نشرت فى الدستور
4-1-2006
.. لا حَقّ لمن يستمر حيا أن ييأس مهما فعلوا !!!
… حكاية قديمة، تقال باللهجة الشامية: “تعهد أحدهم أو أقسم ألا يسب الدين، ثم جاء موقف أخرجه عن طوره، ففقد توازنه، ونسى تعهده وهو يعلن أن “سب الدين إلـُهْ عازَة”، سبق أن أعلنت عجزى عن التمتع برفاهية اليأس، إيماناً منى بأن اليأس هو موقف تخلًّ عن المسئولية يشككنى فى أحقية من يلجأ إليه أن يزاحمنا فى الحياة، لكن ما حدث هذا الأسبوع وأنا اتابع ثلاثة أخبار رئيسية، جعلنى أصيح كما صاح صاحبنا الشامى، لا يا عم، أصبح لليأس ما يبرره (إلـُهْ عازَة)، ومع ذلك، فقد فقد ذهبت الصيحة فى الهواء لأجد نفسى عاجزا عن أن أصدقها أو أتبعها، ما دمت رضيت أن أبقى حيا على هذه الأرض بين ناسى هؤلاء. نبدأ من البداية :
نقرأ أولا الأخبار الثلاثة: أولاً: تعيين الدكتور/ مصطفى الفقى ممثلا لمصر فى البرلمان العربى، ثانيا: فوز الحزب الوطنى برئاسة كل لجان مجلس الشعب (إلا مقعدا واحدا لنائب رئيس لجنة ما)، ثالثا: تشكيل الوزارة الجديدة. أليس معنى ذلك أن حكامنا لا يتعلمون لا من أخطائهم ولا من أخطاء الغير. لا من الجارى داخل حزبهم، ولا من الجارى فى الشارع بين الناس، ولا حتى من الجارى حولنا عبر العالم؟ إن عدم التعلم من الأحداث خصوصا إذا كانت كارثية كما شاهدنا، هو مصيبة بكل المقاييس. المتخلف عقليا يقف ذكاؤه طول عمره عند حد معين، لكن يظل قابلا أن يتعلم مما يأتيه أو يصيبه حتى يموت، أما الذى لا يتعلم هكذا مما يجرى له وحوله، فهو لا ينتفع بذكائه، ولا بتجاربه، ولا بما يجرى حوله، فإذا كان على كرسى السلطة، فخذ عندك.
مع كل احترامى للدكتور/ مصطفى الفقى وتصديقى المبدئى لتصريحاته أنه لن يفرض نفسه ضد حكم قضاء محتمل، تعجبت من اتخاذ قرار ترشيحه ليمثلنا فى البرلمان العربى، ماذا لو حكم القضاء ببطلان انتخابه؟ ماذا لو صح كلام المستشار نهى الزينى؟، كيف نعـرض أنفسنا للحرج يمتد خارج حدودنا، خاصة وأن ممثلينا الثلاثة السابقين فى نفس البرلمان لم ينجحوا فى الانتخابات الأخيرة. ثم ما هذا الذى جرى فى رئاسة لجان مجلس الشعب؟ ثم تشكيل الوزارة ، ما الحكاية بالضبط؟ أليس عندهم خبرا ؟؟.
هذه الأحداث تعلن أن السلطة الجاثمة ما زالت تتصرف وكأن شيئا لم يكن، وكأن 75% ممن لهم حق الانتخاب قد ذهبوا لصناديق الانتخاب، وكأن الإخوان لم ينجحوا بنسبة تقارب 80% من الدوائر التى دخلوها برغم كل التزوير والبلطجة، ولو دخلوا كل الدوائر لكانت النسبة هى هى. وكأن المستشار نهى الزينى لم تكتب خطابها المفتوح، وكأن انتخابات نادى القضاة لم تكن نتيجتها 15/ صفر لصالح العدل والناس ضد الحكومة. ألا يفسر لنا كل هذا أحقية واحد مثلى أن يعلن يأسه علانية، أو يمارسه متفرجا وهو يحسب أنه يشارك إذْ يفسر، ويكرر، ويتكلم، ويكتب، ويستنكر، وخلاص؟
اليأس يلوح ويعرض نفسه أكثر حين يكون البديل المطروح لا يختلف إلا شكلا، لا أحد يستطيع أن يأمن الآتى، خصوصا إذا كانت المرجعية التى تبرر الجمود القادم أكثر قداسة وأثقل تحجيما. إذا كان مبرر الجمود الذى نحن فيه بعد كل ما حدث هو توجيهات أو تعلميات أو قرارات رئيس الدولة؟ فكيف يكون الحال إذا ادعوا أن مبرر الجمود الأكثر قهرا ورسوخا هو عدم الخروج عما أتى به المفسرون القدامى للمقدس بالضرورة؟ لقد توقفت حركة ناسنا عن المشاركة والإبداع منذ تولى أمرنا العسكر يقومون بكل اللازم عنا، زاعمين أن ذلك كله لنا، دون حاجة إلينا أصلا، كما تخلف ديننا حين احتكر تفسير نصوصه دون استلهامها من حبسوا أنفسهم داخل أصنام المعاجم وأوهام التاريخ.
هذا الذى جرى الآن يعلن بعد كل ما حدث أنه : وكأن شيئا لم يكن، ورجعنا، ما أغبى الرجوع إليه.
ومع ذلك فثم ثلاثة أخبار نبهتنى إلى صحة عناد موقفى ضد اليأس (1) تحسن أحوال البورصة فجأة مع تولى وزارة البيزينس وأولاد الناس المسئولية. (2) خروج كمال الشاذلى ومحمد سليمان بالسلامة. (3) إعلان جوائز ساوريرس الأدبية.
مع الإصرار على مواصلة الحياة، سوف نفعلها، نماذج الدول / أو الشعوب من أقصى اليمين (دبى)، إلى أقصى اليسار (الصين) تقول إن من يريد أن يعيش، يستطيع، وتحق له الحياة، كذلك النماذج الفردية تمارس تنبهنا أن الانتماء والمسؤولية تعطى صاحبهما معنى لما يكسب وينتج وهى تساهم فى مسيرة الناس إلى ما يكونون به بشرا مكرمين مبدعين. نظرة إلى مليارات الخير والإنتاج والإبداع من مؤسسة بيل جيتس إلى مؤسسة الحريرى والعقبى لساويرس، تقول شيئا فى هذا الاتجاه.
المسألة مسألة وقت، هذا إذا فعل كل منا ما يستحق به أن يعد حيا يتحدى، تحت كل الظروف.