“نشرة” الإنسان والتطور
20-1-2009
السنة الثانية
العدد: 508
عودة إلى عينة من ألعاب العلاج الجمعى
كيف يشفى السليم؟
وكيف يخاف المريض الشفاء؟ (1 من 4)
قبل اللعبة
قدمنا فيما سبق كيف أن الجنون هو اختيار من مستوى أعمق من مستويات الوعى، وكيف أن المريض (العقلى بالذات) لا يكتشف ذلك إلا بعد بداية المرض عادة، وكيف أن الطبيب فى العلاج المكثف يمكن أن يُحمَّل مريضه مسئولية اختياره هذا، ثم هو (المعالج) يحملها معه (مع المريض)، ليتواكبا معا على طريق الشفاء.
عادة ما يعترض الأسوياء ومرضى العصاب على هذا “الفرض”، ويتصورون أنه اتهام للمريض النفسى، وكأن ما به – هكذا- نوع من التمارض، مع أنه عكس ذلك تماما، وقد بيّنا قبل ذلك كيف أننا – بذلك- إنما نحترم إرادة المريض على كل المستويات، فالمريض حين اختار المرض كان يحسب أنه الحل فى مواجهة القهر والاغتراب مثلا، وحين يفشل هذا الحل المرضى تلقائيا، أو بمساعدة المعالج، فإنه مثلما اختار المرض وجربه ولم يجد أنه الحل كما بدا له ابتداء، فإنه قد يفكر أن يقبل عرض العودة إلى مستوى آخر من الصحة بمواكبة الطبيب المعالج كتفا لكتف، وخبرة بخبرة، نحو الشفاء المتنامى.
من نفس المنطلق فإن المريض أثناء العلاج النفسى المكثف، وبالذات أثناء العلاج الجمعى، يمكن، وهو يقترب من الشفاء، أن يتردد فى أن يخطو نحو السواء، لأنه إذ يفعل ذلك إنما يتنازل ضمنا عن الحل المرضى، وهو لم يضمن – بعد – عادة – عدم إعادته إلى حظيرة ما كان فيه مثل الغربة أو القهر أو الظلم (ولو فى تصوره).
يعبر المرضى – العقليون بالذات – عن ذلك بشكل مباشر أحيانا، أو عن طريق لعبة نفسية من ألعاب العلاج الجمعى أحيانا أخرى.
وهذا ما حدث:
فى هذه الجلسة، اسِتُدرج كل من الأطباء المعالجين والمرضى على حد سواء إلى فحص احتمالات وتشكيلات كل من إرادة الصحة وإرادة المرض، دون تعريف أو تحديد بالألفاظ لأى من “الصحة” أو “المرض”.
فى يومية سابقة بيّـنا صعوبة تحديد الحد الفاصل بين الصحة والمرض، كما قدمنا الصعوبة المحيطة بإشكالات ذلك، وفى الخبرة الحالية التى نقدمها اليوم تبين لنا أن كلا من إحداث المرض والشفاء منه ومقاومة هذا وذاك، كل هذا له إيقاعات وبرامج داخلية تظهر تلقائيا فى الممارسة الحياتية، والحوار الطلق، دون حاجة إلى وصاية أو تعريف.
هكذا وجدنا أنفسنا أثناء اللعبة – اختياريا حسب قواعد المجموعة- نكشف عن ظاهرة جديدة بدرجة ما، إذ تبين لنا احتمال أنه حتى السليم ربما يخاف أن “يشفى”،
كيف ذلك وهو ليس مريضا أصلا؟
وتوالت التساؤلات:
هل يوجد فى كل منا ما يمكن أن يسمى مرضا دون تحديد؟
هل توجد داخلنا – وأحيانا خارجنا- مقاومة للشفاء، كما توجد مقاومة للمرض؟
وفيما يلى بعض ما اخترنا من مقتطفات:
……………….
……………….
د. يحيى: عامل إيه يا أحمد؟
أحمد: الحمد لله
د. يحيى: ما جيتشى الأسبوع اللى فات ليه؟
أحمد: فيه أمور فى الشغل باحاول أظبّطها
د. يحيى: الله الله !!! يمكن خفيت
أحمد: ماشى
……………….
………………
د. يحيى: تيجى نقرر إنك خفيت، زى ما عملنا مع أمانى
أحمد: لأ لسّه
د. يحيى: يا شيخ ما تْياله نتوكل ونقرر إنك خفيت،…. أو على الأقل إنك تخفّ
أحمد: مش عارف،……… مش عاوز أخفّ دلوقتى
د. يحيى: مش عايز تخف دلوقتى!!! يا واد يا واعى، بصراحة باينّها أحسن، خليك يا راجل قاعد فى اللى انت فيه شوية، أحسن ما تخف بقى وتبقى حاضِر وتتألم وتعمل علاقة مع الناس، وتستحمل، وكلام من ده، يا ترى هما حا يستحملوك ولا لأه، بلا هدّه، آدى احنا قاعدين….!! ….
(د. يحيى يلتفت إلى “سمير ” وقد ضحك عاليا بعد أن سمع هذا التعليق)
د. يحيى: إيه يا سمير، فيه إيه؟ بتضحك على إيه؟
سمير: على كلامه طبعا
د. يحيى: كلام مين؟
سمير: على كلام أحمد، بيقول مش عايز يخف
د. يحيى: من حقه يا أخى، راجل صريح وعارف اللى فيها، لو تبص كويس فى نفسك يمكن تلاقيك زيه
سمير: لأ طبعا مش معقول
……………………
……………………
(وتطور الحوار، وابتعد عن هذه المنطقة قليلا، ثم عاد إلى نفس النقطة هكذا):
د.يحيى: ياللا نشتغل فى ده النهارده، نبتدى بيك يا سمير عشان انت اللى ضحكت عل الفكرة دى وزى ما تكون رفضتها من أصله، ياللا نقول “يانهار أسود دا انا لو خفيت،.. كذا كذا كذا ……”، كلنا حانلعبها بما فى ذلك الدكاترة، هما مش عيانين بس حايلعبوها إذا حبَّوا
سمير: طيب جرب على واحد غيرى كده
………………
د.يحيى: لأه إنت ابتدى: ………. ياخبر أسود دا أنا لو خفيت ..وتكمّل…
……………….
سمير: ياخبر أسود ياممدوح، دا انا لو خفيت مش حاشوفك فى الجروب تانى. تمشى دى؟
د.يحيى: كله يمشى، إحنا عندنا كله يمشى
………………
د.يحيى: حا تلعب مع إثنين ثلاثة؟ ولا مع كله؟
سمير : أنا ممكن ألعبها مع كله، عادى، مش حاتفرق معايا
د.يحيى: بس ماتعيدْشي
سمير: مش حاعيد ولا حاكرر كلامى
سمير: ياخبر أسود يا دكتورة دينا دا أنا لو خفيت، مش حاتشوفى وشى طبعاً
د.يحيى: مش قوى يا سمير ، زى ما تكون بتكرر …
سمير: (مكملا اللعبة): ياخبر أزرق يادكتورة دينا دا أنا لو خفيت مش حاجى هنا تانى
د. يحيى: شوف برضه بتكرر شوية، بصراحة إنت بتستسهل، كفاية كده ومش ضرورى كل واحد يلعبها مع الكل، (…………..) كفاية اتنين تلاتة، كل واحد يلعب مع مريض ومريضة وأى دكتور منا، تدى الكورة لمين يا سمير
سمير: لانصاف
د.يحيى: هو الستات فى الغالب حايعملوها احسن، ياللا يا إنصاف
………………
إنصاف: هيّا إيه؟ ياخبر أسود إيه؟
د.يحيى: هو سمير قلبها ازرق، المهم، ياخبر أسود ، يا خبر ازرق ما تفرقشى، دا أنا لو خفيت، وتكملى، بس بتمثيل بوشك وجسمك وكله
سمير: وفى الأخر تصوّتى
د.يحيى: الظاهر حانصوت كلنا مع بعض فى الآخر
………………
إنصاف: ياخبر أسود
د.يحيى: بتقولى لمين
إنصاف: لأحمد
د.يحيى: قولي له يا أحمد
إنصاف: يا أحمد يا خبر أسود
د.يحيى (مقاطعا): فين إيديك وتشلشلى، يا خبر أسود
………………
إنصاف: يا خبر أسود يا أحمد دا أنا لو خفيت مش حاشوفك تانى
………………
إنصاف: يا خبر أسود يا أمانى دا أنا لو خفيت مش حاسمع صوتك تانى
………………
د.يحيى: تدى الكورة لمين، يا إنصاف
إنصاف: لأحمد
………………
أحمد: ماشى حاقول للدكتورة دينا:
ياخبر أسود دا أنا لو خفيت حاتحمل المسؤلية أكتر
د.يحيى: ياه !! ما هو انت اللى من الأول فتحت علينا الحكاية دى، واهو انت أهه ماشى فى نفس الاتجاه اللى إنت شاورت عليه من الأول، كتر خيرك، أصل ده هوّا اللى وصلنى ياابنى وخلانى أفكر نلعب اللعبة دى، ياللا بقى يا أحمد خد لك بقى حد تانى
أحمد: …. يا خبر أسود يا “ممدوح” دا أنا لو خفيت أخاف أحسن تتعب إنتَ تانى
د.يحيى: شكرا،
حد من الدكاترة عاوز يلعب علشان أنا حاسس إن المسألة مش ماشية، يمكن الدكاترة يخلوها تتحرك شوية…، حد من الدكاترة عاوز يلعب رغم إن إحنا مش عيانيين
د.ياسمين: (تنظر، ثم تشير إلى د. دينا طاهر): الدكتوره دينا عايزه تلعب
د.يحيي: …شكرا، مادام انت متبرعة كده يا دينا، يبقى تلعبيها بقى وانت بتمثلى
د.دينا طاهر: يا أمانى: ياخبر أسود ، يا خبر أسود: دانا لو خفيت حاشيل همك اكتر
د.دينا طاهر:يا ياسمين: ياخبر أسود انا لو خفيت يمكن أفهمك اكتر
د.دينا طاهر: يا أحمد: يا خبر أسود انا لو خفيت حاشتغل وابقي احسن
د.يحيي: بجد اشكرك انا عايز أمانى تلعب رغم اني كنت قفلتها، بس مافيناش بقي حكاية اشوفك اكتر وماجيش اكتر ما اروحش اكتر ………..
أمانى: يا دكتورة دينا ( دينا طاهر) يا اخبر أسود دا انا لو خفيت يمكن احتاجلك تاني
أمانى: يا سمير يا خبر أسود دا انا لو خفيت يمكن ما تعرفش تكلمني تاني
أمانى: يا دكتورة ياسمين يا خبر أسود دا انا لو خفيت يمكن ما اقعدش القاعدة الحلوة دي تاني
د.يحيي: مين عايز يلعب،
(صمت يطول)…………
طيب..، مين عايزني ألعب؟، الظاهر من كتر احترامى لدِينَا، لقيت نفسى عايز العب انا شخصيا زى ما يكون باشاركها أو بابلّغها احترامي،
(يطلب أكثر من واحد أن يلعب د. يحيى)
د.يحيي: يا أحمد يا خبر أسود دا انا لو خفيت مش حاعرف اشوفك كويس، يمكن يعنى
د.يحيي: يا دينا (دينا طاهر) يا خبر أسود دا انا لوخفيت يمكن قدرتي علي المعرفة تقل
د.يحيي: يا إنصاف يا خبر أسود دا انا لو خفيت يمكن اريّح ترييحه غبيه
………………
د.يحيي: إيه رأيكم؟ عايزين نلعب العكس، يا ياسمين..، يعنى نقول: يا حلاوة دا انا لو خفيت.………كذا كذا.
سمير: يا حالولي دا انا لو خفيت …
د.يحيي: طيب، ياللا يا سمير إبتدى
سمير: انا مش عارف انت بتجيبني ليه في الاول
د.يحيي: عشان انت اللي اتسحبت من لسانك، ثم إنك انت اللى بديت المرة اللي فاتت، مش عايز، إدى الكورة لحد
(يلتف د. يحيى لأمانى، بعد أن لاحظ أنها كانت ساهمة)
د. يحيى: ..إيه؟ رحتى فين يا أمانى؟ مش انت لعبتى يا نهار أسود ، تبقِى تلعبِى العكس بقى
أمانى: آه
د.يحيي: يعنى تلعبي يا حلاوة دا انا لو خفيت
أمانى: يا دكتورة دينا (دينا طاهر) يا حلاوة دا انا لو خفيت حاكون انسانة مختلفة
أمانى: يا سمير يا حلاوة دا انا لو خفيت حاكون اكتر إيجابية
أمانى: يا دكتورة ياسمين يا حلاوة دا انا لو خفيت حا يرتاح بالي
(ثم تنتقل اللعبة العكسية بعد استطرادة قصيرة إلى د. دينا طاهر)
د.يحيي: ياللا يا دينا
د.دينا طاهر: انا
د.يحيي: آه طبعا مش انت اللي ابتديتي يا نهار أسود بطيبة وصدق، تبقى تلعبى يا حلاوة
د.دينا طاهر: يا سمير يا حلاوة دا انا لو خفيت مش حابطل أرقص
د.دينا طاهر: يا أمانى يا حلاوة دا أنا لو خفيت ممكن أبقى ناس موجودة بالنسبة لكى
د.دينا طاهر: يا دينا (التابعى) يا حلاوة دا أنا لو خفيت حقف بجانبك أكتر
(ثم تنتقل إلى د. يحيى)
د.يحيى: يا صفية يا حلاوة دا أنا لو خفيت حاعرف ربنا أجمل
د.يحيى: يا دينا يا حلاوة دا أنا لو خفيت كنت أعلـّمك أسهل
د.يحيى: يا أحمد يا حلاوة دا أنا لو خفيت حاقدر ماسيبكشى أبداً
………………
………………
(ثم تنتقل إلى د. ياسمين)
………………
د.ياسمين: يا دكتور يحيي يا خبر أسود دا أنا لو خفيت مش حاعرف أشتغل تانى
د.ياسمين: يا إنصاف يا خبر أسود دا أنا لو خفيت حابعد أوى
د.ياسمين: يا أحمد يا خبر أسود دا أنا لو خفيت حاكمل شيل مسؤليه
(وتلعب أيضا فى الاتجاه العكسى)
………………
د.ياسمين: يا دينا (دينا طاهر) يا حلاوة دا أنا لو خفيت حبطل أفكر كتير
د.ياسمين: يا أمانى يا حلاوة دا أنا لو خفيت حنرقص مع بعض
د.ياسمين: يا مصطفى يا حلاوة دا أنا لو خفيت حعمل كل اللى نفسى فيه
(ثم تلعب د دينا التابعى فى الاتجاهين دون أن تستعمل حقها فى الاعتذار: النور الأحمر)
د.دينا التابعى: يا دينا (دينا طاهر) يا خبر أسود دا أنا لو خفيت حتوجع تانى
د.دينا التابعى: يا أحمد يا خبر أسود دا أنا لو خفيت حاشتكى أكتر
د.دينا التابعى: يا ممدوح يا خبر أسود دا أنا لو خفيت حاتحاسب أكتر
(وبالعكس )
د.دينا التابعى: يا أمانى يا حلاوة دا أنا لو خفيت عمرى ما حانساكى
د.دينا التابعى: يا ياسمين يا حلاوة دا أنا لو خفيت يرتاح بالى
د.دينا التابعى: يا سمير يا حلاوة دا أنا لو خفيت حابقى حاجة تانية
وبعد
الانطباع المبدئى – بعد تحمل غرابة اللعبة وتأجيل الاعتراض على ما بها من مخالفة للمنطق الشائع بين الناس- هو أن لعب الأطباء بدت دلالته أكبر بكثير من لعب المرضى، مع أن المتوقع، بالمنطق السائد هو أن يكون الأمر بالعكس.
وغدا ننشر التعقيب على اللعبة أثناء الجلسة، ثم توجهات الأفكار والفروض اجتهادات التفسير.
(ملحوظة: كل المرضى المشاركين يعانون (أو كانوا يعانون) من أمراض جسيمة (التى يطلقون عليها عقلية) فيما عدا أحمد، ونعتذر عن تسميته باسم محدد، لأن هذا لا يتفق مع المنهج الذى اخترناه تجنبا للاختزال والنمطية.
تنوية: جميع الأسماء فيما عدا الأطباء مستعارة كالعادة.