18-04-2012
تعتعة الوفد
كيف نحمل أمانة ومسئولية أننا مسلمون..؟
انتقلنا من انتفاضة الغضب، إلى بداية الثورة، ومن تحطيم الأصنام، إلى كسر الخوف، ثم توقفنا عند تكرار النص، والانغلاق الفئوى، واهتزاز سلطة المرحلة الانتقالية، والتسكين بالرشاوى، والتأجيل بالوعود الخاوية. ومازالت الدولة لم تتكون، والناس لم تعمل، والإفاقة لم تكتمل، والخطر يقترب أكثر فأكثر، لكن الأمل لم يمت، ولن يموت.
كل ذلك لا يطمئن أننا نسير إلى ما نستأهل أن نكونه من خلال الانتقال إلى تشكيل ثورة حضارية مثل التى أتت بها الأديان قبل أن تتشوه، الأمر الذى لا يتحقق إلا أن يحمل كل منا أمانة أن يقوم بدوره – فرض عين – فى إرساء قواعد تلك الثورة الأخرى بترسيخ رص لبناتها لإقامة صرح يليق بوعودها ، لنستغنى – مع الشكر- عن أهراماتنا الحجرية فى الواقع والفكر جميعا !!
ربما آن الأوان للحديث عن الحضارة البديلة التى يمكن أن يعدُ بها الشرق الإيمانى، أو ثقافة التوحيد، أو الإسلام الحقيقى، أو أى دين لم يتشوه؟ الناس عبر العالم فى حاجة إلى ملايين الأنبياء بعد أن ختم نبينا بوحى من الله النبوات الملهمة من رب العالمين، وهو ما وصل إلى فيلسوف الإسلام محمد إقبال باعتبار أنه كان قد آن الأوان، وما زال، أن يحمل الإنسان فردا فردا، وجماعة جماعة، وأمة أمة، مسئولية تجديد إبداع حياة البشر، بدءا بنفسه ووطنه وناسه، ممتدا إلى كل الناس، كتبت فى كتابى حكمة المجانين: “لسنا فى حاجة إلى دين جديد، بل إلى ملايين الأنبياء”، ( بلا نبوة).
لست متأكدا إن كان هذا وقته، أم علىّ أن أنتظر حتى تتبين المعالم أكثر بعد أن ننتهى من تشكيل البنية الأساسية التى لا تريد أن تتشكل، الأرجح عندى أن يبدأ كل شىء فى نفس الوقت وإلا ضاعت الفرصة أمام زحف السلبيات والمضاعفات والأخطاء والنكسات:
ها نحن على أبواب مواجهة إرهاب دولة وترهيب أغلبية من نوع آخر، قد يكون أقسى وأرعب، مدعما بنصوص مقدسة احتكر تفسيرها وفرضها من لم يأخذ توكيلا منا، ولا من الله سبحانه وتعالى، هذا التهديد القائم والمحتمل دفع كثيرا من الناس أن يفكروا فى طريقة للهروب من المرّ الأمرّ مما كانوا يحسبون، إلى مرٍّ بدا لهم أقل مرارة، ربما لتعودهم عليه تبعا لمبدأ “اللى تعرفه أحسن من اللى ما تعرفوش”، الاختيار بين المرشحين للرئاسة تحول من البحث عن “من يستطيع أن يحمل أمانة المرحلة فالمستقبل” إلى البحث عن “من ينقذنا ممن هو أسوأ منه”، يبدو أننا نختار “الضد” قبل أن نختار “المُراد” إيجابا، نختار “عكس ما لا نريد، وكأننا نريده لأن هذا هو البديل المطروح من خلال الاستقطاب الحادث، نختار “الضد” لمن ضقنا به واكتشفنا سوءه، أكثر مما نختار “من نفضله”، هذا ما يفسر لى كيف أن كثيرا من الناس يفضلون حاليا رئيس مخابرات من خلعوه، ليس حبا فيه أو استرجاعا لأمجاد سيده المزعومة، وإنما هم يلجأون إلى عكس ما يرفضون ولو ظاهريا، هذه الفئة التى فازت فى انتخابات مجلس الشعب كان أهم ما يميزها لدى الناس أنها لاحت لهم وهى تمثل عكس الذى كنا نرزح تحته، فاختارها الناس باعتبار أنها “الضد: لما كرهوه، وأكرهوا عليه، وانتظر الناس منها، كما انتظروا من أى إجراء انتقالى، حلا جاهزا هابطا من أعلى، وحسبنا أننا بذلك اخترنا من يحمل عصا سحرية يحل لنا مشاكلنا بقرار أو قانون يكتب على الورق، أو يعلن فى خطبة، دون أى ضمان لدعمه واقعا نافذا فى مدة معينة على أرض صلبة، وبما أن أحدا لا يحمل تلك العصا السحرية مهما خلصت النوايا، أصابنا الإحباط بسرعة دلت على أننا اخترنا الحلم وليس برنامجا سياسيا قابلا للاختبار، وساعد فى زيادة مرارة الإحباط سوء أداء هذه المجموعة التى اختارها الشعب مهما اجتهدت، فراح الناس يتكلمون عن أنها تعرّت، وانكشفت، وخابت فى “سنة أولى” “تغيير”، وضج الناس مما حدث، وتوقعوا ما هو أسوأ، وعادت آلية السعى إلى الضد، مجرد الضد، وليس السعى إلى البديل الأقدر، بمعنى أن كثيرا من الناس اندفعوا نحو من يمثل أى نقيض لهذا الاستحواذ الاحتكارى الاستقطابى الخطر، وعدنا إلى آلية انتخاب من هو”ضد ما نكره”، وليس أن ننتخب من نثق أنه سيقود السفينة إلى بر الأمان والاستقلال والإبداع كدحا إلى وجه الله.
بدت المسألة وكأنها مجرد تبديل الإخوانى بالوطنى، والنص الجامد المغلق فى عقول المفسرين والمؤولين، مع زعم دعم إلهى خاص، بالنص الجامد التابع لقوى السيطرة والغطرسة.
خطر لى أن أوجز فى هذه المقدمة لسلسلة من المقالات تشرح هذا الإجمال كما يلى :
ناسنا الطيبون انتخبوا الإسلام الذى لاح لهم أملا واعدا، وبديلا مناسبا دون التأكد من أن من انتخبوهم يمثلونه كما هو فى وعيهم أم لا، وانتظروا النتيجة بعد الامتحان، فإن لم يثبت من واقع الأداء، وليس مجرد التلويح بحل المشاكل والتسكين والوعود، إن لم يثبت أن من جلسوا على الكراسى قد حملوا أمانة هذا الدين العظيم (مثل كل دين لم يتشوه)، وأنهم قادرون، ويسعون من خلال الواقع اليومى، أن يقدموا قيم الإسلام وثقافته، كحل بديل فعلا لما آل إليه أمر الإنسان المعاصر عبر العالم، من واقع ممارسة مختلفة، وقيم مختلفة، ومسئولية مختلفة، وإيمان مختلف، وثقافة مختلفة، فكل الحلول الشكلية لن تعدو أن تكون تبديل لافتة بأخرى ربما إلى أسوأ والعياذ بالله،
لابد من تقديم حلول عملية أخرى قادرة على إصلاح ما أفسده المال والتكاثر والغطرسة والاغتراب عبر العالم ، نعم عبر العالم، بدءا بنا طبعا، نعم: إن لم تحمل هذه الأغلبية المسلمة تلك المسئولية المتجددة فسوف يتحدد عمرها الافتراضى بعاملين، الأول: حجم غباء أخطائهم العاجلة، والثانى: مدى نمو وعى الناس مهما طال الأجل، العالم كله يحتاج إلى من يستلهم من وحى الله ما يصلح به خلق الله جميعا، مسلمين وغير مسلمين، القرآن الكريم جاء يخاطب الناس أولا، وليس أخيرا، والمسلمون ضمن هؤلاء الناس، فلنكن عند حسن ظن ربنا بنا.
إذا كان الأوان قد آن لنتكلم عن، ونسوق ما تيسر من: وعى عام يقوم بتشكيل البشر كما يلهمنا الإسلام الحقيقى (وأى دين لم يتشوه) فإن على كل مسلم أن يبدأ فورا فى الإسهام فى تفعيل القيم التى يمكن أن نتميز بها، فلا نكون النسخة “المضروبة” لثقافة مستوردة، تحمل أسماء تراثية وهى تمارس نفس آليات التدهور والاغتراب الحادثين عبر العالم.
ان أى بديل حضارى انما يقدم نفسه من خلال ما يقدمه من ممارسة الموقف الكيانى العام من الحياة: ماذا يعنى ما هو انسان، من حيث ماهيته ومساره ومصيره، فإذا نجح هذا البديل أن يقدم معنى يختلف به عن غيره ويتقدمه، ليصحح ما لحق بالإنسان من اغتراب نتيجة للتكاثر والغطرسة فهو الحل، الذى لا بد أن يظهر عيانا بيانا فى الآثار العملية لما يمكن أن يتحقق فيتجلى واقعا حيا من أول السلوك اليومى حتى نوعية الإبداع، الاقتصاد يحميه، والإيمان يدفعه .
لا يجوز إطلاقا بعد إتاحة هذه الفرصة النادرة أن نكتفى بأن نضيف إلى نموذجهم نشاطا خاصا بالجانب الوجدانى القلبى المتدين، مع وقوفنا طول الوقت منفذين مقلدين لا مبدعين، نسوق بضاعة ليست من إنتاجنا تحت لافتات لا تخفى حقيقة مصدر استيرادها، مع أنها بضاعة مضروبة بطبيعتها. إننا إذا اكتفينا بتغيير اللافتة لتحمل ألفاظا إسلامية، مع بقاء النظم، والمواقف، والبرامج، والمرجعية هى هى، فإننا نخدع أنفسنا، ونؤكد تبعيتنا بأقبح الخدع التى لا تفرز إلى أسوأ النتائج.
لا مفر من البحث عن موقف آخر، وتوجّه آخر، يترتب عليه نوع آخر من الحياة، لنبحث فيه، ولنعمقه، ولنضع المحكات التى نقيسه بها، ثم نمارسه، ونختبره، وقد نسوّقه لهم إن أرادوا، حين نستقل بحق، وننجح بتحدّ خليق بأن يحسدوننا عليه وهم يتبينون الفرق الذى تبينه جارودى فى الجنود المسلمين الذين رفضوا تنفيذ أوامر قيادتهم بإعدامه، كما وجده عند ابن عربى ، وداخل نفسه، وفى آخرين!!.
حين نستقل اقتصاديا، ونطمئن أمنا، وننجح إبداعا، ونحمل همهم برغم ما أصابنا منهم، فسوف تتجلى الحضارة الجديدة باعتبارها حلا حقيقيا، ليس فقط لنا، لكن أيضا، وتماما لهم، فهم أحوج ما يكونون إلى نموذج ينقذهم من ورطتهم،
صدقونى: فإن الشرفاء منهم يتمنون لنا ألا نتبعهم، ونحن نحاول من منطلقنا أن ندعو ونمارس أنه : “ربى كما خلقتنى” ،
هل هذا وقته؟ أم أن الأولى أن أذكر مخاوفى من مدير المخابرات، وموقفى من جنسية أم المرشح السلفى، ورأيى فى سلامة أوراق ترشيح المختار الإخوانى؟
لا أعرف؟
لكن للحلم ضرورة عملية حين تدلهم الأمور هكذا،
والله – سبحانه وتعالى – المستعان عَلَى مَا تَصِفُونَ.