اليوم السابع
الجمعة: 6-9-2013
لماذا الحوار: يا حلاوة الطين!
منذ ثلاثين عاما حدث لى ما يلى:
كان الشاب ملتحيا جدا، وجهه سمح، فيه طيبة مصرية برغم أنه كان أبيضا ناصع البياض، لحق بى بعد المحاضرة (سنة أولى طب) أيام كنت ألقى محاضرات، وطلب بأدب جم أن نواصل الحوار فيما أغلق عليه فى بعض ما أشرت إليه أثناء المحاضرة مما لم يفهمه جيدا، ربما لأنه كان لا يتفق مع منظومته. قلت له على شرط، قال أقبله، قلت: لنتفق أن ما يسرى عليك يسرى علىّ، قال: هذا تفضل منك، قلت: بل هذا هو عدل الحوار. قال: طبعا، قلت له: لنفترض أننى خرجت من الحوار مقتنعا برأيك حتى غيرتُ رأيى الذى لم يعجبك، أشرق وجهه بالبشر ولم يتردد قائلا: نحمد الله أن هداك إلى الحق، قلت: لنفترض – لا قدر الله لا قدر الله يعنى– أن العكس حدث، قال: أى عكس، قلت: لنفرض أننا خرجنا من الحوار وأنت مقتنع بعكس ما هو فى فكرك الآن حتى اضطررتَ أن – لا قدر الله -، تردد مليا، ثم سأل مستوضحا: ماذا تعنى بعكس ما أنا فيه، قلت له: أنا لا أعرف ما أنت فيه، مما تعتبره الصواب كل الصواب ولا شئ غيره الصواب، لكن لا بد أن له عكسٌ ما. انزعج هذه المرة أكثر. قلت له: أنا أصدقك، وليس عندى نية أن أزعجك، ولا أ ريد أن أقنعك بشئ، وما ذكرته فى المحاضرة هو مجرد رأى شخصى، يحتمل الخطأ والصواب، والله سبحانه سوف يحاسبنى عليه، قال مطمئنا: إذن نتحاور. قلت له: إذا كنت واثقا مائة فى المائة أنه من المستحيل أن تتحرك بعيدا عما تعتقده وأنه مستحيل أن يتزحزح فى اتجاه آخر. فلما الحوار، وفيما الحوار يا بنى، ربتّ على كتفه ودعوت له بالتوفيق فدعى لى بالهداية.
ثم بعد عشرين سنة كتبت هذه الأغنية للأطفال:
الدنيا مش أبيض واسودْ
الدنيا كتير والناس ألوان
وقديمك لازم يتجدد
لو كنت صحيح مخلوق إنسانْ
مش معنى كده تبقى رمادى، أو من غير لون
كل المطلوب إنك تفهم : إنك “كائن” “عمّال بتكونْ”
فتح عقلك للى ما تعرفشى كتير عنّه
وضرورى حا تلقى انك عايز حاجه منّه
ما هُــُو هوّه كمان مش حايسيبك إلا مع بعض
ربنا سوّانا سوَى جميعا من طين الأرض
كده تقدر تكبر وتكبّـر
كده تقدر تفهم وتقدر
تلقى الأبيض جوا الإسود: لاتنين حلوين
والعكس صحيح، طيب جرّب، يا حلاوة الطين