اليوم السابع
الخميس 24-10-2013
مدنيّة متواضعة، وحضارة واعدة
مقدمة:
طلب منى بعض الأًصدقاء تفسيراً لما ورد فى مقال أمس عن الفرق بين المدنية والحضارة وقد حسبوهما واحدة، وبالعكس، فقررت أن أقدم هذا الاجتهاد احتراما للسؤال، وأملا فى وعى أكثر مسؤولية، خاصة وأن الكلمة بالإنجليزيةCivilization قد تعنى الاثنتين.
المدنية هى مظهر التقدم وشكل العمران وحداثة الأدوات،
أما الحضارة فهى المسئولة عن تطور الوعى البشرى الجماعى نحو الأرقى والأجمل والأكثر نفعا للجميع، وفيما يلى بعض التباديل والتشكيلات.
1- مدنية فائقة وحضارة مبعثرة أو مترهلة أو متراجعة
وهو ما نجده فى دول فائقة التقدم محكمة القوانين صلبة المؤسسات، تفيض بالجديد المحكم المنمّط بشكل عام ، قد يتبدى ذلك فى دور العلم، ومعطيات الصناعات، ومعارض الفنون، ومراكز الأبحاث، ولكن ما أن ننتقل إلى الشارع بعد السابعة أو الثامنة مساء فى كثير من مدنها حتى نجد الأمر مختلفا، فالناس تتلفت، وتخاف أن تحيى بعضها بعضا، وتغتصب وتـنتهك، وكل واحد منغلق على ذاته وثمة قوانين تحتية تتحكم فى المشاعر والعلاقات والحياة مثل: (1)قانون الرعب والقنص، و(2) قانون الكر والفر، و(3) قانون البقاء للأخطر والأسرع، (4) قانون لا إله إلا الدولار، إلى آخر مواد الدستور السرى للمافيا والإرهاب!! (مثال : الولايات المتحدة الأمريكية ، المدن الكبرى .
2- مدنية وافرة حديثة مستوردة و حضارة زائفة ومقلـِّدة
وهو ما نجده فى دول حديثة التمدن فائقة الثراء حصلت على كل وسائل الدول المتقدمة السالفة الذكر، وأكثر، لما لها من إمكانيات مادية، فرصفت الشوارع ، وأرست وسائل التوصيل والمواصلات، وخططت المدن ووفرت وسائل الرفاهية لأغلب أفراد شعوبها، لكنها لا تضيف، ولا تبدع، ولا تطور، ولا يتحاور أبناؤها ندا لند، وقد أصبحت “الرفاهية ” فى هذه المجتمعات هدفا فى ذاتها لذاتها وليست وسيلة لإطلاق القدرات واختصار أوقات المعاناة لملئها بالإبداع والموضوعية (مثال: بعض دول الخليج – أو بروناي!)
3- مدنية مغلقة ومتناثرة وحضارة شكلية
وهو ما نجده فى دول تحصل -أو تحاول الحصول- على كم وافر وحديث من وسائل التقدم والمدنية، لكنها توظفها فى بؤر متناثرة، تستعمل من الظاهر وراء أسوار أبراج ما يوحى أنه علم، أو فى حدود بروتوكولات الأبحاث المغلقة والهامشية، لا تصب لا فى الفعل اليومى ولا فى الوعى العام، وإنما تدور حول نفسها بهدف النشر والمكافأة. ( مثال : كثير من دول العالم العربى والثالث: التابعة والمقلـِّدة والمنبطحة (
4- مدنية ضعيفة وحضارة عُرْفية قوية
وهى المجتمعات ذات التقاليد الآمنة والأخلاق الغيرية، عـُرْفا أو تدينا وإيمانا أو كل ذلك، وهى مجتمعات تملك قدْرا أقل من وسائل العمران ورفاهيته، مثل مجتمعات الصيادين، وزارعى اللؤلؤ فى الخليج، أو مجتمع المسلمين الأوائل، (تاريخا) وربما مجتمعات سكان الواحات والهنود الحمر. وهى مجتمعات ينقصها الكثير من معالم التمدن والحداثة ، وكذلك من أدوات الرفاهية ومعلومات العصر، لكنها تحافظ على تقاليد فائقة الرقى من حيث دماثة الخلق، أو إكرام الضيف، أو التعاون التلقائى الخلاق، أو العقد الاجتماعى المؤمِّن للجميع أهلا وضيوفا، أو حيوية العلاقة بالطبيعة، أو فعل الإيمان، وتوصف هذه المجتمعات أحيانا بواسطة أهل مجتمعات الوفرة المدنية الظاهرة، توصف بالبدائية والقبلية دون النظر إلى نوع تماسكها وجوهر حضارتها.
5- مدنية متواضعة، وحضارة واعدة، وهو أمل لمن يحمل مسئولية ما وصفته أمس: أن تنجح الثورة البادئة لتصبح طفرة إبداعية نوعية نحمل مسئوليتها لنا، ولكل الآخرين بما يليق بنا وبتاريخنا إلى وجه العدل تعالى، بالإبداع والإيمان.