نشرت فى الاهرام
7-2-2005
ماذا نفعل بأولادنا؟
زرت مؤخرا مدرستين: فى روض الفرج، ثم فى باب الشعرية. كان الأولاد أقرب وأطيب وأشجع، أما المربون الأفاضل، وبعض الأهل الكرام، فكانوا أبعد وأجهز وأحسم. قلت فيما قلت إن الوالد(ة) ليس والدا لمجرد أنه أنجب أو أنه يمول، الوالد يكون والدا حين تكون له “معالم” محددة، وأيضا حين يكون “فى متناول وعى ولده” حتى لو لم يحضر جسديا، فهم الأولاد، وزام الكبار. معالم الوالد المحددة هى التى يستهدى بها الابن أو البنت قبولا أو رفضا، أما تلك الصورة المهزوزة الحالية للوالدين فهى التى تنتج هذه الكيانات الهلامية الضائعة. تصورت من ناحيتى، ومن خلال المناقشات مع الأولاد أن شيئا ما قد وصل لهم. فوجئت فى الختام بالسادة الكبار يلخصون ما قلت فيما لم أقل. قالوا إننى أعنى أنه: على الأولاد أن يكونوا “كويسين جدا” لأن ذلك “كويس جدا” ولأن الضيف المحاضر،(الذى هو أنا) أستاذ جدا وعالم جدا، وكاتب أيضا .. وخلاص.
فى مدرسة باب الشعرية، عدلت عن البدء بإلقاء كلمة. طلبت من الأولاد أن يبدأوا هم بطرح تصوراتهم عما ينتظرونه منى، قال أحدهم (ربما 14 سنة) بلهجة خطابية سوف تقول لنا: “إن المخدرات خطر جدا” قلت له: لكنك تعرف ذلك فما فائدة حضورى؟ تعجب الإبن وعاد يقول: حضرتك سوف تقول لنا إنها خطر جدا جدا جدا، داعبته أراجعه: هل حضورى ذلك الصباح، مرورا بشارع السوق الأقل من نصف كيلو خلال حوالى ساعة، هو لمجرد إضافة اثنين “جدا”؟ فهم الابن وابتسم، ورفع الكبار حواجبهم. فى نهاية اللقاء (أكثر من ساعتين). لخص أحد الكبار كل الحوار الساخن الذى دار بينى وبين الصغار فى أننى قلت: “إن الشطار هم الذين يسمعون الكلام”. (والله ما حصل!).
رجعت وأنا حزين أتساءل: هل وظيفة الأهل والمدرسين الآن هى تكبيل وظيفة التفكير الطبيعى الذى خلقه الله؟ هل وظيفتهم هى محو ما يحرك المخ، أولا بأول؟ هل وظيفة مجلات الأطفال وبرامج الأطفال لدينا هى غمر وعى أبنائنا وبناتنا بهذا الكم الهائل من النصح والإرشاد بهذا الشكل الفج المسطح؟ حتى الدراما عينوا لها لجنة خشيت أن تنتهى لتكون لجنة “التمثيل بالمعروف والإخراج بلا منكر”. ما الحكاية بالضبط؟ إن الله خلقنا أطفالا بعقول ووعى ووجدان: كلها فى حركة كشف واستطلاع وتساؤل؟ هل أصبحت كل مهمتنا أن نحشر فى أدمغة صغارنا ما يحول دون أن نغامر نحن الكبار باستعادة حقنا فى التفكير خشية أن نفهم ما تنازلنا عن محاولة فهمه قهرا و خوفا؟
أنا من قراء ميكى حتى الآن، أسرق من أحفادى بعض الأعداد، كما تساعدنى بعض المجلدات المختبئة فى أماكنى البعيدة على كسر وحدتى بشكل هادئ ليس فيه اقتحام ولا مصمصمة شفاه. علاقتى مع “عم دهب” علاقة وثيقة وأيضا مع زيزى، أما بطوط شخصيا فأنا أفوت له فهو لا يبهرنى إلا نادرا، أفتقر فى أغلب مجلات الأطفال عندنا إلى أصدقاء حقيقيين لا يخطبون. صادقت مؤخرا كل شخوص وحيوانات وطيور أحمد شوقى فى ديوانه للأطفال.
”من أين نبدأ”؟ من الصغار كما خلقهم الله أم من الكبار الذين يفسدون ما خلق الله؟
مصيبة التربية والتعليم أكبر من إشكالات الثانوية العامة. قيمة الغش التى شاعت حتى كادت أن تصبح قاعدة و مدعاة للتباهى، أفهمها كأن لسان حالهم يقول: إن ما تحشرونه فى أدمغتنا يا سادة لا يستأهل أن نحفظه. نحن ننقله من أصوله إلى أوراق الامتحان، غشا مباشرا، دون أن يمر بأدمغتنا، حفاظا عليها.
……
برغم كل ذلك فسوف يجد الأطفال (داخلنا وخارجنا) طريقهم دون إذن منا (راجع انتشار هارى بوتر)، وربما يشجعنا ذلك أن نحذو حذوهم.