نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 18-12-2013
السنة السابعة
العدد: 2301
مخاض ولادة دولة لها تاريخ عريق (1)
تمر مصر الآن بفترة انتقالية شديدة الصعوبة، مثلها مثل كل حى (أو جماعة) من بنى البشر، لم نعد فى حاجة إلى تفسيرات جديدة ، وكل من يبعدنا عن الحسابات الأصح حالة كوننا جزء من عالم علينا أن نساهم فى إنقاذه، عليه أن يراجع الحقائق الأولية عن صراع البقاء عبر تاريخ الحياة. أهلا بالتفكير التآمرى، إن كان سيحمينا من مكائد قوى الإبادة والسخرة والاستعمال، كل ما علينا ونحن نفكر تآمريا ألا نتوقف عند وضع اللوم على الآخرين مهما بلغت قوتهم، ليكن: علينا أن ننتبه ونحن نرسم مسارنا، ومهما كانت مصادر البدايات، فلنخدعهم بأن نحول المسار لصالحنا وصالح البشر، “دولة عفية” و”اقتصاد قوى مستقل متعاون”، و”إبداع متجدد”، و”ربنا”.
كل انتقال نوعى على مسار النمو للفرد أو الجماعة أو الوطن، له ثمن باهظ، لابد من أن ندفعه خاصة فى مراحل الأزمات المفترقية (مفترق الطرق)، مصر الآن – يا جماعة والله العظيم ثلاثا– تمر بهذه المرحلة، حتى لو كانت بدايتها بفعل فاعل، حتى لو حام الصقور حول الطائر الصغير وهو يكافح ليكسر شوكة البيضة التى حبسوه فيها ليخرجوه بقيصرية محسوبة، تسمح لهم بتشكيله عبدا تابعا يعبدهم دون الله، لا بد أن نستعد لمخاض عسير، لولادة دولة لها دور يليق بتاريخها يحتاجه حاضر البشر.
كانت الجماعة الإنسانية قد انتهت إلى تنظيم أمورها فى تجمعات منظمة، تصاعد تنظيمها حتى سميت “دولا” راحت كل منها تدير مجموعتها على أرض تسمى “وطن”، فراحوا يتعاونون بأكبر قدر من التعمير، وأقل قدر من المضاعفات، وأرسل لهم خالقهم سبحانه من ينير بصائرهم نبيا بعد نبى عليهم الصلاة والسلام، فاستمروا حضارة بعد حضارة، لكن المسار انحرف بالصدفة وفعل فاعل، فحل محل التعاون للتعمير: التنافس للاستغلال، وانتصرت فئة قوية على فئة قوية أخرى، فى جولة حديثة، فحسبت الفئة المنتصرة أنه الانتصار الدائم وأعلنت نهاية التاريخ: “وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً” وراحت تعيد تنظيم العالم بالقوانين الورقية، والمواثيق الشكلية، والصناديق الشفافية، والسلطات الدينية المغتربة، والبنوك الربوية، لتضمن استمرار الإمساك بمقاليد العالم، حسب النصوص المقدسة للدين الجديد: “العولمة لصالح الأقوى”.
دخل الإنسان المصرى – مثله مثل سائر البشر الطيبين الأقوياء فى العالم – بإيمانه وتاريخ حضارته “قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ” فكان الحمل الصعب، والإجهاض المنذر، ثم المخاض المؤلم،
لنعمل بكل ما أوتينا من قوة وإبداع، فردا فردا، وجماعة جماعة، وثانية بثانية، حتى نكون أهلا لحمل أمانة الإسهام فى إنقاذ البشر إلى وجه الله، وهو سبحانه المستعان “وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً”
[1] – تم نشر هذا المقال فى موقع “اليوم السابع” بتاريخ: 23-8–2013