثم ساءلت نفسى، وماذا يفيد أن أكتب فى أى منها عشرات الكلمات، ثم أنشرها فى زاوية محدودة، لتصل إلى أقلية لا أظن أنها قادرة حتى على إبطاء تدفق هذا السيل الهادر من الانفعال المتسارع نحو هاوية مظلمة. هذا فضلا عن ما سوف أناله من رفض وشجب، وربما اتهام بالخيانة!!
انتهيت إلى أنه من الأفضل أن أعدل عن الكتابة فى هذا الموضوع مباشرة أو تفصيلاً، لكن سطورا عاصية تسربت منى رغما عنى، لعلها تكون عناوين لتعتعات لاحقة:
- هناك جهل شديد بالتركيب البشرى، حين ينكر الإنسان المعاصر قوة غريزة أساسية هى العدوان (حتى القتل) ينكرها بداخله، ثم يخفيها تحت ستائر من مظاهر حضارة متحيزة، أو سلام ملتبس ظالم، أو أخلاق سلطوية، فتشتعل الحروب، ثم ها هو يفشل وهو يحاول إحلال التنافس الرياضى على مستوى العالم محل الحروب (راجع كيف نشأت الأولمبياد منذ سنة 776 قبل الميلاد، وهل أدت وظيفتها؟)
- لا يجوز بحال لوم الناس الذين برمجهم إعلامٌ مغرض، وغير مسئول على أحد الجانبين دون الآخر، مع اختلاف التعبير، فإشعال النار فى الميادين ليس أقل بدائية فى التعبير عن الفرحة، من الهجوم على الخصم وأنصاره بمبالغات ينبغى مراجعتها مهما تواترت الروايات.
- إن تهييج الناس بإشاعات قتل لم يحدث هو أمر مثير للعجب، إذا قورن بما يجرى من إلهائهم عن طريق نفس الإعلام عن القتل الجماعى الذى جرى ويجرى بالألوف، بطريق مباشر أو غير مباشر، على يد أمريكا فى العراق، أو إسرائيل فى فلسطين،…إلخ إلخ
- إن الكرامة التى قيل أنهم وطأوها بالألفاظ الوقحة والصور البذيئة، قد وُطئت مئات المرات ليس فقط فى ساحات القتال مع العدو الحقيقى، ولكن أيضا على موائد المفاوضات، وفى مجلس الأمن وفى أروقة الأمم المتحدة نفسها، ولم نَرَ من هذا الإعلام نفس النخوه والإثارة، ولا عشر معشارها، للحفاظ على كرامتنا بما ينبغى، كما ينبغى
- إن اختزال الوطن إلى ملعب كرة، واختزال الانتماء للوطن والعمل له والإبداع فيه إلى تشجيع فريق فى مباراة، هى جريمة سياسية، خبيثة، أو غبية على الأقل.
- إن الإسراع بالتفسير والفتوى استنادا إلىمعلومات ناقصة، ومشاهد منتقاة، وأحداث منقطعة عن سياقها، هو عمل غير علمى، وأحيانا غير أخلاقى.
- إننا – على الجانبين– حين أنكرنا على أنفسنا حقنا فى رد العدوان بالعدوان فى ساحات القتال المستمر، واستبدلنا ذلك بالسلام الذى لايكون كذلك إن لم نمارس إمكانية إطلاق طاقة العدوان فى إبداع حضارى حقيقى، حين حدث ذلك، ارتد العدوان كبتاً إلى داخلنا، ثم من داخلنا إلى عدوان بعضنا على بعض.
- إن العدوان، كغريزة طبيعية، لا يستوعبه الإنسان المعاصر أيجابيا إلا بالإبداع الذى يفكك القديم اقتحاما ليصنع منه جديدا (أنظر إن شئت أطروحة “العدوان والإبداع” www.rakhawy.org) نحن إن لم نطلق عدواننا على من يعتدى علينا، أو نبدع به وجودنا إذ نحطم من خلال ذلك قيود الجمود والظلم والقهر، فسوف نصير إلى ما صرنا إليه، وهم يتفرجون علينا فرحين أو شامتين وكأنهم يشاهدون مصارعة الديوك!!