الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / لعبة الذل (2) “الأسوياء”: الجزء الأول

لعبة الذل (2) “الأسوياء”: الجزء الأول

“نشرة” الإنسان والتطور

19-2-2008

العدد: 172

لعبة الذل (2)

“الأسوياء”: الجزء الأول

نشرنا أول أمس لعبتان حول “إشكالة الذل”، وكيف تناولناها فى جلسة من جلسات العلاج الجمعى، كما نشرنا نصّ العشر لعبات التى لعبها أسوياء متطوعين فى برنامج سر اللعبة قناة النيل الثقافية. هذه النشرة اليوم هى عرض موجز لنصف هذه الحلقة، (الخمس لعبات الأولى) التى يمكن رؤيتها كاملة بالصوت والصورة فى الموقع.

المتابع للعبات التى قدمناها فى يوميات سابقة مثل 14-1-2008 ، أو 20-10-2007 يعرف أن فكرة اللعبة أنها تقدم عبارات ناقصة يكملها المتطوع أثناء تسجيل الحلقة، كما يمكن للقارئ أو الزائر أن يجيب عنها (كتابةً إذا شاء)، يكملها كيفما اتفق بأسرع ما يستطع، وبأقل قدر من التفكير، ثم نرى:

هذه اللعبة كما سيرى الزائر/ القارئ/ المشارك، تعرّى منطقة شديدة الحساسية فى الوجود البشرى، وبالذات هى تتناول مدى رفضنا الظاهر لما يسمى الذل، وفى نفس الوقت: مدى اضطرارنا إليه، والأصعب: مدى مشاركتنا فيه بما يتعلق بإذلال بأنفسنا، وأخيرا احتمال قيامنا بإحداثه تجاه غيرنا دون أن ندرى، وغير ذلك.

طريقة وضع الألعاب كلها فى هذا البرنامج، وقد ناهز الخمسين حلقة، لم يُقصد منها أى موقف إرشادى أو نصائحى، كان الهدف أو الأمل – ومازال– مجرد طرح أسلوب مختلف لتحريك الوعى، فى محاولة الكشف للتعرف على بعض جوانب من تركيب النفس البشرية، لا نتحمل تعريتها بشكل مباشر.

اكتشفتُ وأنا أراجع ترتيب العشر لعبات فى كثير من الألعاب، ومع أننى الذى صنفتُها بشكل عفوى، أحيانا قبيل تسجيل البرنامج بنصف ساعة، اكتشفت أن الألعاب تترجح من أقصاها إلى أقصاها، وأنها فى أحيان ليست قليلة تنتهى بمحاولة تهدئة ما تحرك من الوعى لتجنب أى قدر من المضاعفات، سواء للمشاركين أو المشاهدين.

الحقيقة صعبة،

والطبيعة البشرية غامضة،

والمحاولات مستمرة،

لكن الهرب من الإقدام على كشف المزيد ليس هو الحل.

وصلنى وأنا أعد لنشر هذه اللعبة الآن مداخلة طويلة، من زائرة فاضلة أكدت مخاوفى من وصول رسالة ملتبسة من خلال هذه المحاولات، وهذا ما سبق لى معاناته أثناء بث البرنامج، وقد عدت أواجهه مع إعادة العرض كتابةً ومناقشةً هنا فى النشرة اليومية. الصدمة تأتى حين نكتشف تعرية ما تبدو لنا قيما مقدسة، أو حين نقلّب فى الطبيعة البشرية التى تتمثل فينا لا محالة، فنفاجأ بما لا نرجو لها أو منها، هى محاولة استكشاف لبعض ما وصل الإنسان إليه سلبا وإيجابا دون تميز، آملين أن نتجاوز السلبى لنعمق الايجابى حتى نستطيع أن نحتوى التناقض جدلا خلاّقا إلى مالا نعرف .

علينا أن نتحمل مسئولية ضعفنا لنتقدم منه وننتصر به، ولنفخر بقدرتنا على استيعابه والبدء منه، إن عدم تحمل التناقض والإصرار على موقف الصراع التنازعى الاستقطابى كحلٍّ أوحد يؤجل تخليق الخطوة التالية من جدل التناقض، وقد يرسخ الاستقطاب الذى يعيد الأمور بما هى كما هى، بعد كل جولة، حتى لو انتصر الجانب الخيّر الذى ندعمه بما هو كما هو، فهو انتصار جولة واحدة لا أكثر.

لاشئ يحرك النمو مثل أن يكون المنتصر مهزوما فيكون المهزوم منتصرا، وهما يخلّقان منهما مايمكن ما استمر الجدل أبداً.

 كدت أعدل عن نشر هذه اللعبة كما جرت بتلقائية مع أسوياء هذه المرة، احتراما للتحذير الذى وصلنى من هذه “المداخلة الصادقة” المحذِّرة من احتمال ترسيخ قيمة سلبية هى “الدعوة لقبول الذل”، لقد أسرعتْ صاحبة المداخلة (التى قد ننشرها لاحقا بعد أن تصل صاحبتها وجهة النظر كاملة) بالتعليق الأمين بمجرد قراءة الجزء الأول الذى انتهى بذكر نص الألعاب العشرة دون نشر الاستجابات، والمناقشة مع الأسوياء.

وأنا أراجع استجابات الأسوياء وهم يدهشون، ويتألمون، ويتراجعون، ويهربون، ويعودون، قلت: ربما علىّ أن أخشى فعلا أننى بنشر هذه التجربة بهذا التكثيف أخشى أن أكرس السلبيات دون قصد! لكننى عدت فوجدت أننى لو حجبت الإستجابات احترازاً لاحتمال أن ترسخ ثقافة سلبية – كما تقول الكاتبة– فإننى أخون الأمانة، صحيح أنا مسئول عن وضع نص الألعاب بما يستدرج المستجيب إلى البحث فيما لايريد البحث فيه، وما يود لو يعيش ويموت دون أن يكتشف حقيقته أو يعرف تحديد دوره فيما يلحق به، مفضلا أن يكرس جهده لصراع واجب ضد ما يتعرض له من ظلم وقهر.

أتصور أن البدء من الموجود ليس تمييعا للموقف ولا تكريسا للظلم بقدر ما هو تخطيط لنفسٍ طويلٍ يستعمل الوعى الذى تميز به البشر لتكريس المواجهة الضرورية لداخله وخارجه على طول مساره الممتد فردًا فجماعةً فنوعاً.

هذا، وقد أجلت الرد على الراسلة الفاضلة حتى تطلّع على باقى الحلقات، وربما تضيف إلى مداخلتها ما يستدعى مزيداً من النقد والتحذير، أو ربما يصلها ما قصدنا إليه من التأكيد على ضرورة المواجهة من حيث حتم البدء بالمؤلم المتاح، يخيل إلىّ أن علينا أن نتفق فى البداية حول:

 كيف ومن أين نبدأ، فى أكثر من موقع بأكثر من أداة؟

 وكيف نحدد نوع المعارك ومداها، وغموضها، لا تُفرض علينا، ولا نكررها بما هى؟

وكيف نعرف حقيقة أعدائنا وقوتهم فى الداخل والخارج  على حدٍّ سواء

وكيف لايلهينا التركيز على  خبث وجبروت الأعداء عن مقاومتنا ضعف أنفسنا فى الداخل والخارج.

* * *

الآن ننتقل إلى عرض الاستجابات ومناقشتها:

مثال توضيحى:

أهم حاجة عندى أنى أحافظ على كرامتى بس ساعات …………

ونكمل أى كلام ، أدى اللعبة.

أنا حاجاوب على المثل ده مش حانلعبه

أهم حاجة عندى أنى أحافظ على كرامتى بس ساعات مابقدرش

ضيوفنا اليوم هم:

أ. عماد فتحى

أ. محمد إسماعيل

د. باهر

د. تامر فريد

بالإضافة إلى المعد ومدير الحلقة د. يحيى

****

اللعبة الأولى: أنا مستحيل أذل نفسى حتى لو …….

أ.محمد أسماعيل: يا دكتور باهر أنا مستحيل أذل نفسى حتى لو أتوجع

د.باهر: يا دكتور يحيى أنا مستحيل أذل نفسى حتى لو الناس اتهمتنى بالغباوة

د.يحيى: يا دكتور تامر أنا مستحيل أذل نفسى حتى لو جُعْت

د.تامر: يا عماد أنا مستحيل أذل نفسى حتى لو حاذل كل الناس

أ.عماد: عزيزى المشاهد أنا مستحيل أذل نفسى حتى لو كنت حاموت

المناقشة (1)

جاء فى المناقشة التى نسمح بها بعد كل لعبة مباشرة إعلان دهشة عماد لما قاله، فهو لم يتبين ما الذى تحرك فيه، قال عماد: “أنا يا دكتور يحيى اتخضيت، وبالذات ساعة ما بدأت أقول، حسيت إن فيه حاجة جوايا اتحركت بس مش عارف إيه بالضبط”

أما د. تامر فقد جعلته اللعبة يراجع نفسه بعد أن كان قَبْلها يتصور أنه يمكن أن يتنازل، لكن هذه المراجعة التى جعلته يرى الصعوبة،  حركت دفاعا خطيرا ضد هذا الاحتمال (أن يذل نفسه)، فنلاحظ أنه دافع عن هذا الاحتمال بإطلاق موقف مضاد باستعداده لإذلال الناس، كل الناس، ليحمى نفسه من احتمال الذل، الأمر الذى يطرح احتمالا عن أن من  يقبل أن يذل الناس ولو مدافعا، ربما يكون هو هو الذى يمكن أن يذل نفسه، واكتشاف مثل هذا الأمر جدير بأن يبدأ المرء بالنظر فى موقفه شخصيا بالنسبة لمسألة إذلال الناس، (وهو أحدهم، أنظر أيضا فرضاً متعلقا بهذه النقطة قرب نهاية النشرة).

ومع أن باهر قرر رفض قبول الذل حتى فى مواجهة ما بدا أنه غباء اجتماعى: الناس اتهمتنى بالغباوة إلا أنه فى تعليقه أعلن أن اللعبة كشفت له احتمال أنه يمارس نوعا من التسليم دون أن يدرى، يقول: “أنا ماكنتش عارف قبل كده، اكتشفت فجأة إن أنا فعلا باتذل، مع إنى باقول أنا مستحيل أقبل الذل، لكن اكتشفت إن ده بيحصل فعلاً”.

إن هذا الاكتشاف ليس دعوة للتسليم بما نكتشفه بقدر ما هو انتصار فى جولة بَدْئية، لتصبح المواجهة مع الذل الخارجى أقوى وأكثر صلابة، بعد أن نكون قدحجَّمنا العامل السلبى داخل أنفسنا الذى قد يساهم فى العملية دون أن ندرى.

***

اللعبة الثانية: أنا خايف الظروف تخلينى أذل نفسى بعد كده يمكن……..

أ.عماد: يا أستاذ محمد أنا خايف الظروف تخلينى أذل نفسى بعد كده يمكن أفضل على طول مذلول

أ.محمد: يا دكتور يحيى أنا خايف الظروف تخلينى أذل نفسى بعد كده يمكن أرضى بالذل ده

د.يحيى:يا دكتور باهر أنا خايف الظروف تخلينى أذل نفسى بعد كده يمكن أستعبط وما اشوفشى إمتى باذل نفسى وأمتى لأ

د.باهر: يا دكتور تامر أنا خايف الظروف تخلينى أذل نفسى بعد كده يمكن الذل يبقى جزء منى

د.تامر: عزيزى المشاهد أنا خايف الظروف تخلينى أذل نفسى بعد كده يمكن ما أقبلش نفسى

المناقشة

نلاحظ أن الخوف من ذل النفس (أن أذل نفسى) بصفة عامة، ليس كافيا لدرئه، وأنه إذا حدث لسبب أو لآخر، فإنه يمكن أنه يكسر شيئا غاليا جدا فى النفس، يسمح بعد ذلك بالتنازل إما تحت ستار التعود “استعبط  ولو لاشعوريا” أو التسلَيم الدائم “أفضل على طول مذلول”، أو الرضاأرضى بالذل ده”، أو “التغير الجذرى” “الذل يبقى جزء منى”، أما د.تامر فسنعود إليه مستقلا.

تعقيب أ.محمد فى المناقشة أظهر كيف أن خوفه شديد جداً، وأنه “أنا إذا اتذليت مرة ما ينفعش أقف تانى”، كان ذلك بعد أن أعلن اكتشافه أنه “خايف من الذل قوى”، ثم أضاف: “أنا خايف من الخوف نفسه بتاع الذل مش بس من الذل نفسه، خايف أطلّع الخوف، خايف أشوف أن أنا ممكن أتذل”.

هل كشف مثل هذا الرعب المشروع هو دَافع إلى اكتساب الصلابة بديلا عن هذه الهشاشة، أم أن مثل هذا الاعتراف يزيد الضعف ضعفا؟ الأرجح لدينا أن الألم الذى أبداه محمد من هذا الاكتشاف هو الذى قد يجعله فى المستقبل القريب أو البعيد ربما يقول: أنا لو اتذليت ألف مرة ، مش حاسمح بانى أتذل فى الألف وواحد، إن هذه المواجهة مهما كانت مؤلمة هى بداية التغيّر بشكل أو بآخر.

…..

أ.عماد أعلن فى المناقشة أنه رعب لإحساسه بالاستسلام للذل “وأنا باقول الجملة دى حسيت أن أنا مستسلسم قوى، مش عارف ليه”. هذا الاكتشاف أيضا لم يكن بهذا الوضوح عند عماد قبل اللعبة، فإذا ما اتضح هكذا، فهو إسهام فى مساعدته للمواجهة، وليس تسهيلا لتكريس الاستسلام، وحكاية “مش عارف ليه” هى أيضا مهمة لأن بدء الطريق إلى المعرفة هو الاعتراف بعدم وجودها، بدلاً من أن نساهم فى إذلال أنفسنا من وراء ظهورنا، وكأن الإظلام هو الأصل .

أما د.يحيى، فقد انتبه إلى احتمال أن يترتب على ما حركته هذه اللعبة أن يلجأ إلى ميكانزمات عامية أكثر تخفى عنه ماهية الذل وتسحبه فلا يكتشفه فى الوقت المناسب، ومع أننى هو هذا الدكتور يحيى وليس من حقى أن أزيد أو أشرح ما قلت إلا أننى سوف أعامل نفسى كأحدهم، فاكتشاف أنه يمكن أن “يستعبط” يجعل الأمر أقرب إلى الوعى فهو يزيد مسئوليته من ناحية، وقد يسمح له بضبط الجرعة أو امتلاك ناصية التوقيت من ناحية أخرى، ربما!!

يبدو أنه لا أحد مصون صيانة مطلقة ضد هذا الاحتمال “أن يذل نفسه” حسب جرعة الظروف، وتنوع السُّبل للتحايل وإنكار ذلك موجود بلا حدود: من أول إنكار هذا الاحتمال أصلا، حتى التسليم له انهيارا مرورا بالتعلم اختراقا للخوف، أو معاناة الألم فالتدريب على حسن التوقيت، واختيار أرض المعركة، واكتساب النفس الطويل، كل هذه احتمالات واردة كما نلاحظ.

كانت هذه اللعبة شديدة الوطأة على المشاركين، وربما على المشاهدين حتى عقب عليها د.يحيى قائلا بالنص:

هو البرنامج ده بيعمل إيه؟  بيهز ويفوّق ولا إيه؟

كل الناس، واحنا منهم، بيتصوروا إن ولا واحد  بيذل نفسه ولا بتعريفه، وإن هو مناخيره فى السما طول الوقت، وأنه هو مستحيل كذا وكذا، مجرد لعِبْنا لعبتين الدنيا اتحركت، بتقربنا من واقع مؤلم، بس مش معنى مؤلم أن فيه استسلام، فأنا بس بقول يعنى يسمح لنا المشاهد أن هو يستحملنا شوية، لأن الطبيعة البشرية احترامها مافيهوش قيم أخلاقية مطلقة أو مسبقة، نبدأ باحترام الموجود، وندفع تمن الرؤية ونحترم الظروف، عشان نقدر نواجهها بحجمها ونقاومها ونغيرها.

****

اللعبة الثالثة: أنا لو كنت رضيت من زمان أذل نفسى …. كنت……..

أ.محمد: يا دكتور تامر أنا لو كنت رضيت من زمان أذل نفسى …. كنت عشت ميت

د.تامر: يادكتور يحيى أنا لو كنت رضيت من زمان أذل نفسى …. كنت بقيت إنسان تانى ماحبش أكونه

د.يحيى: يا عماد أنا لو كنت رضيت من زمان أذل نفسى…. كنت أنهيت حياتى

أ.عماد: يا دكتور باهر أنا لو كنت رضيت من زمان أذل نفسى…. كنت دلوقتى ما كنتش موجود

د.باهر: عزيزى المشاهد أنا لو كنت رضيت من زمان أذل نفسى…. كنت زمانى دلوقتى فى نظر الناس أحسن 100 مرة

المناقشة

فيما عدا د.تامر، بلغت مقاومة هذا الاحتمال (رضيت أذل نفسى) صامدة صمودا هائلا امام التسليم الخفى الذى أظهره التعرى فى اللعبة السابقة (الثانية) وقد ظهر هنا كيف أن الرضا بإذلال النفس، ولفترة (من زمان) يلقى المسئولية أكثر على صاحب الشأن، وأن ذلك يستأهل الاختفاء، أو الموت : “كنت عشت” ميت، ..كنت “أنهيت حياتى“، .. “كنت دلوقتى مش موجود” وأيضا مكافئ لتغير ربما ليس أقل من الموت “كنت بقيت انسان تانى ما احبش أكونه

أما  د.باهر فكان واقعيا بشكل صعب، واحتدت بصيرته وهو يتبين الثمن المحتمل أن يقبضه مقابل رضاه بإذلال نفسه، وأن ذلك قد يرفعه فى نظر الناس100 مرة، لكن ليس معنى ذلك  أن هذا هو ما يريده أو يرضاه، وإن كان لم ينف ذلك. هذا ما لاحظه محمد الذى قال أثناء المناقشة: “أنا شفت إن د. باهر شايف إن الذل بيطلّع، أنا شايف ان الذل ينّزل لدرجة إنى ربطته بالموت”.

أ.عماد أضاف فى المناقشة إعلانا عن تزايد الصعوبة وأنه لم يستطع أن يتبين معالمها “هى صعبة، يعنى أنا ما اعرفش، يعنى أنا مش عارف إيه اللى حصل حاسس إن فيه حاجة مش قادر أطلّعها“، وقد عقب “أن الشعور بالصعوبة فى حد ذاته هو أمر مهم، حتى لو لم نستطع أن نخرج منه بشئ”

د.يحيى…. بس الصعوبة دى أنا شايف إنها مهمة خالص زى ما يكون احنا دخلنا فى منطقة حرجة، وبمواجهتها ممكن تبقى مؤلمة أنما على الله تكون مفيدة “.

أما تعقيب د. يحيى عن نفسه فكان مفاجأة حيث أعلن أنه بالرغم مما قاله “كنت أنهيت حياتى” إلا أن جانبا فيه انتبه إلى ما يقترب من بصيرة  د. باهر فاعترف فى المناقشة أنه تصور قبل أن يلعب أنه سوف يقول شيئاً فى هذا الاتجاه نفسه “كنت بقيت أحسن من كده”، لكنه فوجئ بما قاله أثناء اللعبة، وأضاف أنه خطر له أنه يقول: “كنت أبقى مَلِك”، لكن لما جيت أقول لقيت نفسى باقول حاجة تانية “كنت أنهيت حياتى” ثم عقب  بعد ذلك قائلا “الظاهر إن الرضا بالذل غير إن الواحد يتذل” إن هذا الاعتراف قد يشير إلى منهجية آليات اللعبة، وأن ثَمّ فرقاً بين ما يتصوره الواحد منا من إجابة قبل أن يلعب، وما يفاجأ به أثناء الإجابة مما يحتاج إلى تفاصيل شارحة لاحقا.

هذه التفرقة بين الرضا بالذل حتى بعيدا عن الوعى، وبين حَدَث الذل نفسه هى شديدة الأهمية، لأنها ترفع العبء قليلا عن احتمال لوم المذلول على المشاركة،

 يحدث الذل كيفما يحدث، لكن أن ترضى به بعد أن يحدث فهذه هى المصيبة التى أظهرت كل هذا الرفض الواضح للحياة نفسها.

 الذل إذا فرض نفسه وأحسنّا التعامل معه دون رضا، وتكبدنا الألم منه، مهما زاد القهر الخارجى، ومهما كنا قد شاركنا دون وعى فى حدوثه، لابد وأن يؤدى لقوة هائلة قادرة على المقاومة والرفض، أما الرضا به فهو الذى يساوى، أو يستلزم “التخلص من الحياة ذاتها”.

****

اللعبة الرابعة: هوا فيه حد يقدر يعيش من غير ما يضطر يذل نفسة لكن بقى…..

أ.محمد: يا دكتور يحيى هوا فيه حد يقدر يعيش من غير ما يضطر يذل نفسه لكن بقى هو وشطارته

د.يحيى: يا دكتور تامر هوا فيه حد يقدر يعيش من غير ما يضطر يذل نفسه لكن بقى مش أوى كده

د.تامر: يا عماد هوا فيه حد يقدر يعيش من غير ما يضطر يذل نفسه لكن بقى الظروف ساعات بتبقى أقوى

أ.عماد: يا دكتور باهر هوا فيه حد يقدر يعيش من غير ما يضطر يذل نفسه لكن بقى مش حايبقى دايما كده

د.باهر: عزيزى المشاهد هوا فيه حد يقدر يعيش من غير ما يضطر يذل نفسه لكن بقى دا مش معناه إن احنا نفتح للذل على البحرى

المناقشة

يبدوا أن هذه اللعبة خففت جرعة كلٍّ من استحالة أن أقبل الذل “أنا مستحيل أذل نفسى” (اللعبة الأولى)، مقابل التلويح بالاستسلام لضغط الظروف “خايف الظروف تخلينى أذل نفسى” (اللعبة الثانية) ثم احتمال الرضا بالذل وما ووجه به من رفض جماعى، فى اللعبة الثالثة، “أنا لو كنت رضيت من زمان، أذل نفس” يبدو أنه لاحت فرصة فى هذه اللعبة الرابعة لمزيد من الوعى بالواقع بحجمه بعد كشف دور الداخل والخارج فى حركية الذل، وابتدأت المسألة تأخذ شكل ضبط الجرعة: “هو وشطارته”مش قوى كده” “مش حايبقى دايما كده” “مش معناه نفتح الباب عالبحرى”

 أما د. تامر فقد اتجه إلى تبرير هذه الضرورة بالظروف

ممالا شك فيه أن الذل هو الذل سواء كان بجرعة بسيطة أو جرعة كبيرة، بل إن الذل بجرعة كبيرة ولمدة طويلة قد يبلد المشاعر حتى لايسمى كذلك (كما سيأتى فى اللعبة التالية)، وقد تبين من الاستجابة هنا أن المسألة لابد أن تحسب بقدر حجمها، وأن يظل الرفض قائما مهما بررت الظروف الذل، ومهما قلّت الجرعة ومهما بلغ احترامنا للطبيعة البشرية أو لحركية التعامل أو لطبيعة المرحلة، الاستجابات كلها كانت فى هذا الاتجاه مع تزايد الوعى بضرورة تعميق المسئولية حيث قال محمد فى المناقشة “الخوف بيزيد….، الواحد عايز يوقف نفسه، مايخليش الحكاية تاخده” وعقب د.باهر “هو اللى حصل حضرتك إن الأول رفضنا وقلنا مستحيل، لكن ابتدينا نتصالح مع الواقع نخليه فى أضيق الظروف”، فلحقه محمد قائلا “انت قدرت تتصالح معاه، أنا مش قادر”.

يبدوا أن المسألة ليست مسألة تصالح، وإنما هى حسبة موقوتة لمواجهة جريمة ما، بوعىٍ متألم، يبدو أن الذل بالذات كبيرُه مثل صغيرُه، وأنه لا فرق بين خدش الكرامة أو كسر الوجود كله، ومع ذلك فالواقع يطالبنا بالاستمرار ونحن نتجرع الألم جاهزين للتحدى فالانقضاض، حتى لو سمى بعضنا ذلك تصالحا وهذا يذكرنا باللعبة الثالثة “أنا لو كنت رضيت بالذل من زمانفالرضا ليس فيه ألم التأجيل، ولا ألم الإعداد، أما ضبط الجرعة هنا فهى لايشير إلى الرضا من قريب أو بعيد، بل لعله يعمق الألم تجهيزا للجولة القادمة.

 القبول الاضطرارى هنا هو لجرعة محدودة واعية من الذل، وقد انتبه الجميع إلى ضرورة ضبط الجرعة والتوقف عن التمادى.

وقد نبه د. يحيى إلى المقارنة بين اللعبة الأولى “أنا مستحيل أذل نفسى حتى لو ………”، وهذه اللعبة “هوه فيه حد يقدر يعيش من غير ما يذل نفسه”، وأن وجود الاحتمالين معا قائم وأن التناقض الحاد بينهما غير معطل لو استمرت الحركة فى الاتجاه الصحيح، بل هو حافز للتحرك ما بينهما للتفاعل الجدلى المحتمل.

***

اللعبة الخامسة: طيب وليه أسميه ذل ماهو ممكن يكون…..

أ.عماد: يا دكتور يحيى طيب وليه نسميه ذل ماهو ممكن يكون فهلوة

د.يحيى: يا محمد طيب وليه نسميه ذل ماهو ممكن يكون صفقة

أ.محمد: يا دكتور باهر طيب وليه نسميه ذل ماهو ممكن يكون دا فى مصلحتى

د.باهر: يا دكتور تامر طيب وليه نسميه ذل ماهو ممكن يكون قلة قيمة

د.تامر: عزيزى المشاهد طيب وليه نسميه ذل ماهو ممكن يكون طبيعة فينا واحنا رافضين نشوفها

المناقشة

هنا يبدوا أن معد اللعبة أراد أن يختبر مدى الاستعداد للتلاعب والتعمية بعد كل ألم المواجهة فيما سبق، فأعدّ هذه اللعبة لتتوسط اللعبات العشرة، ففتح بواسطتها الباب للتبرير والتغطية والتمويه، والعجيب أن الجميع اندفعوا إلى استعمال هذه الآلية، ربما بعد أن أوصلَهُم الألم والصعوبة والتناقض إلى البحث عن أى مهرب، لم تكن لعبة للتوريط وإنما كانت تلويحا بالسماح بإعادة النظر بديلا عن المغالاه فى الإنكار اللاشعورى دون تحفظ،

نلاحظ هنا أن مشاعر الخوف والألم والدهشة والغموض قد تراجعت قليلا أو كثيرا، فانطلق كل المشاركين يطلقون أسماء التدليل (طاقية الاخفاء) على ما انزعجوا منه منذ دقائق دون استثناء معدّ اللعبة،

أربعة اختاروا أسماء: أنها فهلوه، وصفقة، ومصلحة، وطبيعية ، أما الخامس فاسماه: “قلة قيمة”،

أكتشف الآن كيف أن هذه المغامرة الشديدة البساطة ظاهرا، يمكن أن تكشف الوعى الأعمق بشكل يُشِلُّه إذ يعجزه عن التحايل. إن هذا الكشف ربما يكون له فائدة تعرية الميكانزمات، وبالتالى يلقى المسئولية على الوعى الظاهر بشكل مباشر، إذْ يجعل ما يحدث فى متناول المراجعة أو حتى التراجع، بدلا من أن تجرى الميكانزمات فى الظلام، فننتهى إلى ألا ندرى أن هذه الأسماء التى غطت المسألة هى من صنعنا نحن ، وأنها مهرب مفضوح.

انتبه محمد إلى علاقة ما قاله تامر هنا بقبول أن ذل النفس هو طبيعة فينا حين قال محمد، “تامر قال فى الأول عكس اللى قاله غير دلوقتى” مما دعا د. يحيى إلى طرح سؤال محدد “الله !! هو احنا بنعمل إيه لما نسمى الذل حاجة تانية”؟ فيجيب محمد “… الظاهر إن الواحد برضه مش قابل عشان كده بيدور له على اسم تانى”فينبهه د. يحيى إلى استجابته أنه قال “يكون ده فيه مصلحتى”انت يا محمد ابتديت تقبله مع انك كنت مرعوب مرعوب فتغيرت، بقيت واقعى ولا إيه؟” بس مش قابله بنفس الاسم “ذل” فدورت له على اسم تانى، فيعترف محمد “يمكن ده يقلل خوفى”

ونثبت هنا نص نهاية المناقشة للأهمية:

أ.محمد: يمكن يقلل خوفى

د.يحيى: يعنى لما تغطى يقلل خوفك وتنيك ماشى فى الذل أكتر، وأكتر طب اللى شايف إن الذل ذل حايتوجع ويبطل ذل، المرة دى يفّوت المرة اللى جاية مايفوتش

أ.محمد: علشان هو ما هو قابل الوجع، أنا خايف

د.يحيى: طيب هو يعنى خوفك إنك أنت تتوجع بتعامله بالغَطَى؟ مش الغَطَى يخلى الصفقة السرية حاتتسحب من جوانا، يعنى لما أقول أنا موجوع ذليت نفسى كفاية كده؟ ولآ كما أقول يااااااااا ولا ذل ولا حاجة، واتمادى فى الذل.

أنا مش باحكم يعنى، بس أنا بقول الاحتمالات: احنا بنعرى الظاهرة وبنحرك الوعى فى هذا الاتجاه ومن الأفضل إذا كان فينا حاجة إلى الضعف إذا كان فينا حاجة إلى الذل، إذا كان فينا ظروف ضاغطة نسمى الأشياء بأسماءها لحين تفرج، حانقعد نتباها بأشياء غير موجودة ونتبادل عبارات سطحية! نعيش أزاى؟ طبعا أنا عارف ان الموضوع ده صعب وعارف إن المشاهد أظن مش حايسامحنا بسهولة إن احنا قلبّنا فى الحكاية دى، لأن كل واحد بلا استثناء، زى ما ابتديت، بيتصور إن الموضوع ده غير مطروح عليه شخصيا مع إننا لما لعبنا واحنا لسه فى اللعبة الخامسة أظن ابتدينا نتبين حقيقة أبعاده فعلا، بيتصور الواحد إنه احتمال غير مطروح يعنى قول لواحد كده عادى يقولك لأ وبتاع، إنما لما لعبنا اتفقنا، طلع إن له أسامى تانية.

وبعد

نتوقف هنا لنواصل مناقشة الألعاب الخمس المتبقية غداً،

 لعلنا لاحظنا النقلات، وكيف تعددت أشكال الصراع ظاهرا وباطنا، وكيف تغيرت المواقف وتحرك الألم،

 يمكن أن نستنتج من آلية استعمال هذه اللعبة كيف تنوعت أساليب المعرفة والكشف حتى أصبح الأسوياء أنفسهم عرضة للتقليب والتحريك إلى هذه الدرجة،

وهكذا تزيد فرص توسيع دائرة الوعى بفهم أعمق للطبيعة البشرية،

وكما قلنا عن الهدف منذ البداية أننا لا نملك وجهة نظر نريد أن نفرضها، بقدر ما نتصور أن هذا التقليب، قد يساعد على اكتساب نَفَسٍ أطول للمواجهة حتى لو بدا جانبا منه غير مقبول ابتداءً، حتى لو بدت تعريته مؤلمة لدرجة لا تطاق ،

إلا أن هذا يبدو السبيل الأضمن لقيم أرقى من واقع أكثر صلابة.

****

غداً نكمل عرض ومناقشة الألعاب الخمس التالية ونعيد تسجيلها هنا لمن شاء أن يلعبها مع نفسه مسبقا، بالإضافة إلى دعوة للعب الألعاب الخمس الأولى التى عرضناها حالاً حتى نلتقى.

اللعبة السادسة: أنا لو ضمنت إن مافْقسى نفسى وأنا باتنازل لدرجة الذل يمكن ………

اللعبة السابعة: ذل بذل ….، أنا بقى ………..

اللعبة الثامنة: دا أنا لو ظبت نفسى باذل غيرى ولو من غير قصد يمكن ………..

اللعبه التاسعة: انا مستعد أذل نفسى بخطرى فى حاله واحده بس، هى إن……..

اللعبه العاشرة: كله إلا الذل…. يا ساتر!!! علشان كده …..

 

[1] – تعمدت ألا أثبت المناقشة التى دارت بعد كل لعبة حرفيا وذلك لطولها، وتشتت مسارها، ويمكن الرجوع إلى نصها فى الموقع صوتا وصورة.

 أما المناقشة هنا، فهى مناقشة أحدث للاستجابات المثبتة والمنشورة، مع إشارة منتقاة إلى بعض ما ورد فى آراء وتعقيب المشاركين بعد كل لعبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *