نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 16-10-2013
السنة السابعة
العدد: 2238
كيف يستبعد كل فريق حضور الله فى وعى الناس (1)
بالرغم من أن الشائع لدى السياسيين والإعلاميين بل والعامة أن من يسمون العلمانيون هم الذين يؤكدون على فصل الدين عن السياسة فإن حقيقة الأمر أن المسألة أخطر من ذلك وأكثر اتساعا وأسوأ أثراً، فالفكرة لها أكثر من حضور ولها أكثر من استعمال.
إن أى فريق يقوم بتهميش دور الإيمان فى الإبقاء على الحياة واستمرار التطور هو فى حقيقة الأمر لا يكتفى بفصل الدين عن السياسة وإنما يمتد موقفه الاختزالى إلى فصل الناس عن الله جل شأنه، وهذا يحدث بطرق متعددة أبين بعضها فيما يلى:
أولاً: يدعى فريق أن الدين علاقة خاصة جدا بين الإنسان وربه، وكأنه سر ينبغى التكلم عنه همسا، ولو كان الأمر كذلك لِمَ لَمْ يكن دور الأنبياء عليهم السلام هو ممارسة هذه العلاقة الخاصة مع الله سبحانه، ربما فى سرية هادئة، وما الذى جعلهم يضحون بكل هذه التضحيات ويواجهون الإنكار والتكذيب والقتل، “فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ”
ثانياً: يدعى فريق أشهر أن “الدين لله والوطن للجميع”، ويفرحون بذلك وكأنه حل الأحجية (الفزورة)، لكن الله حاضر فى وعى الناس المواطنين طول الوقت، وهم يحبون أوطانهم فى نفس الوقت، ويستشهدون فى سبيله، وهم يعمرون أرض الله التى هى أرض الوطن، ولا يمكن استبعاد الله سبحانه ليكون الوطن للجميع دونه، خصوصا فى ثقافتنا.
ثالثا: يعتبر فريق ثالث – دون وعى وعادة دون إعلان: أن الدين، والله بالمرة، لا يمثلان إلا علاقة تكميلية (أوبشن (Option ) يمكن أن تضاف إلى الممارسة الحياتيه، وذلك لمن شاء، ويمكن أيضا التزين به من الساسة أو الرؤساء حين يتحلى أحدهم ببعض الآيات أو الحكايات الدينية لحاجة فى نفس يعقوب (مثل أوباما فى جامعة القاهرة!!) أو مثل معظم الرؤساء فى المناسبات الدينية والأزمات الوطنية.
رابعا: الفريق الرابع يستعمل الدين كأداة استرخاء بعض الوقت، مثلما يذهب إلى شاطىء البحر أو إلى طبيب نفسى تقليدى، وبذلك يستبعد من الدين الكدح والجهاد وألم المواجهة وإبداع الحياة.
ليس معنى أى من هذا أننى أدعو أن نُدخل الدين على العمّال على البطال فى أحاديثنا اليومية أو محاوراتنا السياسية أو أن نستسلم لفصيل دون سائر الناس يزعم الإلمام بإيحاءات ربنا أكثر منا، فنتخلى عن التزامنا فردا فردا بالسعى إلى حضور الله فى كل مستويات الوعى والدنيا، والآخرة وهذا ما عنيته بحضور الله كل ثانية ومع كل ذرة فى خلية حياة عند كل البشر، وغير البشر، وهو الإيمان الحقيقى.
إن رؤيتى هذه لا تعطى أى حق لأى ممن يسمون رجال الدين (وليس فى الإسلام هذه الفئة والحمد لله) أن تصبح هذه الفئة هى الوصية على تحديد علاقة كل إنسان بربه، اللهم إلى فى ترشيده الأساسى إلى الطريق الذى مهده له دينه ليسهل له التوجه إلى وجه الله دون أن يفرض عليه أهل هذه الفئة بأدواتهم وتفسيراتهم الاستسلام لقهر فكرهم البشرى المحدود، الذى نشأ فى وقت آخر لغرض آخر. أما حضر الله طول الوقت كأننا نراه، فإن لم نكن نراه فإنه يرانا، فهذا يعنى حضوره حقا صمدا يعيننا على بناء حضارتنا من واقع ثقافتنا بفضله إليه.
وللحديث بقية.
[1] – تم نشر هذا المقال فى موقع “اليوم السابع” بتاريخ 12- 9- 2013