نشرت فى الدستور
13-10-2005
… لم يأت سوى الطيف الغامض
فى 21/7/1982 أول شوال 1402 هجرى كتبت قصيدة بعنوان “آلام العيد”، نشر بعضها بعد ذلك بخمسة عشر سنة، تذكرتها الآن مرة أخرى حين حلت مناسبة يوم مولدى (وهو ما يسمونه: عيد ميلاد) قبل عيد الفطر الحالى بيومين، ووجدتنى أحمل حقائبى وأهرب إلى الشرق بعيدا عن التهانى التقليدية بما ليس لى فيه فضل، علاقتى بهاتين المناسبتين ليست طيبة، وأنا لم أختر أن أولد، وولادتى – غالبا – لا تعنى شيئا لأحد، ولا لى شخصيا، ماذا لو لم أولد أصلا ؟ هل هذا هو ما يسمونه اكتئابا؟ لا طبعا !! طبعا لا ..!! عندك عندك: لماذا: “لا” هكذا؟ مالى ملهوف للإسراع بالنفى؟ ألست بشرا من حقى أن أحزن بسبب وبغير سبب؟ لكن ما ذنب القارئ فى هذا ونحن فى عيد الفطر، الله يخيبك، وما له هو ولعيد ميلادك ومتعلقاته وتفاصيله؟ ولكن دعونا نقرأ بعض القصيدة القديمة لنقارن بين مشاعر رجل كان على وشك أن يتم عامه الخمسين، وهو الآن يخطو فى أوائل العقد الثامن:
-1-
….. ما حاكت لى جلباباً ذا صوتٍٍ هامسْْ، لم يمسسه الماءُ الهاتكُ للأعراضْ، لم يتهدّل خيطـُـــه.، لم تتكسَّر أنفاسُــه.
-2-
…… صدّقتُ بأن الماحدثَ طوال العامْ، يأتينى الآن، لم يأتِِ سوى الطيف الغامضْ.
-3-
…. يقطر ثدىُ العمَّّ رحيقََ الرُّضَّعْ، أتلفع بُالورقةِِ تُدْفئنى، تتمايلْ، تتأرجحُ مثل الأيام، تتفتَّح أكمام الحبَّّ الآخرْ، فأخاف النوم وصبحا يترقَّبنُىِ.
-4-
…. أهربُ من كومة ناسٍٍٍ مختلطهْْ.أْخرج من باب الدرب الآخرْ.
-5-
….. دربى بكرٌ فوق حصاهُُ تسيل دماءُ القدِم العارِى. يتبعنى الناسُُ الـمِثلى، ليسوا مثلى.
من مثلى لا يسلكُ إلا دربه، يحفره بأنين الوحدهْْ، يزرع فيه الخطواتُ الأولىَ (دوماًً أولىَ)
يَرْويهاََ بنزِيفِِ الرّؤيْهْْ.
-6-
….. تتفتح أكمامُ العيد بلا موعدْ. ذات بريقًٍ وحضورٍٍ وروائح وكلامْْ.
(انتهت مقتطفات القصيدة)
حين عدت أقرأها بعد ربع قرن، جعلت أتساءل: ماذا تغير فىّ؟ وماذا تغير مِنْ حولى؟
راجعت تاريخ كتابة القصيدة فإذا به بُعَيد رحيل المرحوم السادات بعد أن عصفت به وبنا نوّة سبتمبر اللعينة، ثم تولى الرئيس مبارك ولايته الأولى، تذكرت حياء الأخير وتواضعه وحديثه مع المحيطين به آنذاك، ووجدت أن الأمر اختلف تماما، تماما. ليس هو هو، وليس ابنه هو، فهل أنا أنا؟ وهل نحن نحن؟.
نهاية القصيدة تقول: إن الأكمام تتفتح حين يحين أوان تفتحها، وأن العيد ليس مرتبطا بموعد بذاته، قبل هذه النهاية لوحت القصيدة باحتمال الخروج فرادى من هذا الإغماء الجماعى الذى يحيل الناس إلى كومة لزجة ممتزجه، لو فعل كل منا ذلك ولو منفردا إذن لتجدد الأمل حتى لو كان الثمن فى البداية هو وحدة شديدة الإيلام.
الخوف من آلام الوحده لا ينبغى أن يكون مبررا ألا يسلك كل واحد منا دربه الخاص جدا، مادام متيقنا أننا سوف نلتقى حول هدفنا العام يوما ما. على كل واحد منا ألا يتوقف أبداً.
***
توقفت فى الأسبوع الماضى عند وعد بالعودة لما يدور داخل الحزب الوطنى، ولم أنتبه إلى أن ما يجرى خارجه قد يكون أخطر، لاحظت ذلك هذا الأسبوع كما لاحظت كيف تراجعت رموز لجنة السياسات عن تصريحاتها حول الخلافات الداخلية مع أنها كانت من أصدق وأشرف الاعترافات، عادت لى أغنية نجاة التى استشهدت بها قبل أسبوعين “أرجوكو سيبونا حاتلقونا حانصالح بعض لوحدينا”، هل هم صحيح يصالحون بعض لوحديهم أم أنهم يسوون مصالح مشتركة جديدة فيما بينهم، وما حولهم، على حسابنا نحن، حتى لو أدى ذلك إلى أن يحالفوا، أو يفوتوا سرا أو علانية للمحظورة الغالية المسماة “الإخوان”؟
مضى ربع قرن، لننتهى إلى ما كنا تجاوزناه قبل نصف قرن، وإن كان لا يعدو ما جاء فى القصيدة: “لم يأت سوى الطيف الغامض”
ترى ماذا يمكن أن يكون الحال بعد ربع قرن آخر من الآن؟
أغلب جيلى لن يكون هناك آنئذ.
أحسن!!
ولكن: من يدرى؟