نشرت فى جريدة الوطن
24/5/2001
لا حضارة بدون لسانها
ولنأخذ مثالا أبسط يوضح لنا إلى أى مدى يختلف سلوكنا الجارى عن دعوانا المعلنة وفخرنا الخادع: وأعنى به تلك الضجة التى أثيرت من جديد حول “تدريس الطب باللغة العربية” فهى تدل على موضعنا الشديد التواضع على سلم اليقظة, فهذه المسألة ينبغى أن تكون منتهية تماما, ومن البداية, ذلك أنه: أما حضارة أو لا حضارة اذ لا حضارة بغير لسان, ولا ابداع بغير عطائ لغة غائرة فى الوعى، مختلطة باللحم والدم, قادرة على الاقتحام والتواصل معا, وكل ما عدا ذلك لا ينبغى أن يطرح للنقاش أصلا, ويكفى للتدليل على غفلتنا أننا حين نتحدث عن اللحاق بمعطيات العلوم الطبية: نتصور أن هذه المعطيات هى باللغة التى ندرس بها الطب دون غيرها (الانجليزية) وكأنه ليس ثمة معطيات باللغة الألمانية أو اليابانية أو الروسية أو العربية, ولو صح زعمهم لكان علينا أن ندرس الطب بكل اللغاب الا اللغة العربية لأنها على رغمهم لا تعطى مكما يحتاج إلى اللحاق به ان معجزة اسرائيل ليست فى الاستيلاء على الأرص, فأى قاطع طريق أو قرصان يستطيع أن يحصل بالقوة على ما يملكه غيره من عقار ومنقول لكن المعجزة – سيداتى وسادتى هى احياء لغتهم القديمة فى الوقت الذى لا نألو جهدا لقتل للغتنا العربية مع سبق الاصرار.
لقد تتبعت هذا الحوار حول تعريب بتدريس الطب) فى غيظ عاجز, ورفضت أن أساهم فيه لأنى تصورت أن الأولى بنا أن نناقش أولا موضوع “تعريب تدريس اللغة العربية, وليس الطب (ولكن هذا حديث آخر)
لماذا الاسلام؟
ومع كل ذلك – ومن أجله – فانه لابد من التقاط خيط الأمل من وسط كوم هذا العهن المنفوش من الركام والكلام, فنعاود النظر فى الاسلام كبديل من بين البدائل المطروحة لاستمرار الحوار بين الحضارات, وقد تصدر هذا البدديل ساحة عقولنا بعد النجاح المبدئى للثورة الاسلامية فى ايران (وقبل اخبارها) وبمناسبة اسلام جارودى الخ, مع لوء بعض السياسين والاقتصاديين الى الاستعارة لافتات اسلامية لأغراض سواقهم الخاصة, وأحسب أن كل ذلك مهما كان مصدره يمكن أن يبعث يقظة حقيقية بهدايتنا إلى رؤية موقعنا المناسب على مسار الحضارة المعاصرة.
محاذير مبدئية:
وبلا استغراق فى أحلام تردد ما شبعنا من سماعه دون أن نخطو من موقعنا, ينبغى علينا أن نحدد حجم المسئولية وطبيعة الجهاد, ولنبدأ بأن نحذر أنفسنا ابتداء من أن ننسى أن:
(1) أن العالم ليس مسلما كله, ولن يسلم كله فى المدى القريب (أو البعيد: الله أعلم), وحتى فى نطاق مصرنا هنا, تصح نفس العبارة.
(2) ان حضارة الاسلام (بالمعنى المطروح كبديل عصري) لابد أن تعتبر مجرد نموذج يحتذى – اذا نجحنا فى الكشف عن قدرتها العملية على تعميق الفطرة واطلاقها – ولكنها أبدا ليست النموذج الأوحد, وكل ما سار فى اتجاهها: هو منها واليها.
(3) أن الذى ينبغى أن يتولى هذه المهمة ليعلن طبيعة النموذة الاسلامى هو المسلمون أساسا, ولا يجدر بنا أن ننتظر حتى يقوم عنا نفس العلمانيين الماديين الغربيين (وغيرهم) بهذه المهمة سواء قبل اسلامهم أم بعده, قد ينهوننا اللينا, ولكنهم لن يقوموا بكل العمل.
(4) أن مجرد تفسير نص, أو النقاش حول أثر, لن يؤدى الدور الحضارى المنتظر, ولكن المطلوب هو اعادة معايشة هذا الدين حتى يسير على أرجل, وكأنه قد أنزل على قلب كل مسلم تطمس بصريته من جديد, وهذا يتطلب هجوما شجاعا على ما استقر فى وعينا المستورد والملقن على حد سواء.
ثم نخطو خطوة أخرى.