نشرت فى مجلة الهلال
عدد أغسطس 1996
ماذا طرأ على شباب مصر؟!
الشباب يحتاجون إلى الاحترام لا الإنكار
لابد من التنبيه ابتداء على أن أغلب الذين يتكلمون عن الشباب – مثل حالتى الآن- ليسوا شبابا والخوف كل الخوف أن يتكلموا إما عن شبابهم هم، أو عن تصوراتهم عن الشباب، وليس عن هؤلاء الشباب اللحم الحى الذى يسير حولنا، ويثيرنا، ويحملنا مسئولية ما آل إليه وهو يحاول ما استطاع أن يستمر بأى صورة كانت.
ثم إن كل ما يمكن أن يرصد فى مسألة الشباب إجابة عن “ماذا جد عليهم؟” ومن هم، وكيف هم، له أكثر من وجه، بمعنى أنه من الخطأ تصنيف الظواهر التى نرصدها حول تحولات الشباب بلغة أحادية اللون (أبيض، أسود، أحمر.. إلخ)، أو استقطابية الأبعاد: بمعنى أن المسألة ليست مظاهر سلبية فى مقابل مظاهر إيجابية، أو سيئا مقابل حسن، أو جماعات مقابل منحلين، أو غربيين مقابل سلفيين، إلى آخر هذا التصنيف السريع بل إن النظر وراء كل ظاهرة سواء كانت سيئة أم حسنة فى الظاهر قد يظهر لنا بعدا أعمق يهدينا إلى حكم أشمل وأصدق.
وكذلك فإن حل المشاكل واختبار الفروض على الورق. دون الواقع، هو أخطأ ما يمكن أن نعالج به أمور الشباب، فالمسألة ينبغى أن تتناول حيثما هم، كما هم، بما هم، لى ما يمكن ويتطور، وليس بالضرورة إلى ما نرى ونجزم.
نعود إلى السؤال المطروح: ماذا طرأ على شباب مصر أخيرا؟
سؤال صعب إذا شئنا أن نكون عند حسن ظن السائل. إذ من يعرف؟ ومن يجرؤ أن يجزم؟ ومن يخطئ فيعمم؟
وفى محاولتى للإجابة عن هذا السؤال أبدأ بإعلان بعض تحفظاتى، وتحديد بعض مصادرى على الوجه التالى:
أكتب كلامى هذا باعتباره نتاج وجودى بين الناس، ومنهم شباب هذه الأيام، مضروبا فى تكوينى العلمى والاكاديمى الذى أصبح بعض ذاتى، فأعرض رؤيتى فى شكل فروض تسير بنا فى اتجاه يمكن أن يلقى بعض الضوء على ما يجرى، وما قد يصير.، وإذا طرحنا جانبا ما يمكن أن نرجع إليه من نتائج الأبحاث ذات الأعداد المؤلفة “بالألف” والتى عادة ما تعتمد على صيغة أسئلة يجاب عنها بالإيجاب أو النفى أو غير ذلك، باعتبار أنها مجرد مصدر واحد مازالت مصداقيته مقولة بالتشكيك لا بسبب عدم الدقة أو عدم الكفاية، وإنما بسبب صيغة المنهج المحدودة الدلالة، إذا طرحنا هذا المصدر جانبا – على الأقل فيما يخص هذا المقال – فمن أين أستلهم الفروض لأعرض رؤيتى؟
إننى أرى أن الانطباع بالممارسة الصحيحة ينبغى أن يؤخذ فى الاعتبار وخاصة من كبار السن الذين أتيحت لهم فرصة مواكبة أجيال مختلفة، وأعنى بالممارسة الصحيحة تلك العلاقة العميقة الممتدة مع الشباب فى ظروف مختلفة كالتى تتاح للمدرس الحقيقى، والطبيب الحكيم، والمدرب الصديق.. والوالدين اليقظين.. الخ، على أن ثمة مصادر أخرى لا يمكن إغفالها رغم أنها تهمل فى العادة، وذلك مثل إبداعات الشباب أو الإبداعات التى تحكى عن الشباب ومثل مزاج التلقى عند الشباب، أى النظر فيما يختاره الشباب ليملأ به وعيه، أو يستجلب به بهجته، أو يخدر به انتباهه، أو يقتل به وقته، أو يحيى به وقته، أو يحقق به لذته، أو يهرب فيه من ألمه، أو يلهى به نفسه، أو يبرر به حياته، وهذا – كما ترى – يشمل عالما بل عوالم زاخرة من النشاطات والممارسات المتعددة المشارب والأشكال، بحيث يكاد يشمل كل شئ من أول الأغنية التافهة حتى الالتزام بالصلاة بالمسجد أو الانتماء إلى الجماعات أوشمة الهيروين.
لكل هذا فإننى أعلن ابتداء أننى أكتب من واقع ما تجمع لدى -فى- تلقائيا من خلال الممارسة الإكلينيكية من ناحية، وبالذات من خلال العلاج الجمعى، وإلى درجة أقل من خلال دورى كأب وكأستاذ، ثم نظراتى فى المصادر السالفة الذكر مع استثناء المصدر المعلوماتى الكمى المجرد.
وانطلاقا من ذلك أقول:
إن الشباب فى مصر يمر بأزمة خطيرة خطيرة، حتى أقول إنها تكاد تبدو لى أحيانا أنها أخطر ما عرف فى التاريخ “تصور مدى فزعى!!!”
وعلى هذا الأساس، سوف أعرض بعض المظاهر، دون أن أصنفها ابتداء: إلى سلبيات وإيجابيات، لأننى سوف أمارس لعبة تسمى “… نعم .. ولكن”. بمعنى أن الواحد منا قد يذكر مقولة أو يطرح أطروحة أو يبدى رأيا، لكنه سرعان ما يردفه بما يخففه أو يناقضه أو حتى ينفيه، وهى لعبة لها وجه سلبى حين تكون وظيفتها تأكيد الميوعة والتخلى عن مسئولية التحديد، ومثال ذلك: نعم أنا مخطيء فى حق فلان، ولكن هو الذى بدأ وهو يستأهل أكثر من ذلك “فقد نفى بهذا الاستدراك ما جاء فى الجملة الأولي” كما أن لها وجها أيجابيا: حين تكون طريقة فى التعبير الدال على الرؤية الأشمل واحتمال الخطأ مثل: نعم نحن – المسلمين هم الذين سوف يدخلون الجنة فحسب، ولكن سوف يدخلون الجنة فحسب، ولكن الله أرحم وأعدل من كل ما نتصور ونعرف، وهكذا.
وبما أنه لا يمكن التعميم، فسوف أقدم دائما تمييزا كميا يحدد رؤيتى بقدر الاستطاعة، “تمييزا مثل: بعض، كل، أغلب قلة من ..، إلخ”، وسأضعه بين قوسين فى بداية كل فقرة، وإليكم رؤيتى:
1- “أغلب” الشباب المصرى اليوم لا يتقن شيئا، ولا يتعمق فى شيء، لغته مترهلة تقريبية، ومعلوماته حرفية سطحية، وعلاقاته سريعة مجهضة “الأمثلة: أغلب طلبة الجامعة وخريجيها وصغار هيئات تدريسها وجمهرة غالبة من الموظفين بلا وظيفة: فى الحكومة والقطاع العام”.
إنجازات الشباب:
ولكن ..
إذا أتيحت لهؤلاء الشباب الفرصة فى ظل منظومة محكمة، ومتابعة ملاحقة، فإننا نفاجأ أنه أنجز وتعمق وأتقن، وأضاف “الأمثلة: شبابنا فى الخارج، وبعض قفزات إنجازات الداخل فى مجال السياحة أو التجارة وليس فى مجال البحث العلمى أو فدادين الاستصلاح الخمسة (!!) للأسف”
2- “أغلب الشباب المصرى تنازل عن حقه فى الحلم، وفى الخيال، وفى الأمل، بحيث أصبحت قياساته آنية، ومطالبه عاجلة، وحكمه فورى.
ولكن ..
إذا ضاق به الواقع فإنه يندفع إلى خيال أسطورى جامح، وبعضهم يروض هذا الخيال فيحقق به واقعا أقوى من الخيال، مثل شطحات الهجرة الناجحة، وإنجازات الإبداع الواعدة والمتزايدة.
3- “أغلب” الشباب المصرى يفتقر إلى الإبداع، فهو إما نسخة مكررة من صورة سلفية (وليس من إبداع السلف الصالح)، وإما أراجوز نشيط يقلد المستورد من الخواجات بلا إضافة ولا تمييز.
ولكن ..
يبدو لى فى كثير من الأحيان أن هذا جمود مرحلى يعلن الشاب من خلاله موقفا احتجاجيا، وفى نفس الوقت ينذر بانقضاض خطير، وقد يتم هذا الانقضاض باختراق التقاليد فالإنطلاق الإبداعى، كما قد يتجه إلى عكس ذلك حسب الفرص المتاحة .
4 – (أغلب) الشباب المصرى شاخ قبل أوانه، ولبس عمامة الجد الصارم، فنحن نرى الآن القيم الأخلاقية (التقليدية عادة) والدينية (الشكلية عادة) تتجه من تحت إلى فوق، من الأبناء إلى الوالدين، وليس العكس كما كان مألوفا، فالابن هو الذى ينبه والده إلى الحفاظ على الصلاة فى المسجد كل الأوقات، والبنت تنصح، وأحيانا تفرض على أمها لبس الحجاب، ولا اعتراض على ذلك من حيث المبدأ، لكن ما يصاحب هذا الموقف الوعظى، والإرشادى، يكون عادة اتباعا حرفيا لمظاهر وطقوس الدين دون إكمال الحوار مع الله، أو مع النص أو مع الآخر، فيصبح الشباب عجوزا يصدر أحكاما، وليس مستكشفا يطور موقفا.
ولكن ..
الشباب والفضيلة:
هذا الموقف الأخلاقى (السطحى) الكهل، يعلن فى داخله حاجة الشباب الى الفضيلة، والرغبة فى الالتزام، صحيح أن ما أتيح له من ممارسات ومفاهيم حول الفضيلة كان مختزلا وظاهريا، ولكن مجرد الاهتمام بما يجب وما لايجب هو إعلان ضمنى بأن الشباب يحاول أن يأخذ المسائل جدا لا هزلا، وأنه حريص على الحصول على منظومة مامن القيم، وأنه لم يجد “تشكيلة” كافية فى سوق القيم المعروض عليه، فاكتفى بالجاهز الواضح مهما كان سطحيا أو مختزلا.
5 – (كثير من) الشباب المصرى انفصل عن كل ما هو مصرى، وكل ما هو عربى، وكل ما هو أصيل، وكل ما هو تراث، ويمثل ذلك هذه الفئة من الشباب التى تربت فى المدارس الخوجاتى (تعمدت استعمال كلمة خواجاتى دون اللفظ العربى “الأجنبية”، ومنها إلى الجامعة الأمريكية أو الخارج، فالبنوك وشركات الاستثمار وما أشبه.
ولكن ..
بعض هذا الفريق بعد أن ينجح ويستقر يجد نفسه -إذا لم يهاجر- فى أرضه، والبلد يواصل المسير بفضل انفصاله وبالرغم منه فيتحرك فيه ما يجعله يؤلف ثلة، فجماعة، ففريقا، فناديا، فأرضا، فمصلحة مشتركة، فوعيا مستقبليا، فوطنا جديدا.
6- (كثير من) الشباب المصرى تبلد إحساسه، فلم يعد يشارك لا فى الرأى ولا فى الرؤية، بل لم يعد يتعاطف لا مع مشاكل وعواطف الأسرة، ولا مع الناس: لا ناسه (مواطنيه) ولا الناس عامة.
ولكن ..
هذه المسألة بالذات لاتخص الشباب فحسب، والنظام مسئول عن مثل ذلك، فالمشاركة بالرأى لا تصبح عادة متنامية إلا إذا أثبتت فاعليتها، والمشاركة بالعواطف فقط هى نوع من الطفلية الخائية إن لم يصاحبها رأى متولد من مصداقيتها، ومن ثم دافع إلى التغيير، وما دام لا هذا ولا ذاك هو فى أفق المتاح حاليا، فإن الشباب لايشارك، وهو سوف يشارك حين يجد نفسه فيمجتمع يضع المشاركة فى موقعها الحقيقى، كجزء لايتجزأ من صنع القرار.
7 – (أغلب) الشباب المصرى ساخط يلقى اللوم، بحق وبغير وجه حق، لدرجة تشعر معها كأنه يتصيد الأخطاء لا يلاحظها أوحتى يرصدها، وهو يلعن كل شئ وكل أحد (من باب الأخذ بالأحوط)، ولا يعطى بديلا.
ولكن أليس هذا هو ما بقى له من إعلان لموقفه ورفضه، ثم إن هذا السخط المتواصل، رغم سلبياته الأكيدة، هو رؤية حادة، قد تخفى جوانب جيدة لا ينبغى أن يتعامل معها بنفس نوع السخط والإنكار ثم إنه من ناحية أخرى نوع من الصراخ بأنه: ما لا تنصلح الأصول حقيقة وفعلا، فإن الإصلاحات الفرعية والثانوية والظاهرية هى تسكين لا نجوز عليه ولا فائدة منه.
8- (فريق من) الشباب يريد أن يثور وأن يعترض، وأن تتحدد هويته، فيندفع بحماسه الفائق إلى مثاليات رافضة، تحت عناوين وشعارات قيم مقدسة (مصنمة) ثابتة، ثم يجد نفسه جاهزا للفعل بعد أن يئس منكل سبيل آخر .. فيعصبون عينيه بعد أن جمدوا فكره، ويسلمونه السلاح، ويعدونه بالجنة، وهات يا قتل وياتخريب ويا إرهاب.
ولكم..
هل وجد الشباب سبيلا آخر للثورة والاعتراض وتحديد الهوية، سبيلا حقيقيا فيه من الاحترام والمشاركة ولا إبداع ما يحقق له نتائج اندفاعته، ومشروعية رفضه فى إطار واقع حقيقى، ثم ترك كل هذا وراح يختار ذلك الطريق الاخر المدمر والمخرب؟
وعلى الجانب الآخر:
9- (كثرة من) الشباب المصرى قرر أن يستقل عنالدولة وعن التبعية، فراحيمزق (أو يركن) شهادته ويتعلم الحرف، وراح يغلق المذياعبل والتليفزيون ويسمع الكاسيت، (حتى لو أسميناه نحن هابطا) والقادر منهم راح يرفض تعليم الدولةويلتحق بالمدارس الأجنبية والجامعة الأمريكية وما يماثلهاإن وجد (مثل بعض المعاهد والكليات التكنولوجية الخاصة الجديدة)، وكل هذا يقول إن الشباب أزاح، أو يزيح الوصاية، ويبحث عن البديل.
اللغة الجديدة !
ولكن ..
هذا الاستقلال هو استقلال عشوائى، وكل فرقة مستقلة، تصنع لها جزيرة خاصة، بل تكاد تؤلف لها لغة خاصة، وشفرة خاصة، وهوية خاصة، ولعل ما نسمعه عن اللغة الجديدة (مية مية، إللى هو، دماغ .. إلخ) ، ونبكى من خلاله، أو نتباكى، على اللغة الخذبة، واللغة الدمثة، وأحيانا اللغة العربية، لعل فى كل ذلك ما يؤكد ما ذهبت إليه مما أسميته الجزر المستقلة، وبالتالى فلن يكون هذاالاستقلا إيجابيا إلا إذا تجمعتهذه الجزر فى مجرى النهر الواحد، أو حتى داخل البحيرة الواحدة.
10- (بعض) الشباب اندفعوا إلى محاولات الإبداع بصدق واعد، ورغم قلة فرص النشر وقلة فرص النقد، فإن الجهود الذاتية، والمسودات المتاحة، بعض جهود قصور الثقافة سوما أشبه تشهد جميعا أنها موجة حقيقية من المحاولات الجادة والعميقة، وحتى المحاولات التى يقال إنها تفاهة ومشوهة، (مثل الحال فى الأنية الكاسيت ومطربى الصحراء والعشوائيات .. إلخ) هى محاولات إبداعية بحق، تترامى فى إزعاج هنا وهناك، لكنها تعلن رفض السكون والاستسلام، ورفض القديم والوصاية. بل إن إبداع الشباب امتد إلى مجال الكمبيوتر فبرز منهم فريق أتقن إبداعات البرامج الجديدة، وفريق آخر أبدع سرقة البرامج الجاهزة والمشفرة، ورغم إنه وفى الدول النامية، والنسبة لهدف هذا المقال هو إبداع فعلا يتجاوز البعد الأخلاقى والقانوني.
ولكن..
إن الافتقار إلى الإتقان، والإيقاع الهادئ والمثابرة، والحوار والنقد جنبا إلى جنب مع كثرة الهجوم دون تمييز بالإضافة إلى الاستهانة، والسخرية، والتذكير بالماضى والقياس بالراسخ والمألوف، كل هذا قد يجعل هذه الجزر تزداد استقلالا دون النظر إلى القوارب المحيطة، أو النهر الجارى، أو حتى البحيرة الخاصة.
11- (قلة أخرى من) الشباب يتقنون التقليد، تراهم وهم ينسخون بعض النشاطات كما سبق ذكره بشأن سرقة برامج الكمبيوتر كما تراهم يؤلفون الفرق التى تغنى بلغات مختلفة وتصل درجة التقليد أنك تفاجأ بنفس الشاب (الشباب) المغنى الذى كدت تحسبه “خواجا” وهو يغنى مرة بالفرنسية ومرة بالانجليزية، تجده وقد قلبها كارم محمود، يا حلو ناديلى، وقيد قناديلى، بنفس الإتقان والحبكة، وإتقان التقليد هذا ليس بالضرورة تنازلا عن الهوية، فنهضة اليابان (فبقية شرق اسيا) كلها مبينة على إتقان التقليد، ثم إضافة شديدة التواضع ولكنها شديدة الدلالة، فهذا التقليد – بإضافة أو بدون – هو ظاهرة جدت عند شبابنا، وهو ظاهرة واعدة مهمة.
ولكن..
يبدو أن هذا التقليد لا يمكن الاكتفاء به أو الاطمئنان إليه مالم يتميز المقلد -فى النهاية- عن الأصل، ثم إن التقليد اذا أصبح هو نهاية المطاف فإنه يمكن أن يقوم بما يشبه انتزاع الجزور، بدلا من التطعيم بفرع فاكهة جديد، فهذا النوع من الإنجاز الماهر قد يصبح مبررا للتخلى عنالأصضل، وكافيا للستمرار نسخة مكررة بلا إضافة، فهى ميتة لا محالة.
12- (كثرة مناسبة من) الشباب الذين يسافرون، خاصة رلى البلاد العربية، إما بما يسمونه “طرازن” (أيمغمر يحط حيث يصل به الترحال)، وإما تعقود متواضعة وظالمة، قد أظهروا قدرة هائلة على التحمل فى سبيل لقمة العيش، فرضوا بأصعب الفرص، وعاشوا فى أدنى مستوى، وتحملوا أقصى المعاملة ليرجعوا، لعلهم يبدأون من جديد، يبزون بما يمكن أن تستمرمعه حياتهم، وبذا يثبتون – رغم كل شئ – حبهم للحياة وقدرتهم على الاستمرار تحت كل الظروف.
ولكن ..
هذا التحمل فوق طاقة البشر سمجح لمن تحملوهم من أصحاب المال والأعمال فى الغربة أن يسئوا التأويل، وأن يتمادوا فى الإهانة، وأن يغرقوا فى التهديد والتحقير، بدرجة يضطر معها هؤلاء الشباب أن يبلعوا كل شئ حتى الشعور بالكرامة ويعدوا يوجهون عدوانهم واحتاجهم، ليس على من أهانهم، وحقرهم، ولكن على بلدهم وذويهم، وهم بذلك يفقدون كل شئ رغم كل شئ، ثم يجدون أنفسهم إما مشلولين معتمدين على ماجمعوا لا أكثر أو متسولين يشحذون مالم يجمعوا لا أكثر أو متسولين يحذون مالم يجمعوا,هذا غير الاحتمالات الأخرى الأخطرمثل الانضمام إلى الجماعات، أو المافيا، أو الانسحاب تماما بالمرض أو المخدر أو الموت.
13- (عدد متوسط من) الشباب تعلم المثابرة من خلال تكرار المحاولات، وتغيير المهن حسب الحاجة، وكذلك التنقل بين بلدان العالم من أدنى الأردن إلى أقصى نيوزيلاندا مارا بالخليج وإيطالياوالنمسا وغيره، وهم بذالك، يثبتون أن حبهم للحياة، ومقاومتهم للاستسلام، قد سمحا لهم بوفرة الحركة والتوزيع، وأيضا بالوقوف بعد الوقع مرة ومرات.
ولكن..
قوة طاردة:
صحابت -فى أغلب الأحوال- هذا النشاط المتنوع، وهذه الحركة المتدفقة درجة كبيرة من التشتت والانفصال، وكم غائر من الاحتجاج واللوم موجه إلى من اضطروهم لمثل هذا، وبدلا من أن تكون الحركةج ثروة حياتية متفجرة، أصبحت قوة طاردة ملاحقة، فأصبح ما تحقق من خلالها – فى كثير من الأحيان – أقرب إلى حركة النيازك المنفصلة منها إلى الدوران بعيدا ولكن منجذبا إلى الكوكب الأم.
وبعد:
فإن أخشى ما أخشاه أنتصل هذه المقالة بالقازئ إلى ربكة غير مفيدة، فكل ما هو سلبى قد يحمل مبررات تفسره، وقد يحتوى إيجابيات يمكن أن تعدل مسارها وتطوره إلى غير ما بدأ به.,
وكل ما هو إيجابى معرض لتغيير اتجاه، وتحطيم إنجازاته.
هذا فضلا عما يمكن أن يشعر يه القارئ من احتمال ميوعة موقف الكاتب وتلاعبه.
ليكن:
رلا أننى أدعو القارئ أن يفتربض اجتهادى، وأن يشاركنى المحاولة، وأن ينتبه إلى الحال الخطيرة التى وصل إليها إما بالإرهاب أو بالانحلا، إما بالاعتمادية، إن الزمر خطير، وشجى السلبيات وتعدادها لا يكفى.
كذلك فإن رصد ملامح الثورة الشابية دون الانتباه إلى صعوبة الظروف المحيطة، وخطورة الانحرافات المحتملة نتيجة للافتقار إلى الحذر، أو التسليم إلى خدر الحلم أو وهم الحرية، كل هذا خليق بأن يهدر كل إيةجابية محتملة الرصد واعدة بالخير.
المطلوب من كل مخلص زلا يكتفى بالسخط والشجب والحكم الفوقى.
المطلوب من كل وعى صادق ألا يتوقف عند احترام المحاولات المتناثرة هنا وهناك، فيكتفى بالتصفيق لما يشبه الثورة مما لا يكتمل، ولا يستمر.
إن المسألة تحتاج إلى صبر محب للحياة، وفهم لنفوس هؤلاء الناس الأصغر، فهم يسبقه ويواكبه قدر هائل من الاحتراملا التفويت، ولا الإنكار، جنبا رلى جنب مع ما ينبغى من الحذر، ويدعم هذا وذاك التقدير العميق للأمر من المر الذى رماهم على امر الذى هم فيه.
كما تحتاج المسألة إلى تعهد كل محاولة، وتنمية كل إيجابية، وتأمين كل استمرار.
لم تعد تكفى لهجة: كنا .. وأنتم، أين أيمانا، أين أيام زمان.. ماهذا الذى يسمعون. ماهذا الذى تفعلون .. إلخ
لم يعد يكفى هذا المقال ومثله، فهم لن يقرأوه,وإذا قرأه بعضهم فسوف يبتسم، والآخر-الأطيب منهم- سوف يشفق على كاتبه.
لم تعد تكفى إدارة حوارات بلا حوارت بلا حوار، ومحاولة لاإقناع بما لسنا نحن مقتنعين به المسألة صعبة، والجهد لازم، والحل ممكن.
ليس قريبا، لكنه ممكن.
طبعا!!!!!!!
وإلا فلماذا، وكيف، تستمر الحياة؟