نشرت فى الوفد
4-8-2010
تعتعة الوفد
لعبة: “نعم .. ولكن” فى السياسة والحب!
أنهيت مقال الأسبوع الماضى بمثالين “كنظام” خطب المسئولين عندنا، تلك الخطب التى حلت محل خطب العرش أحيانا، وعلى الرغم من أننا نستعمل أسلوب “نعم ولكن” فى حياتنا اليومية بشكل عادى وغالب، إلا أننا لا نسميه “لعبة” إلا إذا بولغ فى استعماله لأغراض التعمية والتمويه، ليس فقط على غيرنا وإنما على أنفسنا أيضا، صياغة التعبير “نعم …. و”لكن” “كلعبة نفسية” هى استعارة من الألعاب التى نمثلها (مينى دراما) فى العلاج النفسى بوجه خاص. مناقشة اللعبة من هذا المنطلق لا تعدو أن تكون كشفا لنوع من “الدفاعات النفسية” (الميكانزمات) واستعمالها فى العلاج أصبح طريقا أقرب لفهم دخيلة النفس، بديلا عن التفحير، والتداعى الحر، والتنفيث..إلخ، (دون الإقلال من أهمية كل ذلك فى سياقات علاجية أخرى).
لعبة “نعم …ولكن” التى استعملتها فى المقال السابق، وسوف ازيدها تفصيلا فى هذا المقال وردت أصلا بهذه الصفة “لعبة” فى كتاب بعنوان: “الألعاب التى يلعبها الناس” Games People Play لمؤلفه “إريك بيرن”، وهو صاحب نظرية التحليل التفاعلاتى لفهم تركيب النفس البشرية، وهى نظرية – برغم بساطتها، وبداياتها الحدْسية – تجاوزت التحليل النفسى التقليدى بشكل أو بآخر، هذا الكتاب سجلت أرقام توزيعه ما جعله يدخل سلسلة الكتب “الأكثر مبيعا” فى أمريكا، فى هذا الكتاب قدم إريك بيرن عددا من آليات التعامل فيما بين الناس مع بعضهم البعض فى الحياة العادية، تحت اسم ألعاب نلعبها مضطرين أو مختارين لتسير الحياة فيما بيننا ونحن أقل عِرْيا، وهى تستعمل بشكل لاشعورى فى الأغلب، ولم يوصِ إريك بيرن برفض ممارسة مثل هذه الألعاب، ولا هو صفق لها على أنها الأسلوب الأمثل.
هذه اللعبة المسماة “نعم ..ولكن” نحن نستعملها كآلية مضلِّلة حين نريد أن نميع المواقف، أو أن نعفى أنفسنا من الوفاء بوعد ما ، أو لنخدع المخاطَب عن حقه بشكل تسويفى، أو لنتهرب من الحسم… أو لنخدع أنفسنا ونحن نخفى خيبتنا البليغة..إلخ. هذا النوع من الاستعمال هو ما حذقه الخطاب السياسى الرسمى مؤخرا بشكل ذكى، ثم بالغ فى استعماله مع مضى المدة بشكل أقل ذكاءا، ثم راح يستعمله بشكل مسطح مفضوح، ثم بشكل مستهتر استخفافا بعقولنا (نحن المتلقين)
فيما يلى أمثلة لهذا الخطاب عليك انت أن تضعها على متدرج ذكاء السلطة كما تشاء: نبدأ بالمثالين الأول والثانى كما وردا فى المقال السابق، ثم نكمل مباشرة:
- “نعم” الديمقراطية أحسن حاجة، “لكن” لا ينبغى أن نترك الحبل على غاربه للمهرجين بلا مسئولية ولا برامج.
- “نعم” لا بد من تداول السلطة و”لكن” من يدرى ما ذا سوف يحدث للاستقرار الذى ننعم به جدا تحت لواء هذه السلطة جدا.
- “نعم” إن هامش الحرية محدود فعلا، و”لكن” إن شاء الله بإذن الله سوف يتسع رويدا رويدا على شرط ألا يزحزحنا اتساعه من أماكننا حتى لا نفتح الباب للفوضى.
- “نعم” لا توجد أحزاب معارضة قوية تستحق أن توضع فى الميزان ، وهذا يجعل الديمقراطية عرجاء، تسير بساق واحدة، و”لكن” أية معارضة ينبغى أن تُلزم بقواعد الأدب والخجل، لأن الكبير هو الكبير، وكل ما يعمله الحزب الوطنى هو من وحيه وتوجيهاته، وهو لصالح الشعب وبالتالى على سائر الأحزاب أن تقتدى به جدا، تحت لافتة المعارضة، لامانع.
- “نعم” لا بد أن نعقد الانتخابات تلو الانتخابات، فهذا ألف باء الديمقراطية، و”لكن” لابد أن تسمح نتائج هذه الانتخابات – بأية طريقة– بإتمام هذه الإنجازات الجارية بواسطة من بدأها.
- “نعم” لكى يكون الحزب حزبا لا بد أن ينزل للناس ، عامة الناس فى الشارع، وأن يقنعهم ببرامج محددة، حتى يستجيبوا له فعلا ، فينتخبوا – إذا شاؤو وبمنتهى الحرية– البرنامج البديل، وليس فقط الشخص البديل، و”لكن” ينبغى ألا يخرج أى برنامج لأى حزب عن الثوابت والمقدسات التى أقرها النظام الحاكم بمؤسساته الأمنية ، والدينية، والثقافية، والاقتصادية، والفنية، ليمثل هوامش مفيدة على المتن الناجح الذى يجرى، وذلك لأن النجاح هو أهم مؤشر لاستمرار النجاح!!
- “نعم” إن الفساد على أذنه ، حتى أصبح هو القاعدة، و“لكن” الفساد موجود فى كل مكان فى العالم وهذه هى ضريبة الحياة المعاصرة
- “نعم” إن التوريث مرفوض من أصغر ناظر مدرسة حتى أكبر رأس فى الدولة ، فمن غير المعقول أن يورث ناظر مدرسة نظارة المدرسة لابنه وهى فى سنة ثالثة إعدادى، و“لكن” لكل قاعدة استثناء، ولا يجوز لهذه القواعد الفرعية أن تخالف المبادئ الدستورية العليا، وتحرم أى مخلوق مهما كانت قرابته لأى صاحب سلطة من الترشح لأكبر منصب فى حدود ما يسمح به الدستور، خصوصا وأمريكا ومنظمات حقوق الإنسان الدولية تقف لنا بالمرصاد ضد حرمان أى فرد من أى حق مع التأكيد على هذا الحق بالذات.
- “نعم” الأسعار أصبحت اكثر التهابا من أن توصف بأنها نار مشتعلة، ولكن لا أحد يموت جوعا فى مصر مقارنة ببلاد أخرى فى أفريقيا وآسيا، الناس فى مصر شطار يدبرون أمورهم بكل الطرق من الحلول الذاتية ويواصلون حياتهم برغم كل شئ، ولا ينامون بغير عشاء.
- “نعم” الطبقات الأفقر هى الأولى بالرعاية و”لكن” الطبقات الأكثر ثراء هى الأقدر على تحريك الاستثمار وإنعاش الاقتصاد وإنشاء الوظائف التى يشغلها ابناء الشعب. ولهذا لا بد ان نبدأ برعاية هذه الطبقات القادرة لترعى بدورها الطبقات غير القادرة،
وبعد
أكتفى بهذا القدر لأنتقل وأخفف عنك ببعض استعمالات نفس اللعبة “نعم” و“لكن” فى مجال آخر وليكن:
“فى مجال الحب”
(1) “نعم” أنا أحبك جدا جدا ، “لكن” أمى غير موافقه (المشكلة فى “ماما”).
(2) “نعم” نحن نحب بعضنا فوق ما نتصور لدرجة المخاطرة بكل شئ و”لكن” هذا “حرام”
(3) “نعم” هو حرام قطعا كما جاء فى البند (2) و”لكن” عندى فتوى تسمح بأن يهب كل منا نفسه للآخر بعض الوقت.
(4) “نعم” أنا أحبكَ الآن، و”لكن” على شرط أن تحبنى أكثر جدا!!.
(5) “نعم” أنا لا أستطيع أن أعيش بدونك “لكن” يبدو أن هذا يبعدنى فى النهاية عنك.
الإيجابية من زاوية أخرى:
أرجو أن أزيد الأمر وضوحا عن الفرق بين الاستعمال السلبى والإيجابى لهذا التعبير فى مقال لاحق.
“ليس” كل “نعم… ولكن” هى للخداع والتزييف، ولا هى قاصرة على السياسة.
وإليكم هذا المثال:
“نعم” ظروف الشعب المصرى أصبحت مثل النفط (زى الزفت) وهى من أصعب الظروف التى مّر بها عبر تاريخه، “لكنه” شعب صبور مكافح، قادر عريق وسوف ينتصر فى النهاية!!