نبذة: أثار كتاب “مفترق الطرق” لوزير التعليم (ا.د. حسين كامل بهاء الدين) موجة عارمة من التصفيق والمديح وعددا قليلا من النقد الجاد والتنبيه والمقال بنبه إلى الافتقار إلى مصداقية الأرقام الوارد فى الكتاب، وإلى خطورة اللهجة الخلطبية التى تصنع الكتاب، عامة وإلى خطورة ما آل إلية حال التعليم.
الاهرام 16/6/2003
مسئولية النقد … ونقد المسئولين
يستقبل عامة الناس كلمة “نقد” على أنها ذكر المآخذ أوالمثالب أو العيوب أو القصور فى عمل ما أو شخص ما أو نص ما. الأمر ليس هكذا. النقد موقف فى الحياة طريقة فى التفكير وهو يبدأ منذ الطفولة ليتميز حول العاشرة (“التفكيرالفرضى الاستنتاجي”) ويتطور ليصبح “إعادة إبداع” النص.
أتعلم من مرضاى كيف أن محنتهم كثيرا ما تبدأ بنقد المجتمع لكنه للأسف نقد فاشل يدفعون ثمنه دون أن يغيروا الواقع. أقرأ بدورى مريضى هذا باعتباره “نصا بشريا” يحتاج إلى نقد بناء يسمح لنا (هو وأنا) بإعادة تشكيله حتى يشفى.
الطفل ناقد مشاكس يطرح أسئلة الفلاسفة بفطرة عبقرية فيحرج الكبار بعد أن تنازلوا عن حقهم فى التساؤل والمراجعة النقد الأدبى يمر بأزمة حقيقية برغم كل محاولات “عــلمنته” (أو بسببها). هى نفس محنة علم النفس حين كان يتمسح بمنهج العلوم الطبيعية المادية (وقد تجاوزته مؤخرا لتستلهم منهج العلوم الإنسانية والفلسفة وتلهمها).
تشتد محنة النقد حين تفسده العوامل الشخصية أو التربيطات الثللية أو المجاملات الدمثة. تصبح هذه المحنة أخطر حين يتعلق الأمر بعمل يصدره شخص فى موقع السلطة يصدق ذلك على محاولات المسئولين الأدبية كما يصدق على فلسفتهم أو تفلسفهم (من أول فلسفة ثورة يوليو حتى الكتاب الأخضر وليس انتهاء بحكمة صدام الملهم الهارب). لا تقتصر كارثة نقد المسئولين على أعمالهم شبه الفكرية أو الابتداعية وإنما تمتد إلى نقد أفكارهم السياسية والتنفيذية أيضا.
أقول قولى هذا وأنا أتابع متألما الهجوم الذى تشنه إحدى الصحف القومية على الصديق الطبيب الأستاذ الدكتور وزير التربية والتعليم بدءا بفانتازيا اعترافاته المزعومة امتدادا إلى تعليق القراء بدلالاته المثيرة . لعل الدافع الموضوعى وراء ذلك كان صدور كتاب الوزير “مفترق الطرق”. هذا كتاب يحتاج إلى نقد موضوعى مباشر مثل ملاحظات الدكتور زكريا عزمى فى مجلس الشعب وهو يشير إلى عدم جدوى شراء الأجهزة الحديثة لوزارة التربية والتعليم خاصة الحاسبات دون تحقيق استفادة منها. (الأهرام 10 يونيو) (وهو أمرافتخر به كتاب الوزير جدا و بالأرقام). إن التحقق من مدى هذه الاستفادة أو عدمها لا يتم بواسطة أجهزة الوزارة التى اشترت الأجهزة ولكن يمكن أن يتم ..” عن طريق هيئة رقابية محايدة” حتى لا تكون الوزارة هى الخصم والحكم. (استلهاما مما يقوله أ.د. حسام بدراوى : مسئول التعليم بالحزب الوطنى صوت الأمة : 2 /6) .
هذا الكتاب الصادر من مسئول بهذا الحجم والحماس ينبغى أن يحاسب مؤلفه احتراما عن كل حرف جاء فيه , وكل رقم أورده هذا الكتاب يحتاج إلى نقد موضوعى مسئول يحدد معالمه بأمانة من أول تذبذب الأسلوب وكأنه كتاب محـرر بأكثر من قلم إذ يترجح أسلوبه من السرد , إلى الإنشاء البليغ المدعم بشعر عاطفى قديم إلى أرقامه الملتبسه مع التأكيد طول الوقت على تكرار الإشارة إلى “ضرورة الإبداع ” دون تحديد آلية توفير المناخ لذلك وكأن الإبداع يمكن أن يستورد سابق التجهيز بمجرد إعلان حاجتنا إليه أوالاعتراف بضرورته. !!
المسئول فى موقع التنفيذ غير الكاتب الأمل وغير الناقد الفاحص المسئول حين “يقول”, لابد أن يمشى على أرض الواقع المر بما هو لا بما يصله من أرقام ولا بما يعن له من خواطر. لا أحد يعلم ماذا خطر ببال محام جنائى مفوه وأستاذ فى الحقوق حين قرر إلغاء السنة السادسة الابتدائية ولا أحد يعلم أى ريح طيب حركت خواطر طبيب حاذق وأستاذ مميز فى كلية الطب لإعادتها.
الأمر ليس “موضوع تعبير”، يـرد عليه بخيال شاطح الأمر أخطر من كتاب الوزير ومن فانتازيا اعترافاته المزعومة. الأمر هو “أمة فى خطر” شعار أطلقته أمريكا يوما لنفس المسألة ونحن أولى به منها.