نشرت فى الدستور
23 / 4 / 1997
محاكمة مولانا النفـرى
… وقال لى:
أنا لا أكتب هنا، ولا فى معظم كتاباتى العامة، بصفتى طبيبا نفسيا، مع أنى أعرف أن القارىء يفضل أن يقرأ طبا نفسيا، عن أن يواجه رأيا مزعجا، أو فكرة جديدة، وقد اشترطت على رئيس التحرير ونحن نتكلم فى إحتمال ظهور هذا العمود ألا أكتب بهذه الصفة إلا مصادفة، مع كل إحترامى للعمود الذى كان الزميل الفاضل د. نائل السودة يكتبه للتثقيف النفسى تحت إسم “طب نفسى” فالناس – بينى وبينك – تريد أن تعرف من الطب النفسى ما يطمئنها لا ما يخدرها، ولا ما يزعجها، وهى تريد (ولو بطريق غير مباشر) أن تعرف داخلها، قال ماذا، قال من خلال ما يعرفه الطب النفسى والتحليل النفسى عن هذا الداخل، وهنا وجب أن أقدم لهم هذا الإعتراف: فأغلب ما عرفته عن هذا الداخل (داخلى شخصيا وداخلكم) جاءنى من مرضاى، ثم من نفسى حالة كونى متفاعلا مع مرضاى، ثم من الأدب “الذى هو”، وأخيرا من كتب الاختصاص فى الطب النفسى (أساسا: فى العلاج النفسى والرؤية التركيبية للنفس والنفوس)، وحين وافقت على كتابة هذا العمود، احترت فى عنوانه، وكان من بين العناوين التى خطرت لى عنوان هكذا “… وقال لى”، وكنت أشير بذلك إلى مصدر معارفى الأساسية” حيث أن مريضى “قال لى”، فتعلمت منه رغم أنه هو نفسه لم يتعلم مما قاله لى، ولم ينتفع به بالدرجة الكافية، لكننى تذكرت أن هذا هو الإفتتاح الذى افتتح به مولانا النفرى كل مواقفه ومخاطباته، وكنت كلما قرأته أعجبت بشجاعته على الحق سبحانه، وعشمه فيه تعالى، وجرأته عليه جل شأنه، وحسن ظنه به تبارك وتنزه عما يصفون، ثم إننى أعيش وأنكشف بما يقولونه لى: ربى، ومريضى، وأستاذى، وشيخى، وإبنى، وتلميذى، بل أحيانا أشحذ سمعى لأسمع ما يقوله لى همس ورقة جافة سقطت من شجرة جميلة فى خريف طيب، وكثيرا ما “يقول لى” قلمى ما لم أقصده حين أمسك به لكتابة شىء، فإذا به يكتب شيئا آخر، هذه المفاجأة التى يعرفها كل من تعاطى الإبداع، وأرجع إلى مولانا النفـرى:
ماذا لو أن مولانا هذا ظهر فى عصرنا هذا، وقال ما قال، وأبلغنا ما قيل له هكذا: فقام محام درجة رابعة ورفع عليه قضية تكفير أو قضية تفريق أو قضية تشفير (فوت هذه: لعلها من الشفرة أى الرمز، يالله !!)
المهم نفذت بجلدك يا مولانا رحمك الله
وقال لى (مولانا النفـرى):
… هذه الكتابة هى فى ميزانك أهم من كل موازينك.
فدعوت الله أن يكون ذلك حقا، وخيرا.