نبذة: نقد شديد لقتل بعضنا البعض تحت زعم الاستشهاد دون تميز، الاستشهاد رائع فى مواجهة العدو لكن لماذا قتل الجزائريين فى الجزائر والعراقيين بالمئات فى العراق؟
الاهرام: 8-3-2004
ماذا نفعل بأنفسنا!
كنت قد قررت اليوم أن أكتب عن خبرتى المتزايدة فى التعامل مع هذا الجنى الإلكترونى المسمى الإنترنت. دخلت موقع الإذاعة البريطانية العربية لأجرب بابا يسمى ‘شارك برأيك’؟ وجدت بين موضوعاته ربطا بدا لى غريبا: بين صحوة الشيعة وبين التعددية السياسية. تعجبت، أبعد كل هذه القرون ؟
حتى لو كان الواقع يقول أننا -نحن العرب- لا نمارس ما يسمى الديمقراطية إلا من خلال القبلية والطائفية والشللية (ناهيك عن المصالح والبيع والشراء) حتى لو كان هذا هو واقعنا، فقد رفضت هذا الربط الذى بدا لى مسطحا.
ثم وجدت نفسى بعدها أتابع مضطرا ذلك الحوار المتصاعد حول مسألة أكثر إلحاحا وأعلى صوتا، ألا وهى مسألة الشرق الأوسط الجديد، أو الشرق الأوسط الكبير، أو الشرق الأوسط المعدل ..إلخ فقلت إن هذا الموضوع أولي، لكننى ما أن هممت بالكتابة فيه حتى فوجئت بالخبر الذى تصدر الصفحات الأولى لمعظم الصحف اليومية يوم الأربعاء 3 مارس الجارى والذى يصف مذبحة الشيعة يوم الاحتفال باستشهاد الإمام الحسين فى كل من كربلاء والكاظمية ببغداد. (182 قتيلا، و465 جريحا – ارتفع عدد القتلى حتى كتابة هذه السطور صباح الخميس إلى 271). وجدت نفسى أتوقف وأنا رافض غاضب خجلان منكس الرأس غير فاهم , كله إلا هذا !! نحن فى ماذا أم ماذا ؟ لم يعد أعداؤنا أو حتى منافسونا فى حاجة إلى بذل أى جهد لإثبات أننا دمويون مخربون إرهابيون قتلة. إذا كان هذا هو ما نفعله ببعضنا البعض، فهل يحتاج الأمر إلى إثبات أننا انتحاريون نكره الحياة لأى آخر، بل ولأى بشر؟!! بل ولأنفسنا: بدليل ما نفعله فى بعضنا البعض: هكذا؟
أنا أفخر كثيرا بعدم فهم ما لا أفهم، لا توجد قوة فى الدنيا تضطرنى أن أحشر فى دماغى تفسيرات لاتقنعني، ربما لهذا أنا لا أستسلم للإسراع باتهام الموساد والأمريكيين باعتبارهم مسئولين عن كل ما يلحق بنا من مصائب وتدهور. أنا لم أفهم أبدا -حتى الآن- معنى أو مغزى القتل الجماعى الذى مورس فى الجزائر ضد أسر بأكملها، بعيدا فى الريف أو بين الجبال، أسر ربما لم يسمع أى من أفرادها عن شيء اسمه الحكومة المركزية أصلا، أو جبهة الإنقاذ، وحين قيل إن الحكومة هناك ربما تكون هى الفاعلة، لم أفهم.
عدت إلى الخبر الأحدث: حاولت أن أتقمص أحد هؤلاء التسعة المنتحرين القتلة فى الكاظمية أو الأربعة فى كربلاء ففشلت، أستطيع أن أتقمص بطلا. يضحى أحدهم بنفسه استشهادا وهو يفجر نفسه فى جنود إسرائليين أو حتى فى سكان مستعمرة أقيمت على أرضي، أما أن أفجر نفسى لأتخلص ممن يختلفون معى فى مذهب دينى وأنا أنتمى معهم إلى نفس الدين، فلماذا؟ وماذا بعد؟ ماذا يمكن أن أجنى أنا أو أهل فرقتى أو ملتى من القضاء على بضع مئات أو ألوف أو حتى مليون من الملة الأخري؟
يقولون إنهم بذلك يهزون هيبة الحكم الأجنبى ويعلنون فشله ؟ فلا أفهم. يقولون إنه الموساد يثير الفتن، فيقل غبائى قليلا لكننى أظل غير فاهم. ينبرى أحدهم ليقول؟ إبحث عن المستفيد: إنهم الأمريكيون يبررون بقاءهم، فأتساءل بينى وبين نفسي: وهل هم فى حاجة إلى تبرير بعد ما كان؟ ثم أتساءل أيضا: وهل مثل هذا يبرر بقاءهم.
أنا أنتمى إلى دين يعتبر أنه إذا التقى مسلمان وتقاتلا فالقاتل والمقتول فى النار (حتى المقتول هو فى النار لأنه كان ينوى أن يقتل غريمه) فهل هؤلاء الجناة المنتحرون -لا المستشهدون- ينتمون إلى نفس الدين ؟
قبل وبعد أن نستغرق فى التبرير، والاتهام والادعاء جنبا إلى جنب مع التمادى فى الكسل والتقليد والصياح والانتحار. علينا أن نفهم، لنتعلم، ثم:
إما أن نعيش كما البشر أو فلندفع الثمن جناة وأبرياء.
عذرا،