نشرت فى الوفد
28-10-2009
تعتعة الوفد
لعن الله من تشاءم جالسا، أو تفاءل ناعسا
كنت قد كتبت للأطفال أرجوزة تفيد نفس المعنى الذى أوردته فى مقال الأسبوع الماضى (أنتَ وما ترى!)، وقد دهشت للتساؤلات والاحتجاجات التى وصلتنى بعد هذا المقال، مما احتاج منى إلى العودة إلى ذات الموضوع لأكرر توصيتى أن يحمل كل من يسب الشعب المصرى، أو يشفق عليه من أعلى، أو يعدد سلبياته، وأيضا كل من يتفاءل بإغماض عينيه، أن يحمل هذا وذاك مسئولية موقفه كالتالى:
- أن يتذكر أنه “مصرى”، وأن المصريين الذين يتحدث عنهم هو “أحدهم”
- وأنه مشارك – بشكل أو بآخر – فيما آلت إليه الحال
- وأن يبحث عن ما يمكن أن يبادر به شخصيا–الآن- حتى يوقف التمادى فيما آل الحال إليه
- وأنه حتى لو وضع كل المسئولية على عاتق الدولة والمؤسسات الرسمية والفوقية (بما فى ذلك السطة الدينية، والفيضان الإعلامى)، فعليه أن يمارس من السياسة ما يغير به هذه السطات، (قال ماذا؟!)بانتخاب غيرها، وهذا ما يسمى “تداول السلطة”، وإلا فهو مشارك فى إثم بقائها ما دام الأمر كذلك، وبما أن هذا التداول غير مطروح فى المدى القريب، فليس أمام أى منا إلا أن يحاول أن يجعله محتملا ثم واقعا، وإلى أن يتم ذلك بالديمقراطية أو بالثورة، لا أظن أن الأمر يحتمل الانتظار، وليكن الإسهام فى التغيير فرض عين، إذا قام به البعض لم يسقط عن الباقين، وكلنا آتيه يوم القيامة فردا.
وجدت فى أوراقى فى مجموعة الأراجيز التى كتبتها للأطفال شرحا بسيطا لوجهة نظرى هذه، فيه شرح أبلغ لحكاية النصف الملئ والنصف الفارغ من الكوب،
قلت : إن لم يفهم الكبار ما قصدت، فليستدعوا الطفل بداخلهم ليشاركوا الأطفال الذين خاطبتُهم كما يلى:
أصل الكبّايَة المِتْنَصّصَهْ دى: فيها وفيها
وانا وانتا والكل كليلة : مشغول بيها.
طب وانت شفت انهُوهْ فيهمْ؟
شفت النص المليان حاجة ؟
طب حاجةْ إيه؟
أو شفت النص الفاضى وبسْ،
طب نعملْ إيهْ؟
لو كنت صحيح عايز تحكمْ، والحكم ميزانْ،
لو شفت النُّص ملان جدا: إملاها كمان،
واذا شفت النُّص الفاضى وْبَسْ، تبقى غلطان
أو يمكن ملهـِى على عينك، ساخط زهقانْ
طبْ شوفها وانت بعيد عنها
نصّها مليان، نصّها فاضى: قرّب منها
تملاكْ تملاها، تقلـّبْها
تلقاك جوّاها،… وى شاربْها
تقدر تملاها يجوز بَاحْسنْ
مش تقعد تبكى وتتمسكـِن
لو ملْـيانه بكلام فارغ، قومْ فـضّيها
واملاها باللى ما هوش فيها
ولا تستجرِى فْ يوم ترميها
تشربْها ما دمت انت ماليها.
ثم إنى نشرت بعد ذلك حوارا تخيليا بين بنت شابة وأخيها، وإذا بالموضوع يتضح أكثر فأكثر، فقررت أن أعيد تقديم هذا وذاك، لمن استوضحنى عن مقال الأسبوع الماضى، وفيما يلى حوار الشاب وأخته بعد التحديث:
قالت البنت لأخيها: المصيبة أن أحدا لا يريد أن يفهم أن المسألة لا ينبغى أن تتوقف عند ما نرى، (عنوان المقال السابق هنا فى الوفد : أنتَ وما ترى)، بل لا بد أن تمتد إلى ما نفعل.
قال أخوها: يعنى ماذا؟
قالت: أقصد أن التوقف عند الوصف، والشرح، والتفسير، والتبرير، إن لم يواكبه فعل مسئول مهما صغـُر، فلن يضيف شيئا، وسوف يتساوى فينا المتشائم والمتفائل.
قال: ربما، لكن ماذا عندنا نحن نملأ به الكوب أصلا؟ وقد امتلكوا كل ما يمكن أن يوضع فيه؟
قالت: بصراحة لقد بدأت أتراجع، يبدو فعلا أنها للأطفال الذين بداخلنا أساسا، صحيح أنها قد تسمّع فى أطفالنا الغلابة، لكن المسألة بعد نقاشنا حولها هكذا تجاوزت الصغار فعلا إلى مسئوليتى أنا وأنت،
قال: لا تنتهزيها فرصة وتلبسينى العمامة، وأين مسئولية أبى وأمى، وأين مسئولية الحكومة، وأين مسئولية النظام العالمى اللئيم؟
قالت: وهل معنى أن نتحمل المسئولية أنت وأنا أن هؤلاء غير مسئولين؟ إن علينا أن نتجاوز ذلك إلى فعل ما نستطيع، بغض النظر عن ما فى الكوب أصلا،
قال: اسم الله اسم الله،
قالت: ألست أنتَ وأنا مصريان نقبع داخل نفس الكوب،
قال : داخل الجزء الفارغ أم الجزء الملآن ؟
قالت: يا سخفك !! لنفرض أننا نحن الفراغ نفسه، وأنهم هم الذين أفرغونا مما ملأنا الله به، فإن الله سبحانه سوف يحاسبنا على ما نملأ به أنفسنا وحياتنا ،
قال: من أين لنا أن نملأ أنفسنا وهم لا همّ لهم إلا أن يفرغونا أولا بأول مما يصلنا، أو مما نبتدعه، بل مما خـُلِـقـْنَا به أصلا !!؟
قالت: هذا تشاؤم تبريرى، يعفيك من تحمل مسئوليك
قال: أحسن من تفاؤلك الذى يعمى عينيك عن مصيبتنا، وهم يفرحون به كأنه غاية المراد، فيتمادون فيما يفسدون.
قالت: هذا التشاؤم هو لعبة الصالونات والمقالات التى تطلق من منصة الكراسى الوثيرة، والمكاتب الكبيرة.
قال: وهذا التفاؤل اللين هو جواز المرور إلى التسجيل فى سجل تجارى سوبر ماركت الحزب الوطنى.
قالت: ولو
قال: لى صديق يستلهم التاريخ ويقيس عليه، وهو يحكى لى بعض ما خلُصَ إليه مما يسميه: “حكمة البشر فى قراءة الأثر”، قال صديقى:” لعن الله من تشاءم جالسا، أو تفاءل ناعسا”
قالت: عليه نور ثم ماذا؟
وقال أيضا : من كان يؤمن بالله والرأى الآخر، فليغيّر حتما أو ليصمت.
كيف نستلهمك يا رسول الله، ولا يقاس عليك، صلى الله عليك وسلّم، حتى نلتقى:
“من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا أو ليصمت”.